يومًا ما، ستُلبى معظم احتياجات البشرية من الطاقة بواسطة تسخير طاقة الشمس، لكن حتى يحدث ذلك سواء باستنساخها في آلاتنا الخاصة، أو بالتقاط ضوء الشمس، فهذا أمر ما زال يتعين علينا البحث فيه.
سُخرت كميات هائلة من الأموال والعقول لتحقيق الاندماج النووي المستدام والمتحكم فيه. اقتُرحت العديد من التصميمات وجُربت، لكن مفاعلات التوكاماك هي الأكثر شعبية. قد يكون اسمها مألوفًا، لكن القليلين يعرفون ماهيتها.
ما التوكاماك؟تُسخِّن النجوم المادة إلى درجات حرارة عالية لدرجة أن الإلكترونات تهرب من ذراتها، ما يؤدي إلى تكوين البلازما. التوكاماك هو جهاز مصمم لاحتواء البلازما حتى نتمكن من ثنيها حسب إرادتنا، ما يؤدي في النهاية إلى تكرار الاندماج الذي يحدث في قلب النجوم.
تتفاعل البلازما عادةً مع محيطها على الأرض، فتفقد طاقتها لصالحها وتبرد، وإن لم تذب الجدران. لتجنُّب هذا، تستخدم أجهزة التوكاماك مجالات مغناطيسية قوية لإبقاء البلازما في شكل حلقي، وهو الشكل الذي نعرفه جيدًا من الكعك الدائري (الدوناتس).
أُنشئ العديد من أجهزة التوكاماك الأصغر حجمًا حتى نتمكن من إجراء أبحاث أساسية حول سلوك البلازما. مع ذلك، فإن السبب الرئيسي وراء إنفاق العالم عشرات المليارات من الدولارات لبناء نسخ أكبر وأقوى هو الأمل في أن نتمكن في النهاية من الحصول على ما يكفي من البلازما داخل جهاز التوكاماك للاندماج، لإنتاج كميات مفيدة كفاية من الطاقة. تحقق الشمس الاندماج النووي من خلال القوة الهائلة التي تطبقها الجاذبية على قلبها، لكن الأمر يتطلب كمية من المادة تعادل كتلة النجم للقيام بذلك. نأمل أن تسمح لنا أجهزة التوكاماك بتحقيق شيء مماثل دون الحاجة لكل هذه الكتلة.
عندما تندمج نوى الذرات الصغيرة، تكون النواة الناتجة أخف وزنًا قليلًا من المكونات التي دخلت في تكوينها. تنطلق الكتلة المفقودة على شكل طاقة. وفقًا للمعادلة الشهيرة E = mc2، تصبح كمية صغيرة جدًا من الكتلة كمية كبيرة من الطاقة. عندما تندمج أربع ذرات هيدروجين (أو ذرتان من الديوتيريوم) لتصبح ذرة هيليوم واحدة، تكون خسارة الكتلة ضئيلة للغاية، ولا تزال الطاقة المنبعثة صغيرة. مع ذلك، إذا تمكنت من دمج مصدر ثابت من الذرات، تصبح الطاقة المنبعثة هائلة.
كيف يُفترض أن تعمل مفاعلات توكاماك؟لمّا كانت البلازما تتكون من ذرات جُردت من إلكتروناتها، فإنها مشحونة إيجابيًا. يمكن التحكم في حركة المواد المشحونة كهربائيًا بواسطة المجالات الكهربائية أو المغناطيسية. تستغل أجهزة التوكاماك هذا الأمر للحفاظ على البلازما على شكل الدونات، دون السماح لها بلمس أي شيء وفقدان الطاقة.
لتحقيق الاندماج، يجب أن تكون درجة حرارة البلازما مرتفعة للغاية. فمثل الغاز، تتمدد البلازما إذا لم يتم احتواؤها، وكلما زادت سخونتها، كان الضغط المطلوب لمنعها من الهروب أكبر. هذا يعني أن المجالات المطلوبة لإتمام عمل أجهزة التوكاماك يجب أن تكون هائلة. تُنتج هذه المجالات القوية بلف الحلقة في ملفات موصلة وتمرير كميات هائلة من التيار خلالها.
فور أن يصبح المجال كافيًا للحفاظ على البلازما حيث توجد حاجة إليها، توصل نبضة من الطاقة، سواء باستخدام الليزر أو حزم الأيونات أو رشقة من التيار الكهربائي المعروف باسم Z-pinch. تُضغط النوى الذرية معًا بقوة لدرجة أنها تتغلب في بعض الحالات على القوى الطاردة بينها، ما يسبب اندماجها.
تنطلق بعض الطاقة المتبقية في صورة حرارة. نظريًا، يمكن التقاط هذه الطاقة لتسخين سائل ليصبح غازًا لتشغيل توربين. يُعَد إستخدام البخار لتشغيل التوربينات الطريقة السائدة لإنتاج الكهرباء اليوم، لكن بالطبع تكون العملية أصعب عندما تكون البلازما ساخنة بالفعل بما يكفي لتدمير أي شيء تلمسه. الحل الشائع هو دمج نوى الديوتيريوم والتريتيوم معًا. إضافةً إلى إنتاج الهيليوم والحرارة، ينتج التفاعل النيوترونات، التي تحمل الكثير من الطاقة بسرعة كبيرة. نظرًا إلى عدم شحنها كهربائيًا، يمكن للنيوترونات الهروب من المجال المغناطيسي، وتسخين المواد المحيطة.
إنجازات التوكاماك:استُخدمت أجهزة التوكاماك لدمج النوى لعقود، لكنك ربما لاحظت أن الكهرباء في الأسلاك لا تُنتج بهذه الطريقة، لأن كميات هائلة من الطاقة مطلوبة لتسخين واحتواء البلازما، ثم تحفيز النبضات التي تبدأ عملية الاندماج. حاليًا، يتم إمداد قدر أكبر بكثير من الطاقة مما يتم إنتاجه.
عام 2022، أثيرت ضجة كبيرة حول ما وُصِف بأنه أول تفاعل اندماجي متحكم فيه مكتسب للطاقة، أي أن ناتج الطاقة كان أكبر من مدخلاته. لم يكن مرفق الإشعال الوطني (NIF)، حيث أُجري العمل، مفاعل توكاماك، لكن العديد من مفاعلات التوكاماك تراقبه من كثب. كان ادعاء مرفق الإشعال الوطني صحيحًا، إلا أن الكثير من التغطية كانت مضللة للغاية. من المشكلات المعترف بها أن التفاعل استمر أكثر من بضع ثوانٍ، لكن المشكلة كانت أكبر من ذلك.
لا تتجاوز مخرجات التفاعل المدخلات إلا إذا نظرنا إلى المرحلة التي تدفع فيها أشعة الليزر الطاقة وتخرج منها الطاقة. وهذا يتجاهل كل الطاقة المطلوبة لتشغيل المنشأة للوصول إلى هذه المرحلة، والتحديات المتمثلة في حصاد الطاقة المنتجة في تفاعل الاندماج.
لنتأمل الجزء الأخير من العملية. إذ إن محطات توليد الطاقة التي تعمل بالفحم والغاز لا تتجاوز كفاءتها في الواقع نحو 33%. إذ إن قدرًا كبيرًا من الحرارة يتولد عند احتراق الوقود، مع أن بعض هذه الحرارة يُستخدَم في تشغيل التوربينات، فإن كثيرًا منها يهدر. يُطلَق بعضها في صورة غازات مداخن ساخنة أو بخار إلى البيئة، وينتهي الأمر ببعضها إلى تسخين جدران محطة توليد الطاقة. لا تتمتع التوربينات بالكفاءة الكاملة في تحويل طاقتها الدورانية إلى كهرباء.
التحديات التي تواجه التقاط الحرارة المُنتجَة في مفاعل توكاماك أو غيره من مفاعلات الاندماج النووي ستكون أعظم، لذا فمن المؤكد تقريبًا أن الكفاءة ستكون أقل. إذا لم يتحول ثلثا الحرارة التي ينتجها المفاعل إلى كهرباء، فإننا نحتاج إلى الحصول على ثلاثة أمثال هذه الحرارة من أجل الطاقة المُستخدَمة لإحداث التفاعل قبل أن يصبح إيجابيًا من الناحية العملية. حتى الآن، لم يقترب أي مفاعل توكاماك من هذا، ومن غير المرجح أن يحدث ذلك قبل سنوات عديدة.
حتى لو كانت إيجابية من حيث الطاقة المفيدة، فإن أجهزة التوكاماك ستقطع شوطًا طويلًا قبل أن تُستخدم على نطاق واسع. تخيل لو زودت محطة طاقة اندماجية بجيجاواط من الكهرباء وحصلت على 1.1 جيجاواط. أنت متقدم، لكنك تحصل على طاقة أقل مما تنتجه معظم محطات الطاقة الحالية، أو حقل رياح كبير. نظرًا إلى التكلفة الهائلة لبناء آلة مثل هذه، فسوف ترغب في الحصول على عائد أفضل بكثير.
هل تمثل مفاعلات التوكاماك مستقبل الطاقة؟يُقال إن الطاقة النووية الاندماجية العملية لن تتحقق قبل عشرين عامًا. هذا صحيح إلى حد ما. من حين إلى آخر تصبح الوعود أكثر طموحًا، مثل عندما وعدت شركة لوكهيد مارتن بإنشاء مفاعل نووي اندماجي قابل للاستخدام في غضون عشر سنوات. كان ذلك قبل عشر سنوات، ولا توجد أي علامة على تحقيق هذا الوعد.
من المنطقي أن نقول إنه من السذاجة أن نصدق نجاح الاندماج النووي الوشيك. مع ذلك، فإن الاندماج النووي العملي هو شيء سيتحقق في النهاية بالتأكيد، ما لم تنهر الحضارة بالكامل. أما كون الاندماج النووي سيهيمن على إنتاج الطاقة فهو افتراض أكثر إثارة للشكوك.
اقرأ أيضًا:
غوغل تستعين بالمفاعلات النووية لتأمين الكهرباء اللازمة لذكائها الاصطناعي
نجح علماء الفيزياء في توليد موجات صوتية تتحرك في اتجاه واحد فقط
ترجمة: محمد الشرقاوي
تدقيق: أكرم محيي الدين
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة انا اصدق العلم ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من انا اصدق العلم ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.