ومنذ اتفاق الطائف عام 1990 الذي نتج عنه طي صفحة الحرب الأهلية اللبنانية، وضعت السعودية الاستقرار اللبناني أولوية لها، وبطبيعة الحال سورية أيضاً التي تربطها مع لبنان حدود برية وحيدة، ومن هنا تأتي أهمية هذه العلاقة الجيوسياسية.
يعكس الاتفاق الذي جرى في جدة بين وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة ونظيره اللبناني ميشال منسى مدى حرص البلدين على تسوية كل الخلافات البينية التي جمدها النظام السابق منذ توليه الحكم، وأبقى هذه الملفات في الأدراج دون محاولة التعامل معها أو على الأقل الحوار حولها، بل إن هذه المرة الأولى التي يلتقي فيها وزيران من البلدين في إطار العلاقة الندية التي ترتكز على الأمن والجوار والمصالح المشتركة.
إن الاتفاق الذي جرى التوصل إليه بين وزير الدفاع السوري واللبناني، الذي ينص على أهمية ترسيم الحدود وتشكيل لجان تقنية لمتابعة هذا الاتفاق خطوة تاريخية بالفعل في العلاقة بين البلدين، إذ كان النظام السوري السابق يرفض التعامل مع لبنان على أساس الجغرافيا والسيادة السياسية، إلا أن اللقاء بين الوزيرين، برعاية السعودية، لتوقيع مثل هذا الاتفاق يشكل نقلة نوعية في نمط العلاقات بين البلدين، الذي من شأنه أن يعطي أريحية للطرفين في العامل الأمني والسياسي والتنسيق المشترك في الأيام القادمة، لما للبلدين من خصوصية جغرافية وأمنية واجتماعية وعلاقات متداخلة إلى أبعد الحدود.
ولعل الدور السعودي الإيجابي المطلوب من كلا الطرفين سيسهم إلى حد كبير في ترسيخ الأمن الإقليمي، خصوصا أن سورية ولبنان تربطهما علاقة نوعية لاسيما على الجانب اللبناني الذي لا يرتبط بأية حدود برية سوى مع سورية، وهذا يفرض أن تكون العلاقة مبنية على أساس الوضوح الكامل في العلاقة والاحترام المتبادل بين الطرفين. ولعل السعودية مهدت إلى حد كبير لنقل هذه العلاقة من مرحلة إلى مرحلة جديدة تناسب الوضع الحالي.
والآن بعد أن بدأ الطرف السوري واللبناني بالخطوات الأولى لترسيم الحدود بينهما بدءاً من الهرمل إلى مزارع كفر شوبا وشبعا، فإن الكثير من القضايا الإقليمية المتداخلة في طريقها إلى الحل النهائي، وهذا بطبيعة الحال سيلقي بظلاله على احتلال إسرائيل الأراضي اللبنانية والسورية ويفتح المجال لمسار أممي جديد يطالب تل أبيب بالانسحاب من الأراضي العربية بعد الترسيم النهائي بين البلدين.
وتدرك المملكة العربية السعودية أن العلاقات الإيجابية العربية والاستقرار الأمني والإقليمي من شأنه أن يمنح المنطقة مزيدا من فرص الاستقرار والتنمية الاقتصادية، وبالتالي تعمل السعودية جاهدة على طي الخلافات في كثير من الملفات، ولعل سورية ولبنان في هذه المرحلة هما الدولتان اللتان تمران بمرحلة تحول كبيرة ولا بد من وجود دولة بحجم السعودية تكون قادرة على لعب دور ترتيب الملفات وحل الخلافات مهما كان شكلها.
النظام السوري السابق حال طوال العقود الماضية دون ملف الحدود بين الطرفين لعدة أسباب، منها عدم الاعتراف بالجغرافيا اللبنانية السيادية، ومنها ما يتعلق بمحاولته إبقاء المنطقة على مبدأ «لا حرب لا سلام» لأغراض بعيدة تتعلق بالنظام نفسه، لكن اليوم بعد سقوط هذا النظام لا بد من نبش كل القضايا التي كانت في الأدراج والحديث حولها بشكل واضح وشفاف، ولعل مسألة الحدود أولوية هذه الملفات.
أخبار ذات صلة
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عكاظ ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عكاظ ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.