لعلنا لا نبالغ بحجم التحولات التنموية والسياسية والثقافية التي شقت الطريق في السعودية، وكذلك دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، فضلا عن إصلاحات جذرية وعلنية ضد الفساد.
السعودية احتضنت مهرجانات ومناسبات موسيقية ورياضية وترفيهية وبرامج تلفزيونية بلا سقف ولا توجيه في الأسئلة والحوار حتى لا تتم عملية تطويق لحرية الإبداع والتفوق الإعلامي في حين الكويت ترتعد من الحفلات بسبب المد الأصولي وتكميم وتحريم الحريات والذوق العام!
الكويت رائدة عربياً وخليجياً في نموذج نظامها الديمقراطي الدستوري الذي تعثر أكثر من مرة لكنه صمد أمام التحديات والعثرات المختلقة والمفتعلة حكومياً وبرلمانياً من داخل المؤسسة التشريعية ومن نوابها والحكومة قبل الكل!
المرارة المتكررة والمؤلمة في عقلية الثأر من السعودية التي تسود بعض العقول الكويتية التي يفترض أنها مستنيرة وحاضنة للانفتاح وليست متحجرة وصخرية التكوين الذهني.. عقول لا تتجاوز التاريخ ولا المقارنة الظالمة بين الكويت والسعودية، بل على العكس تبجل التقليل من السعودية ومنبر الحريات الصحافية فيها وتحولات وإصلاحات سياسية لا لبس فيها.
حين نشرت مقالي عن «ميكافيلية الإخوان في الكويت» وردتني تعليقات حصيفة من مراجع ثقافية وفكرية كويتية تمكنت من تحليل موضوع المقال وفصله عن النظام السياسي السعودي، في حين أن آخرين من أنصاف المثقفين ومحدثي نعمة التفكير والتحليل اتفقوا على فكرة المقال لكنهم تحفظوا على النشر في صحيفة «عكاظ»؛ لأنها صحيفة سعودية!
أين ننشر عن تنظيم الإخوان المسلمين في الكويت ومشاريعهم وتحالفاتهم المشبوهة وتزويرهم للتاريخ؟!
هل النشر في الكويت مسموح عن جمعية الإصلاح الاجتماعي وهي الوعاء السياسي للإخوان، وعن تنظيم الإخوان عموماً وقياداتهم، وأموال لجان الجمعية والعلاقة مع حركة «حماس»، الجناح الفلسطيني للإخوان؟!
بطبيعة الحال الصحافة الكويتية تتحفظ في النشر عن الإخوان المسلمين باستثناء مناقشات سطحية لرفع عتب مهني وبهرجة الكتابة والنشر؛ لأن في قلب الصحف يعيش «الإخوان» المسلمون العرب ويتحكمون في التحرير والإخراج وتحريف الخطابات الرسمية كما حصل في الخطابات السامية!
تكرر التدخل المتعمد في خطابات سامية عن الاحتلال الإسرائيلي من قبل شرذمة الإخوان العربية من فلول محمد مرسي حين جرى استبدال نص كلمة سلطة الاحتلال الإسرائيلية بالكيان الصهيوني!
الصهيونية أو الكيان الصهيوني ليس مصطلحاً سياسياً متداولاً في المحافل الدولية وليس تعبيراً مقبولاً وعقلانياً عند الكتاب الغربيين حتى حين يشنون الهجوم على إسرائيل دون الزج بالصهيونية في الوضع الراهن في قطاع غزة والشأن الفلسطيني عموماً.
ماذا يعني كل ذلك؟!
الإخوان لديهم أذرع عربية صحافية في الكويت تستند على عضلات كويتية ووزن ونفوذ ثقيل من النواحي السياسية والدينية، لكن الحكمة تنتظر ربما وقوع الفأس على الرأس مع أن الفأس وقع في الرأس أكثر من مرة!
أشباه المثقفين الجدد وجهوا نقدهم لي بسبب النشر في صحيفة «عكاظ»، وصحيفة «إيلاف» الإلكترونية عن الإخوان المسلمين في الكويت باعتبارهما صحفاً سعودية بينما الحقيقة أن صحيفة «إيلاف» مسجلة في بريطانيا وخاضعة للقانون البريطاني، وناشرها الأخ عثمان العمير، وهي ليست صحيفة تابعة للحكومة السعودية.
كنا نتفهم المد القومي وترسبات الماضي في الستينات عن الديمقراطية حين كانت المنطقة ملتهبة بالشعارات الصاخبة وحماس النضال العربي، لكن المعادلات السياسية والفكرية اختلفت في حين ظل البعض أسير الترسبات من دون التعمق والتأمل في الوضع العربي بمعزل عن مصدره إذا كان سعودياً أو غربياً!
تغيير العقول ممكن في مجتمعات متحضرة ومتفهمة للواقع، لكن تغيير الصور النمطية عن الغير والسعودية تحديداً يبدو تحدياً فكرياً خصوصاً في ظل الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي الحالي، والتقوقع حول عقلية الثأر من الأنظمة الملكية كالسعودية!
شخصياً سوف أحرص على النشر والكتابة في الصحافة السعودية وصحيفة «عكاظ» خاصة، وسوف أحرص أيضاً على مواصلة الالتزام في النشر في صحيفة «إيلاف» التي وفرت لي بيئة المناقشة السياسية والفكرية من دون تدخل يذكر، على عكس تجربتي في الصحافة الكويتية!
أما عما يروج له «الإخوان» في الكويت عن التطبيع السعودي مع إسرائيل، وغيرهم من (ليبراليين) منغلقين على ترسبات الماضي القومي العليل، فهو خيال مريض يستحق الشفقة لا أكثر.
* إعلامي كويتي
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عكاظ ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عكاظ ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.