يوم الثلاثاء الماضي (١٨ مارس ٢٠٢٥) فوجئ الكثيرون، بالذات أهل غَزّة، بغارات جوية إسرائيلية قامت بها 100 طائرة إسرائيلية، والغزاويون يتناولون طعام السحور، قبيل أذان الفجر، إمعاناً في الصلف وتمادياً في الإجرام. غارة جوية مفاجئة تم إحصاء أكثر من ٤٣٠ شهيداً فلسطينياً، بنهاية اليوم الثاني، لخرق إسرائيل لوقف إطلاق النار. لم يكن أحد يتوقع أن اتفاق وقف إطلاق النار سيصمد حتى انتهاء مراحله الثلاث، خاصة الفلسطينيين في غَزّة، وكانت إرهاصات تنصل الإسرائيليين من اتفاق وقف إطلاق النار قد ظهرت ما أن تم تبادل الأسرى بين الجانبين، بإعادة الحصار على غَزّة عن طريق إيقاف الإعانات الحيوية وقطع الكهرباء والمياه عنهم، ليموت الفلسطينيون جوعاً وعطشاً، لدفعهم للخروج من القطاع، في أبشع جريمة منظمة لإخراج شعب من أرضه في التاريخ الحديث.
إسرائيل وهي تخرق اتفاق وقف إطلاق النار وتكتفي بمرحلته الأولى، عادت لتطالب بإطلاق سراح جميع أسراها الأحياء والأموات، مرة واحدة، دون أي ضمانات أمنية لفلسطينيي غَزّة. ولسان حال حكومة بنيامين نتنياهو يقول: أعيدوا أسرانا، لنستأنف بعد ذلك الحرب عليكم.. ونواصل حملة الإبادة الجماعية ضدكم.
إسرائيل صورت استئناف القتال على أنه «تكتيك» جديد لاستئناف التفاوض تحت قصف المدافع والطائرات والبارجات، بدلاً عن استئناف التفاوض في صمت المدافع. «تكتيك» جديد في التفاوض، بدعم أمريكي حاسم، يصل لدرجة تحريض نتنياهو بأن يمعن في القتل ولا يخشى شيئاً ويتخذ ما يراه مناسباً، دون التشاور مع واشنطن!
هذا الدعم السياسي والعسكري، اللامحدود من واشنطن، لحكومة نتنياهو، يدفع الأخيرة نحو أقصى حدود التعنت والصلف، لتحقيق أهداف ساسة وجنرالات إسرائيل، التي فشلوا في تحقيقها في جولة القتال الأولى، حتى تحقيق الخروج الطوعي لأهل غزّة من القطاع، أو إبادتهم جميعاً. بالإضافة لهدف استراتيجي كبير: استعادة إمكانات الردع الإسرائيلي في مواجهة أي قوة في المنطقة، خاصةً، عندما رفضت الدول العربية مشروع تهجير الفلسطينيين، لتحويل القطاع لـ«ريفيرا» شرق أوسطية.
في تقدير الحكومة الإسرائيلية أن التفاوض تحت قصف المدافع والطيران والبحرية من شأنه أن يخفف، حسب زعمهم، من تشدد فريق المقاومة التفاوضي في الدوحة.. ويُسرِع من استعادة أسراهم وجثث قتلاهم، ويحول دون أي اتصال مباشر بين واشنطن والمقاومة، بعقد صفقات ثنائية لاستعادة الأسرى الأمريكيين لدى المقاومة.
أسلوب التفاوض تحت قصف النار، في كل الأحوال، لا يعني أن إسرائيل في هذه المرحلة واثقة من تحقيق أهدافها من الحرب... دعك من القول إنها واثقة من قدرتها على حسم الحرب والقضاء على المقاومة، وإلا كانت قد اختارت وقف عملية التفاوض، أساساً.. وتركت للحرب مهمة حسم الصراع، مرة واحدة وللأبد. نقطة مهمة في إدارة الجانب الإسرائيلي لمرحلة جولة الصراع الثانية، تعكس قلقاً حقيقياً من قبل الساسة والعسكريين في إسرائيل، من احتمال فشل الجولة الجديدة من القتال. ما يؤكد هذا التفسير لسلوك إسرائيل إسقاطها من حساباتها إعادة احتلال غَزّة عندما وصفت عملية التوغل البري الجديد في غزة بأنها عملية برية محدودة!
على أي حال: «تكتيك» التفاوض تحت قصف المدافع لن يجدي من الناحية الاستراتيجية نفعاً بالنسبة لجنرالات إسرائيل وساستها، بل إن نتائجه العكسية قد تكون أقسى على إسرائيل، داخلياً وخارجياً. لن يتوقف ذوو الأسرى عن مطالبتهم بعودة أبنائهم الأسرى، رد فعل سوف يضعف إن لم يقوض حكومة نتنياهو المتطرفة. كما أن العالم لن يقبل المزيد من ارتكاب إسرائيل جرائم حرب ضد الفلسطينيين، بما لا تقوى تل أبيب، ولا واشنطن على مواجهته. ولتنسى إسرائيل، كما أعلنت الكثير من الدول العربية، تطوير أي شكل من أشكال التطبيع، وربما تفقد إسرائيل حالة السلام البارد (الحالية)، مع الدول العربية، التي عقدت معها اتفاقات سلام.
قريباً ستعي إسرائيل أنها عاجزة عن طريق الحرب أن تحقق أهدافها منها.. وأن عليها أن تعود لمسار الدبلوماسية، لعلّ وعسى تخفف من تكلفة استمرار وضعية الصراع العنيف مع الفلسطينيين.. وأن تتواضع أكثر في تقدير إمكانات الردع لديها.
أخبار ذات صلة
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عكاظ ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عكاظ ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.