الفحم النشط هو مسحوق أسود ناعم، جيد في الإمساك بالمواد الكيميائية، و هذا هو السبب في استخدامه عادةً في تدبير التسمم.

يستخدم بعض الناس الفحم النشط في محاولة للحد من غازات البطن والانتفاخ، وأيضًا لتجنب الدوار الناجم عن المشروبات الكحولية، أو تطهير الجهاز الهضمي، رغم عدم وجود أدلة علمية، أو وجود أدلة علمية ضعيفة داعمة لهذه الادعاءات. بفضل قدرته على تحويل الطعام والمشروبات الى اللون الأسود، يُعد الفحم النشط من الوسائل الشائعة لتلوين الطعام.

ما لا يدركه كثيرون أن الفحم النشط قد يتداخل مع بعض الأدوية بالحد من كمية الدواء التي تدخل مجرى الدم، ما يقلل من فعالية الدواء.

قال لينجتاك تشان أستاذ الصيدلة في جامعة واشنطن، إن الآلية الرئيسية وراء هذا التفاعل هي الامتزاز (الادمصاص). الامتزاز هو عملية تلتصق بها الجزيئات بسطح المادة. بفضل بنية الفحم النشط المسامية المدهشة، فإنه يتمتع بمساحة سطح كبيرة تجعله فعالاً للغاية في (امتزاز) جزيئات الأدوية على سطحه.

قال تشان: «إنه يعمل أساسًا مثل شبكة صيد»، لأن الفحم النشط يحتجز جزيئات الدواء معه داخل لمعة الأمعاء.

عند تناول دواء على شكل حبة أو سائل، يجب أن يمر عبر بطانة الأمعاء لدخول مجرى الدم حيث يمارس تأثيراته في الجسم. لكن إذا كان الفحم النشط موجودًا في الجهاز الهضمي، فإن جزيئات الدواء تبقى في الأمعاء وتخرج في نهاية المطاف مع الفحم النشط.

في بعض الحالات، قد تكون عواقب هذا التفاعل وخيمة. وصف تقرير نُشر في مجلة لانسيت حالة تداخل فيها الفحم النشط مع الأدوية المضادة للصفائح الدموية، الصفائح الدموية هي مكون الدم المسؤول عن التخثر. هذا التداخل جعل الدواء غير فعال لدى المريض الذي يعاني أمراض القلب.

وُثقت حالة أخرى لتداخل الفحم النشط مع الأدوية المضادة للفيروسات القهقرية، التي تستخدم في علاج فيروس نقص المناعة البشري. إذ أدى ذلك إلى خفض تركيز الأدوية في مجرى الدم، ما أدى إلى حدوث قفزة في الحمل الفيروسي -عدد الفيروسات في الجسم. تقلل مضادات الفيروسات القهقرية أعداد فيروس نقص المناعة البشرية في الجسم حتى يصبح غير قابل للكشف. أيضًا طور المريض مقاومة لأدويته المضادة للفيروسات لأن هذه التراكيز المنخفضة للغاية من الأدوية مكنت الفيروس من النجاة والتكيف ثم الاستمرار في النسخ والتكاثر.

يحد الفحم النشط من امتصاص طيف واسع من الأدوية، تشمل مسكنات الألم الشائعة والمهدئات ومضادات الاكتئاب. أشار تشان إلى أن احتمال التقاط الدواء بالفحم النشط يكون أكبر كلما كان حجم جزيء الدواء أكبر. لذلك بعض الأدوية الهرمونية، التي تشمل حبوب منع الحمل، يمكن التقاطها بواسطة الفحم النشط.

الأدوية التي تحمل شحنات أيونية قوية -تحمل شحنات كهربائية موجبة أو سالبة قوية- لا تميل إلى الارتباط الجيد بالفحم النشط. تشمل أدوية مثل الليثيوم المُستخدم في علاج الاضطراب ثنائي القطب، ومكملات الحديد الفموية. تُمتص تلك الأدوية السابقة بكفاءة إلى مجرى الدم رغم وجود الفحم النشط في القناة الهضمية.

لا تتأثر جميع أدوية الزمرة الدوائية الواحدة على قدم المساواة بالفحم النشط. أوضح تشان: «ذلك لأن تأثير الامتزاز يعتمد على الخصائص الفيزيائية وحجم جزيئات الدواء». مثلًا، قد يُمتز أحد أدوية ضغط الدم إلى الفحم النشط، في حين قد لا يُمتز دواء آخر من نفس الزمرة الدوائية إليه. لذا فمن الصعب أن تجد بيانات شاملة حول التأثير المحتمل للدواء.

التوقيت أمر بالغ الأهمية لتحديد هل يتفاعل الفحم النشط مع الأدوية أم لا. قال تشان إن تأثير الامتزاز يكون أقوى عند تناول كل من الدواء والفحم النشط بفارق ساعة أو أقل. في قسم الطوارئ، غالبًا ما يستخدم الفحم النشط إذا اشتُبه في ابتلاع المريض السم قبل ساعة أو أقل من دخول المستشفى.

عامل آخر يجب أخذه في الحسبان هو جرعة الفحم النشط. في الحالات التي يُستخدم فيها لعلاج التسمم، الجرعة النموذجية هي غرام واحد لكل كيلوغرام من وزن الجسم. هذا يضمن أقصى امتزاز للمادة السامة. كمية الفحم النشط الموجودة في المنتجات المنزلية الحالية، مثل بعض أنواع معجون الأسنان والأطعمة، أقل بكثير من من هذا التركيز غالبًا. ما يجعلها أقل عرضة للتداخل الدوائي.

يُنصح الأشخاص الذين يستخدمون الفحم النشط لأغراض أخرى غير تدبير التسمم -مثل (تطهير الأمعاء)، بصرف النظر عن دقة ذلك علميًا- أن ينتبهوا إلى كمية الفحم التي يتناولونها، والوقت الفاصل بين تناولهم الفحم النشط ووقت تناول الأدوية. تجب استشارة الطبيب حال تناول الفحم النشط وأدوية أخرى معًا.

اقرأ أيضًا:

هل نتناول حبوب الدواء بطريقة صحيحة؟

كيف يعرف الدواء وجهته الصحيحة في الجسم؟ ولماذا تختلف أشكال الأدوية؟

ترجمة: روميو غسان حموي

تدقيق: أكرم محيي الدين

المصدر