عرب وعالم / بالبلدي

الماجستير للباحث أحمد سالم من جامعة العريش

»» الرسالة ناقشت نقد الفكر العربي المعاصر بين محمد عابد الجابري وعبدالله العروي

في رحاب كلية الآداب جامعة العريش وبعد مناقشات علمية مستفيضة ورصينة استمرت لعدة ساعات قررت لجنة الحكم والمناقشة منح الباحث
أحمد سالم مسلم محمد المعيد بكلية الآداب جامعة العريش.

جاءت الرسالة تحت عنوان : نقد الفكر العربي المعاصر بين محمد عابد الجابري وعبدالله العروي (دراسة تحليلية نقدية مقارنة).

تكونت لجنة الإشراف والحكم والمناقشة من :
— د. زينب محمد عفيفي شاكر أستاذ الفلسفة الاسلامية وعميد كلية الاداب جامعة المنوفية.
— د. عزمي زكريا أبوالعز علي أستاذ الفكر العربي المعاصر وعميد كلية الاداب جامعة القاهرة فرع الخرطوم.
— د.عثمان محمد عثمان أستاذ الفلسفة الاسلامية وعميد كلية الاداب جامعة العريش. — د.علاء محمد السيد
أستاذي وأستاذ الفلسفة الاسلامية المتفرغ بجامعة العريش.

شهد المناقشة كوكبة من الأساتذة والباحثين وعدد من أصدقاء وأقارب الباحث.

مستخلص الرسالة

وقع الاختيار البحثي للباحث علي دراسة أثنين من المفكرين العرب المعاصرين هما : محمد عابد الجابري وعبدالله العروي ورغم وجود فوارق واختلافات كثيرة بينهما يقف عليها كل باحث مهتم بفكرهما ، فكلاهما له منهج خاص ، وأدوات ومفاهيم خاصة إلا أن الباحث وجد أن ما يجمعهم نقطة مركزية واحدة وإشكالات فكرية معاصرة مشتركة.
قسم الباحث الدراسة إلي أربعة فصول،أما الفصل الأول فيحتوي علي الجذور التاريخية لعملية تبلور الحركة النقدية في الفكر المغربي المعاصر، أما الفصل الثاني فيتناول مبحثين الأول منهم يتناول إشكالية التراث العربي عند كلًا من الجابري والعروي، أما المبحث الثاني فيحتوي علي موقفهم من التراث “القطيعة المعرفية” معه ، أما الفصل الثالث فيحتوي علي مبحثين أيضا الأول منه يتناول قضية العقل العربي في ميزان النقد عند الجابري والعروي، أما المبحث الثاني فيتناول قضية الحداثة العربية “وموقف الجابري والعروي منها ، أما الفصل الاخير يتناول فيه الباحث الموقف النقدي للجابري والعروي من الخطابات العربية الحديثة والمعاصرة والتي تناولت تلك القضايا القضايا السابقة ، فمن الموقف من التراث ، إلي نقد الفكر العربي ، إلي الحداثة العربية ، إلي نقد الخطابات العربية المعاصرة تعكس لنا كل تلك القضايا المنهج النقدي عند محمد عابد الجابري وعبدالله العروي وكيفية استيراد مناهج غربية تنتمي إلي فلسفات غربية معاصرة.

وقد توصل الباحث إلي نتائج غاية في الأهمية منها: مهارة المفكرين العرب في استيراد واستخدام مناهج تنتمي لفلسفات غربية وتطبيقها علي قضايا فكرية ، أما بالنسبة إلى القضية الأولى في الدراسة وهي ” قضية التراث العربي الإسلامي” يتشابه كل من الجابري والعروي في اعتبارهم أن العائق الأول وراء حالة التخلف التي يعيشها الوطن العربي المعاصر تقف ورائها (التشبث بالأصالة والانتقائية) ، أما بالنسبة إلى القضية الثانية وهي الموقف من التراث (القطيعة معه) يتشابهان في إحداث قطيعة معرفية مع التراث العربي الإسلامي فيما اختلف كل منهما في نوع وكم هذه القطيعة فبينما جاءت قطيعة الجابري جزئية جاءت قطيعة العروي كلية، أما بالنسبة إلى القضية الثالثة في الدراسة وهي قضية (نقد العقل العربي) فقد اتفق الجابري والعروي على ضرورة (نقد هذا العقل المنتج للثقافة العربية) فأخرجا دراسة مهمة ومستوفية قاموا بنقد العقل فيها، فنقد الجابري العقل العربي في رباعيته الشهيرة (رباعية نقد العقل العربي).
كما قام العروي بتدشين مؤلف خاص تناول فيه هذه القضية: مفهوم العقل مقالة في المفارقات.
أما بالنسبة إلى القضية الرابعة ” الحداثة العربية ” فإن الباحث يسجل ملحوظة مهمة وقعت في الفكر العربي المعاصر بالنسبة للحداثة كمفهوم إجرائي حيث يلاحظ أن تعامل العديد من المفكرين العرب نحو هذا المفهوم أوضح غلبة الهاجس الأيديولوجي على أفكارهم مما جعل استعمالات هذا المفهوم تعبرعن قطيعة مطلقة وبشكل مشروع ومتعسف.
أما بالنسبة للقضية الخاصة والأخيرة للدراسة وهي “نقد الخطابات العربية الحديثة والمعاصرة”، فقد كانت الاختلافات عديدة وواضحة من حيث الشكل والمنهج والمضمون والنتائج.


مقدمة الدراسة
تزخر الحركة النقدية في فكرنا العربي المعاصر بنصوص نقدية غاية في الأهمية والتفرد وتعكس قيمة ( النقد) في الفكر والفلسفة بصورة عامة وتتقاطع مع الروح النقدية العربية والتي ما برح الفكر العربي المعاصر إلا ويتنفس بها، ذلك الفكر الذي يزخر بأسماء لنقاد عرب برعوا في استيراد واستخدام مفاهيم نقدية غربية حديثة ومعاصرة وتطبيقها علي قضايا واشكالات فكرنا العربي المعاصر بهدف الخروج من دائرة فكر النهضة العربية ذلك الفكر الذي ظل يدور في رحي محاولة الإجابة علي تساؤل واحد لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم ؟
وقد وقع الاختيار البحثي للباحث هنا علي دراسة أثنين من المفكرين المعاصرين هما : عبدالله العروي(1933م)، ومحمد عابد الجابري(1935-2010م) ورغم وجود فوارق واختلافات كثيرة بين فكر الرجلين يقف عليها كل باحث مهتم بفكرهما، فكلًا منهما له منهج خاص، وأدوات ومفاهيم خاصة إلا أن الباحث وجد أن ما يجمعهم نقطة مركزية واحدة واشكالات فكرية معاصرة مشتركة، بداية من القضية التي تمثل القضية الأهم والأبرز في فكرنا العربي المعاصر (قضية التراث ) ،إذ نعتبر أنها القضية المركزية ( الأم) التي انطلقت منها القضايا الفكرية الأخرى، هذا فضلًا علي أنها : القضية الأبرز في إبراز الفوارق والاتفاقات بين فكر كلًا من الجابري والعروي ( باعتبارها مرآه عاكسة ومفتاح فكري لكل مفكرعربي معاصر ) ، إلي الموقف من التراث : القطيعة المعرفية معه : باعتبار أن تحديد الموقف من التراث ، ومن ثم نقد العقل العربي الذي شكل أساس هذه القضية كوسيلة لبلوغ الحداثة الفكرية العالمية، وصولًا لنقد الخطابات العربية المعاصرة التي تناولت كل القضايا والاشكالات السابقة في حين أنها لم تستطع أن تصل بنا لنهضتنا المأمولة .

منهج الدراسة
من المعروف والثابت استخدام الباحث أثناء دراسته لعدة مناهج ، كما أن من الضروري عليه أن يلتزم بها من بداية الدراسة إلي نهايتها فلا تخلو أي دراسة جادة من إطار نظري معرفي معين، ولكن الباحث يريد أن ينوه في نفس الوقت إلي أنه من التعسف الالتزام التام بمنهج واحد وتبنيه طوال فصول وموضوعات الدراسة فالمنهج من وجهة نظره هو وليد مسار البحث وعلي حسب حاجة وطبيعة كل موضوع ومن ثم علي كل باحث أن يعي ويلتزم بتلك الحقيقة .
ولكن الحقيقة السابقة لم تمنع الباحث من استخدام مناهج محددة التزم بها في عنوان دراسته وهي : دراسة تاريخية تحليلية نقدية مقارنة ، وهذا ما جعله يدرس إشكالية النقد للفكر العربي المعاصر في صورة مفكرين معاصرين رائدين في إطار جدلي تاريخي تحليلي نقدي مقارن مع عزلهما عن بعضهما عند الحاجة فتحليل المحتوي كما يعتقد الباحث هو المنهج المناسب لدراسته حيث تسمح له بعرض الأفكار تاريخيا ومن ثم توضيحها ومن ثم الاستدلال عليها ايمانا منه بأن الموضوع هو من يحدد المنهج وليس العكس والموضوع هنا : عرض وتحليل لمنتوجات فكرية ترجع في إلي وحدة واحدة ( النقد ) وذلك بعد عرض الفكرة عرضا تاريخيًا باستخدام المنهج التاريخي الملائم والذي يسمح لنا بتتبع الفكرة وبيان مدي تطورها ، ثم في الأخير القيام بعملية مقارنة بإتباع المنهج المقارن الملازم له طوال فصول الدراسة لبيان مدي اتفاق واختلاف فكر ومنهج الجابري والعروي النقدي.

 

إشكالية الدراسة
تتمثل مشكلة الدراسة : في محاولة التوفيق أو إبراز الاختلاف بين المنهج النقدي عند كلًا من محمد عابد الجابري وعبدالله العروي، وكيفية تطبيقهم لمناهج الفكر الفلسفي الغربي المعاصر علي قضايا وإشكالات فكرنا العربي المعاصر ، ومحاولة تبيئة أو تأصيل المفاهيم والأدوات والمناهج الفلسفية الغربية عليها، والتي تنتمي في أغلبها لمنهجيات غربية حديثة ومعاصرة انطلاقًا من العلامة الأساسية المميزة لفكرنا المعاصر وهو أنه: فكر نقدي بامتياز حاول توظيف تلك المفاهيم والأدوات والمنهجيات التي أفرزها (التحول العلمي والفلسفي الغربي) والتي ينتمي بعضها لفلسفة الحداثة وما بعد الحداثة .

أهداف الدراسة
1: التعرف علي مدي الاختلافات أو الاتفاقات بين المنهج النقدي عند كلًا من محمد عابد الجابري وعبدالله العروي .
2: تحديد المدرسة الفكرية التي ينتمي إليها كلًا من الجابري والعروي ، مع محاولة تحديد كونهما قد استطاعا تكوين مدرسة فكرية خاصة بهم أم لا .
3: التعرف علي الخاصية العامة والسمة المميزة للفكر المغربي ألا وهي خاصية النقد .
4: التعرف علي مدي كلًا من الجابري والعروي لمنهجهما النقدي علي قضايا وإشكالات فكرنا العربي المعاصر.
5: تحديد الموقف النقدي عند الجابري والعروي من قضايا : التراث ، والقطيعة ، والعقل العربي ، والحداثة الفكرية العربية ، بل والخطابات العربية المعاصرة التي تناولت تلك القضايا.
6: التعرف علي مدي استفادة الفكر العربي المعاصر من الإنتاج النقدي للجابري والعروي باعتبار أن هذا الفكر في الأساس هو : فكر نقدي.

نتائج الدراسة
توصل الباحث إلي مجموعة من النتائج من أهمها:
1. قدم محمد عابد الجابري وعبد الله العروي دورا أساسيا وغاية في الأهمية في فلسفة النقد في فكرنا العربي المعاصر، فالمفكران عرفا بالتميز والبراعة الشديدة في استيراد واستخدام أدوات ومفاهيم ومناهج الفلسفة الغربية المعاصرة في بعدها النقدي حيث استطاعا أن يستوردا مفاهيم تنتمي لفلسفات ومنهجيات غربية يمكن العودة ببعضها إلى كانط، فرويد، باشلار، ألتوسير، فوكو، ماركس، هيجل، نيتشة، هيدجر، وغيرهم.
2. بالنسبة إلى الجابري فقد حاول توظيف مفاهيم تنتمي إلى فلسفات غربية يمكن الرجوع ببعضها إلى: كانط ، فرويد، باشلار، ألتوسير، فوكو بصورة واضحة، بالإضافة إلى استخدامه بعض المقولات الماركسية ولكن في حد ضيق جدا.
3. أما بالنسبة إلى العروي فقد كان لاتصاله المباشر بالفلسفة الغربية واطلاعه العميق على مكنونات الفلسفة العقلية النقدية الغربية في مرجعها الأصلي دور كبير على استيراد واستعمال أدوات الفلاسفة الكبار من : ماركس ، هيجل ، نيتشة ، هايدجر ، فوكو ، محاولًا استخدامها في تحليل وتشريح ومساءلة الواقع العربي السياسي الراهن.
4. أما بالنسبة للاتجاه الفكري الذي ينتمي إليه كلًا من الجابري والعروي، فيمكن تصنيفهما بالانتماء إلى تيار (المدرسة النقدية المنهجية الجديدة في فكرنا العربي المعاصر) والتي نرجع بدايتها الحقيقية إلى ما بعد هزيمة حزيران/ يونيو 1967م مباشرة فقد تشكل هذا التيار مباشرة للصدمة التي هزت معها الوعي العربي.
5. أما عن مدى تأثير المناهج الغربية على الجابري فقد تأثر الجابري بأكثر من مصدر لفكره سواء كان عربيًا أو غربيًا أو حتى استشراقيًا، فعربيًا تأثر الجابري بمفكرين أمثال: مالك بن بني – حسين مروة – فهمي جدعان – أمين الخولي – طه حسين ، واستشارقيًا: رجيس بلاشير – أرنست رينان – هنري كوربان – لويس مايسينون – وليام موير – ريتشارد بيل – جريم – جاك بيرك – روزنتال – سيمون فايل – هاملتون جيب – ماكدونالد – برنارد لويس ، أما غربيًا: أندريه لالاند – جان بياجيه – كلودليفي شتراوس – ريجيس دوبري – فرويد – ألتوسير – باشلار- توماس كون – مارتن هايدجر – ميشال فوكو – جاك دريدا – ماكس فيبر – بول ريكور – دوبريه – لوكاتش كولدمان ، فقد استعار مفهوم ” العقل السياسي” من رجييس دوبري – و ” العقل المنظم والعقل المنتظم” من أندريه لالاند ، و” اللاشعور المعرفي” من جان بياجيه، و”بنية القرابة والزمن” من غاستون باشلار وألتوسير وفوكو، و”الخطاب التاريخي والمنهج الحفري ” من فوكو، و ” الانفصال” من مارتن هيدجر، ” و”الاتصال” من جاك دريدا، و”اللامفكرفيه” من فوكو، و”المعقول العقلي” من فيستوجير”و “العلاقة بين الحضارة الإسلامية والفقه” من هاملتون جيب، و”العقل المستقيل” من ماكس فيبر” و” هرمسية التشيع” من هنري كوربان، و”الذهنية الذرية والانفصالية العربية” من ماكدونالد، و”القطيعة الإبستمولوچية” من المدرسة العقلانية الفرنسية المعاصرة، كما تأثر بتصورات كولدمان صاحب البنيوية التكوينية، كما تأثر بـ بول ريكور الذي دعا إلى الجمع بين الطرح البنيوي الداخلي والقراءة السياقية المرجعية والتي تهتم بالذات والمقصدية والأصالة.
6. أما عن مصادر فكر العروي فيري الباحث أنه وعلى عكس الجابري لم يفصح بشكل علنى عن مصادر فكره وربما قصد التستر على بعضها خصوصا في مراحله الفكرية المبكرة التي تسبق: الأيديولوجية العربية المعاصرة، لكنه بعد هذا المؤلف بدأ في إعلان أفكاره التي اقتبسها من : ماركس- هيجل – كروتشه – غرامشي ، حيث يمثل العروي امتدادا للمدرسة الماركسية في الفلسفة العربية المعاصرة لأنه أعاد تمثل التجربة النقدية الماركسية للمجتمع الألماني المتخلف مقارنة بمجتمعي فرنسا وانجلترا في مرحلة تاريخية محددة، فأوجد الأيديولوجيا العربية المعاصرة على غرار الأيديولوجيا الألمانية حيث قام بنقد أشكال الوعي الأيديولوجي العربي (نقد العقل السائد للنهضة العربية في الوطن العربي) وعقل الثورة محدثًا قطيعة مع التراث متأثرًا بـ ” ماركس” وفلاسفة عصر الأنوار مستعيرًا مفاهيمهم عن: التاريخانية – التاريخانية الماركسية – الماركسية الموضوعية، مطبقًا تاريخانيته هذه على أغلب قضايا الوطن العربي، بينما المفكرون العرب فلم يلجأ إليهم إلا في وقت النقد والحكم والمساءلة: محمد عبده – لطفي السيد ـ سلامة موسى وغيرهم.
7. أما عن تكوين مدرسة فكرية: فعلى الرغم من المجهود الفكري الكبير الذي بذله العروي والجابري في محاولتها لإنشاء مشروعا فكريا رائدا في الفترة الصعبة (الخمسين سنة التي تلي الحرب العالمية الثانية) إلا أنهما لم ينجحا في تكوين مدرسة فكرية راسخة كالمدارس الفكرية الفلسفية الشهيرة، وهذا العجز عن إنشاء مدرسة فكرية هو عجز عام يميز الفكر العربي المعاصر بأكمله، الأمر الذي يمكن معه القول بأنه: قد انتهى عصر المدارس الفكرية والفلسفية بوجه عام، وأن الفكر العربي المعاصر هو فكر فردي حتى لو كان المفكر له أتباع وهذا قد أدى إلي أن معظم الخطابات العربية المعاصرة هي خطابات تخدم في أغلبها السياسة، وهذا يجعل الباحث يطرح سؤالًا هامًا يهم كل الباحثين المهتمين بالفكر النقدي العربي المعاصر: لماذا لم يبتكر المفكرون المعاصرون نظريات فلسفية فكرية خاصة بهم سواء في مجالات المعرفة الفلسفية العامة أو حتى في المجالات الإسلامية الخاصة كمجال الفقه مثلًا؟ واكتفائهم فقط باستيراد المناهج الغربية ومحاولة تطبيقها وتبيئتها حتى على مجالات الفكر الخاصة بنا؟.
8. كما أن الباحث يلاحظ بصورة عامة أن النقاد العرب المعاصرون هم أصحاب فكر نقدي أكثر منهم أصحاب نظرية ذلك لأنهم دائمًا ما ينشغلون بترويج منهج نقدي أكثر من انشغالهم بابتكار نظرية أصيلة وبذلك يمكن تسمية هؤلاء بمؤلفين أو مفكرين معاصرين أكثر من (نقاد بالمعنى الفلسفي الأعم والأشمل والتاريخي للفظة) أي بمعنى: لا يمكننا أن نعتبرهم فلاسفة ذوي أصالة إذ أنهم يحاولون معالجة القضايا أكثر من التنظير لها والفرق كبير وواضح بين الاستعارة والتنظير.
9. أما بالنسبة إلى القضية الأولى في الدراسة وهي “قضية التراث العربي الإسلامي” يتشابه الجابري والعروي في اعتبارهم أن العائق الأول وراء حالة التخلف التي يعيشها الوطن العربي المعاصر تقف ورائها (التشبث بالأصالة والانتقائية) ومن هنا قام كل منهما بنقد القراءات المعاصرة للتراث العربي الإسلامي في فكرنا المعاصر.
10. أما بالنسبة إلى القضية الثانية وهي الموقف من التراث (القطيعة معه)، يتشابه كلًا من الجابري في إحداث قطيعة معرفية مع التراث العربي الإسلامي فيما اختلف كلًا منهما في نوع وكم هذه القطيعة، فبينما جاءت قطيعة الجابري كما يسميها (بالقطيعة الإبستمولوچية) جزئية جاءت قطيعة العروي كلية.
11. أما بالنسبة إلى القضية الثالثة في الدراسة وهي قضية (نقد العقل العربي) فقد اتفق كلًا من الجابري والعروي على ضرورة (نقد هذا العقل المنتج للثقافة والفكرالعربي طوال عقود) فأخرج كلًا منهما دراسة هامة ومستوفية قاما بنقد العقل فيها، فنقد الجابري العقل العربي في رباعيته الشهيرة (رباعية نقد العقل العربي)، وقام العروي بتدشين مؤلف خاص تناول فيه هذه القضية وهو آخر أعماله في سلسلته: مفهوم العقل مقالة في المفارقات ولكنهم أختلفوا في المنهج والشواهد والأمثلة وفي صورة المشروع فبينما أتخذ عند الجابري صورة المشروع الكامل تناوله العروي فقط في مؤلف واحد في أخر اعماله كما يأخذ الباحث علي الرجلين غياب نقد العقل العلمي العربي والعقل الغربي ولولا هذه النقيصة لأكتمل المشروع الفكري العربي حول دراسة “العقل”.
12. أما بالنسبة إلى القضية الرابعة ” الحداثة العربية ” فإن الباحث يسجل ملحوظة هامة وقعت في الفكر العربي المعاصر بالنسبة للحداثة كمفهوم إجرائي حيث نجد أن تعامل العديد من المفكرين العرب نحو هذا المفهوم أوضح غلبة الهاجس الأيديولوجي على أفكارهم مما جعل استعمالات هذا المفهوم تعبر عن قطيعة مطلقة وبشكل مشروع ومتعسف يعبر عن رغبة منهم ببلوغ الحداثة الأوروبية مما أسقط المفهوم في غير مجاله ولم يحقق شيئًا على أرض الواقع العربي وهذا ما نجده عند الجابري بصورة واضحة وعند العروي بصورة أقل.


13. أما بالنسبة للقضية الأخيرة في الدراسة: ” نقد الخطابات العربية الحديثة والمعاصرة” فقد كانت الاختلافات عديدة وواضحة من حيث الشكل والمنهج والمضمون وحتى الهدف والنتائج، فرغم اتفاقهما على نقد الأيديولوجيات العربية من أجل الإجابة على التساؤل الهام الذي شغل الفكر العربي الحديث منذ نشأته: لماذا تأخر المسلمون؟ وتقدم غيرهم؟ إلا أنهم اختلفوا في العديد من الاختلافات، أما عن الشكل فالكتابان لم يتشابها فالجابري قد أخرج كتابًا خاصًا فقط بنقد هذه الخطابات: الخطاب العربي المعاصر، بينما انتقد العروي تلك الخطابات كجزء من مؤلفه: الأيديولوجية العربية المعاصرة، أما من حيث المنهج: فقد تجاوز الجابري ماركسية العروي واستفاد من منهجيات غربية كالبنيوية الألسنية لتحليل النصوص الخاصة بالمثقفين العرب، وكذلك كل الأدوات الإبستمولوچية المعاصرة من بنيوية وتفكيكية وتكوينية، أما من ناحية الهدف: فقد كان الجابري يستهدف تصفية الحساب مع بعض المفكرين العرب وعلى رأسهم عبد الله العروي ذاته والذي وصفه الجابري برائد الماركسية التاريخانية علي الرغم من أنه لم يصرح بذلك، في حين يعتبر كثير من المفكرين العرب أن العروي هو مطلق العقلانية المعاصرة للفكر والدولة والمجتمع، أما من حيث النتائج: فقد جاءت نتائجهم تعميمية إلى حد بعيد ومعتمدة علي عدد قليل من النماذج بل وصل حد نموذج واحد أحيانا كما عند العروي إلا أن كثرة نماذج الجابري تشفع له أكثر من العروي الذي اختزل الخطابات العربية المعاصرة في ثلاثة خطابات فقط، خطاب سلفي ، وسياسي، وتقني.

توصيات الدراسة
1. يسجل الباحث أن عدم اهتمام الفكر النقدي العربي كالعقل الغربي بالتنقيب عن النظريات الفلسفية في شتى المجالات الفكرية والاكتفاء فقط بالاستيراد والتحليل ومحاولة التبيئة والتأصيل قد أدى إلى تبعثر النتائج نتيجة لتعدد التيارات النقدية في الفكر العربي المعاصر، من هنا تشتت المجهود الفكري الذي يبذل في الفكر العربي المعاصر بصورة عامة ومن ثم لم تجد العقلية العربية سبيلها للتقدم والنهوض، ولهذا يجب علي المفكرين العرب العمل علي هذا.
2. كما أن عدم صياغة نظريات فكرية نقدية عربية خاصة والاكتفاء بالنقد والتحليل وعدم استخدام المنهج الاستقرائي العربي قد أدى لعدم القدرة على تعميم النتائج وحتى وإن أدى في بعض الأحيان لنتائج إيجابية، كتعدد في المؤلفات والآراء، وانتشار الفكر والثقافة إلا أنه قد أدى إلى نتائج سلبية من عدم القدرة على التعميم ومن ثم نقصان الحلول المقترحة والمأمولة للخروج من أزمتنا الفكرية، ومن هنا يجب علي المفكرين العرب العمل علي هذا.
3. كما أن عدم صياغة نظريات فكرية نقدية عربية خاصة أدى إلى ما يعرف بالصراع الفكري وعمل على خلق أيديولوجيات عدة منها ما اتفق مع حركة الفكر ومنها ما اختلف معه فضاع الوطن العربي بين جوانب تلك الصراعات والتي ثبت للباحث في الأخير أن معظمها صراع أيديولوجي لا فكري، ومن ثم يجب علي المثقفين العرب ترك الصراعات في سبيل تحقيق نهضتنا المأمولة.
4. وفي الأخير يؤكد الباحث على أن هناك فرعان علميان إسلاميان خالصان هما: الفقه الإسلامي المعبر عن العقل العربي الإسلامي في أسمى صوره والتصوف الإسلامي المعبر عن روح الحضارة العربية الإسلامية ولو أن المفكرين والنقاد العرب قد بذلوا مجهودهم الضائع حول هذين العلمين لأثمر ذلك عن فلسفة نقدية عقلية عربية خالصة، فيوصي الباحث الباحثين العرب بالاهتمام بهذين المبحثين.

إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة بالبلدي ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من بالبلدي ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا