اقتصاد / صحيفة الخليج

السيارات الكهربائية الصينية وأسعار النفط

د. رامي كمال النسور*

انخفضت أسعار النفط هذه الأيام إلى ما دون 70 دولاراً للمرة الأولى منذ ديسمبر 2021، قبل أن تتعافى قليلاً بعد أن أوقفت عاصفة إنتاج خليج المكسيك، لكن هذا الانتعاش لم يدم طويلاً، وتشير رهانات صناديق التحوط على هبوط الأسعار إلى أنها قد تقترب من 60 دولاراً للبرميل وليس 80 دولاراً. وفي الحقيقة تؤثر في سعر النفط العديد من العوامل المتشابكة والتي تترواح ما بين العوامل الاقتصادية وصولاً إلى العوامل السياسية.
ومؤخراً ظهرت أصوات تتحدث عن أثر زيادة إنتاج واستخدام السيارات الكهربائية في على أسعار النفط على سعر النفط وهذا ما سنسعى للتحقق منه في هذا المقال مع ضرورة مراعاة وجود عوامل أخرى كثيرة.
إن الصين باعتبارها واحدة من أكبر مستهلكي في العالم، تلعب دوراً محورياً في أسواق النفط العالمية. تقليدياً، جعل التصنيع السريع في الصين ونمو الطبقة المتوسطة منها لاعباً رئيسياً في دفع الطلب العالمي على النفط. ومع ذلك، في السنوات الأخيرة، كان هناك تحول كبير جارٍ ويتمثل بالتركيز المتزايد للصين على المركبات الكهربائية. حيث إن دفع البلاد نحو كهربة صناعة السيارات، مدفوعاً بالمخاوف البيئية والرغبة في أمن الطاقة، له آثار عميقة على سوق النفط العالمية.
تُعد الصين موطناً لأكبر سوق للسيارات الكهربائية في العالم، حيث تمثل نحو نصف إجمالي مبيعات السيارات الكهربائية العالمية. ويدعم هذا النمو سياسات حكومية قوية، بما في ذلك الإعانات والحوافز الضريبية واللوائح الصارمة التي تهدف إلى الحد من انبعاثات الكربون. وقد حددت الحكومة الصينية أهدافاً طموحة للتخلص التدريجي من المركبات التقليدية التي تعمل بالبنزين والديزل، حيث تخطط بعض المدن لحظر بيع المركبات ذات محرك الاحتراق الداخلي بحلول عام 2035.
وقامت شركات تصنيع السيارات الصينية الكبرى، بما في ذلك«BYD» و«NIO» و«Geely»، بتوسيع إنتاج المركبات الكهربائية بسرعة. كما قامت شركات صناعة السيارات الأجنبية مثل «Tesla»و«Volkswagen»بتوسيع عملياتها في الصين للاستفادة من الطلب المتزايد في البلاد على المركبات الكهربائية. هذا الارتفاع في إنتاج المركبات الكهربائية وتبنّيها يعيد تشكيل مشهد قطاع السيارات في الصين ومن المقرر أن يؤثر في أنماط استهلاك النفط في البلاد.
كما يعد النقل أحد أكبر مستهلكي النفط، حيث يمثل نحو 55% من الطلب العالمي على النفط. في الصين، حيث كان استهلاك البنزين والديزل مدفوعاً تاريخياً بأسطول البلاد الهائل من المركبات ذات محرك الاحتراق الداخلي. ومع ذلك، مع انتشار المركبات الكهربائية بشكل أكبر، من المتوقع أن ينخفض الطلب على البنزين والديزل.
وبحلول عام 2030، من المتوقع أن تحل المركبات الكهربائية محل ما يصل إلى 1.5 مليون برميل من الطلب على النفط يومياً في الصين وحدها. ومن شأن هذا الانخفاض في استهلاك النفط أن يضعف الطلب العالمي، مما قد يفرض ضغوطاً هبوطية نسبية على أسعار النفط. وسيعتمد مدى هذا التأثير على مدى سرعة نمو تبنّي المركبات الكهربائية ومدى فاعليتها في تعويض الارتفاع المستمر في ملكية السيارات بين سكان الصين.
وتتأثر أسعار النفط بتوازن دقيق بين العرض والطلب. وقد يسهم الانخفاض الكبير في الطلب على النفط من الصين، ثاني أكبر مستهلك للنفط في العالم، في زيادة العرض في أسواق النفط العالمية. كما تلعب عوامل أخرى، مثل التوترات الجيوسياسية، وقرارات إنتاج «أوبك+»، ونمو مصادر الطاقة المتجددة، دوراً في تشكيل الأسعار.
فمثلاً إذا انخفض الطلب الصيني على النفط بشكل أسرع من المتوقع، فقد يسهم ذلك في انخفاض أسعار النفط العالمية على المدى الطويل. ومن شأن هذا أن يؤثر بشكل خاص في الدول المصدرة للنفط التي تعتمد بشكل كبير على الطلب الصيني. وفي المقابل، قد تسعى هذه البلدان إلى تعديل الإنتاج للحفاظ على استقرار السوق أو التحول نحو أسواق أخرى في آسيا أو إفريقيا للتعويض عن النقص في الطلب من الصين.
هناك دافع استراتيجي آخر وراء دفع الصين نحو المركبات الكهربائية يتمثل في رغبتها في تحقيق الأمن في مجال الطاقة. حيث إن الصين تستورد أكثر من 70% من نفطها الخام، مما يجعلها شديدة التأثر بتقلبات أسعار النفط العالمية والاضطرابات الجيوسياسية في المناطق المنتجة للنفط. ومن خلال تقليل اعتمادها على النفط في النقل، يمكن للصين تخفيف المخاطر المرتبطة بواردات النفط واستقرار اقتصادها ضد الصدمات الخارجية.
ويتوافق هذا التحول نحو التنقل الكهربائي أيضاً مع الهدف الأوسع للصين المتمثل في تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2060. ومع تقليص الصين لاعتمادها على النفط، فقد يؤدي ذلك أيضاً إلى إبطاء وتيرة الاستثمار في البنية التحتية للنفط، سواء على المستوى المحلي أو الخارجي. وقد تشهد صناعة النفط العالمية انخفاضاً تدريجياً في الطلب على استكشاف وتطوير النفط في المنبع، مما يقلل بشكل أكبر من التوقعات طويلة الأجل لأسعار النفط.
إن التحول السريع للصين نحو المركبات الكهربائية يمثل تحولاً كبيراً في أسواق الطاقة العالمية. ومع تقليص البلاد لاعتمادها على النفط في النقل، فإن سوق النفط العالمية سوف تشعر بالتأثيرات، مع احتمال انخفاض الطلب مما يضع ضغوطاً هبوطية على أسعار النفط. ومع ذلك، فإن سرعة تبنّي المركبات الكهربائية، جنباً إلى جنب مع عوامل مثل النمو في الصناعات الأخرى كثيفة النفط وملكية السيارات بشكل عام، سوف تحدد في نهاية المطاف حجم التأثير على أسواق النفط العالمية. وبالنسبة لمنتجي النفط والمصدرين، فإن التكيف مع هذه التغييرات سيكون أمراً بالغ الأهمية مع تحول العالم نحو أشكال أكثر نظافة واستدامة من الطاقة.
* مستشار الأسواق المالية والاستدامة

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا