في خطوة دبلوماسية واستراتيجية لافتة، قام الرئيس عبد الفتاح السيسي بزيارة رسمية إلى إريتريا، في سياق تحركات مصرية لتعزيز حضورها في منطقة القرن الأفريقي؛ تأتي هذه الزيارة في وقت حساس، إذ تحمل رسائل متعددة المستويات تتعلق بأمن مصر القومي، ودورها الإقليمي في ظل التطورات المتسارعة في الصومال وإثيوبيا.

تعزيز العلاقات المصرية-الإريترية

تمثل هذه الزيارة فرصة لتعزيز العلاقات الثنائية بين مصر وإريتريا، خصوصًا في مجالات التعاون الأمني والاقتصادي. مصر، من خلال تواجدها في إريتريا، تسعى إلى توطيد علاقاتها مع دول المنطقة التي تمتلك أهمية استراتيجية، بالنظر إلى موقع إريتريا الحيوي المطل على البحر الأحمر. التعاون بين البلدين يأتي في إطار السعي إلى تحقيق الاستقرار ومواجهة التحديات الأمنية المشتركة، مثل القرصنة والإرهاب والتجارة غير المشروعة.

رسائل موجهة إلى إثيوبيا

زيارة السيسي إلى إريتريا تحمل أيضًا رسائل غير مباشرة إلى إثيوبيا في ظل التوترات المتصاعدة بين القاهرة وأديس أبابا حول قضية سد النهضة. مصر تسعى إلى تعزيز علاقاتها مع جيران إثيوبيا، وهو ما قد يشكل وسيلة ضغط دبلوماسية على إثيوبيا لإيجاد حل عادل ومقبول حول ملف مياه النيل. زيارة إريتريا، وهي إحدى دول الجوار الإثيوبي، تأتي في هذا السياق الاستراتيجي الذي يُظهر اهتمام مصر بتأمين موقفها الإقليمي في مواجهة التحديات المتزايدة.

العين على الصومال واستقرار القرن الأفريقي

تتزامن هذه الزيارة مع استمرار الاضطرابات في الصومال، حيث يمثل استقرار منطقة القرن الأفريقي أولوية لمصر. مصر تدرك أن الأمن في الصومال هو جزء لا يتجزأ من الأمن الإقليمي، وأن الفوضى في هذا البلد قد تؤثر سلبًا على أمن البحر الأحمر وحركة الملاحة الدولية. من هنا، تسعى مصر إلى لعب دور محوري في دعم استقرار الصومال ومواجهة التهديدات التي تشكلها الجماعات الإرهابية على المنطقة.

البعد الاقتصادي والتنموي

الزيارة حملت أيضًا بعدًا اقتصاديًا مهمًا، حيث ناقش الرئيس السيسي مع نظيره الإريتري سبل تعزيز التعاون في مجالات البنية التحتية، والتجارة، والطاقة. هذه المجالات تشكل أولوية للبلدين في إطار جهود التنمية الاقتصادية، وتفتح فرصًا جديدة للاستثمار المشترك. مصر ترى في إريتريا شريكًا محوريًا لتطوير المشاريع الاقتصادية الكبرى في المنطقة.

دور مصر الإقليمي

تأتي هذه الزيارة كجزء من جهود مصر لتعزيز دورها القيادي في أفريقيا، لا سيما في ظل التحديات التي تواجه القارة. مصر سعت في السنوات الأخيرة إلى تقوية علاقاتها مع دول القرن الأفريقي، بما يعزز موقفها في المنظمات الإقليمية مثل الاتحاد الأفريقي، ويساهم في تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة.

زيارة الرئيس السيسي إلى إريتريا تتجاوز كونها زيارة ثنائية، فهي تحمل أبعادًا جيوسياسية تعكس رؤية مصرية لتعزيز نفوذها الإقليمي، في وقت تتصاعد فيه التوترات مع إثيوبيا حول ملف سد النهضة.

كما أن تعزيز التعاون مع إريتريا يهدف إلى تأمين المصالح المصرية في منطقة القرن الأفريقي، والتصدي للتحديات الأمنية والاقتصادية التي تواجه المنطقة؛ حيث أن مصر من خلال هذه التحركات، تؤكد على موقعها كقوة إقليمية تسعى لتحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة في أفريقيا.