أشعل الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، فوضى سياسية في كندا، ما زاد من بوادر الأزمة التي تهدد بالإطاحة برئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، فقد (تنمر) ترامب، على خصم سياسي محاصر، وسخر منه، معتبراً إياه حاكم الولاية رقم 51، ما يُعتبر إهانة للجار الشمالي المخلص لأميركا، ويحدث هذا في الوقت الذي يجوب فيه ترامب العالم بحثاً عن انتصارات كبيرة، حتى قبل أن تبدأ ولايته الثانية.
هذا التدخل في السياسة الداخلية لأحد حلفائه قد يكون بمثابة رسالة تحذير للحكومات الأخرى التي تمزقها الصراعات في دول مثل فرنسا وألمانيا وكوريا الجنوبية. كما أن تهديد ترامب بفرض رسوم جمركية بنسبة 25% على السلع الكندية لإجبار (أوتاوا) على التحرك بشأن قضايا الحدود، قد يثير مخاوف ترودو من ركود قد يقصم ظهر الاقتصاد، ويجعله في ورطة قبيل الانتخابات المقبلة.
كما يمثل سلوك ترامب نهجاً متشدداً بشكل غير عادي تجاه دولة تربطها علاقات دبلوماسية وثقافية وعائلية عميقة بالولايات المتحدة، وتربطها معها علاقات تجارية أكثر ربحية في العالم، وهذه الدولة هي التي أرسلت قواتها دفاعاً عن حليفتها، بعد هجمات 11 سبتمبر الإرهابية في عام 2001.
ربما يكون ترودو، رئيس الوزراء الليبرالي المتذبذب، قد عانى ضربة وجودية هذا الأسبوع بعد الاستقالة المثيرة للجدل لوزيرة ماليته ونائبته، كريستيا فريلاند، التي وجهت انتقادات لاذعة لحكمه قبل ساعات من تقديمها بيان الميزانية الحاسم في البرلمان. وكانت التوترات السياسية تتصاعد بين أقوى سياسيين في كندا لأشهر عدة، وبدا الليبراليون بالفعل محكوماً عليهم بالفشل في الانتخابات التي سيتم تنظيمها بحلول الخريف المقبل، بعد تأخرهم باستمرار عن المحافظين المعارضين بنحو 20 نقطة في استطلاعات الرأي.
إلا أن تدخلات ترامب في الشؤون السياسية للبلاد حفزت العراك السياسي داخل مجلس الوزراء الكندي. وفي رسالة استقالتها، اتهمت فريلاند، الموالية لترودو منذ فترة طويلة، رئيس الوزراء الكندي فعلياً بالترويج لسياسات «تافهة»، من شأنها أن تجعل كندا معرضة بشدة لإهانات ترامب. وكتبت فريلاند: «تواجه بلادنا اليوم تحدياً خطراً، حيث تنتهج الإدارة القادمة في الولايات المتحدة سياسة القومية الاقتصادية العدوانية، بما في ذلك التهديد بفرض تعريفات جمركية بنسبة 25%. علينا أن نأخذ هذا التهديد على محمل الجد. وهذا يعني الحفاظ على مخزوننا المالي، حتى تتوافر لدينا الاحتياطيات التي قد نحتاجها لحرب تعريفات قادمة».
وتابعت فريلاند: «هذا يعني تجنب الحيل السياسية المكلفة التي لا نستطيع تحملها، والتي تجعل الكنديين يشكون في أننا ندرك خطورة اللحظة».
وبعد تسع سنوات في السلطة، فقد ترودو، ثقة العديد من الكنديين، ومعظم أعضاء حزبه البرلماني. وتكثر التكهنات حول ما إذا كان سيتنحى في وقت مبكر من العام المقبل، للسماح لحزبه باختيار زعيم جديد ورئيس وزراء، أو ما إذا كان التصويت على الثقة قد يسقط حكومة الأقلية التي يترأسها، ويفضي إلى انتخابات عامة مبكرة.
وقال الأستاذ الزائر في جامعة «ماكجيل» في مونتريال، ماثيو ليبو: «لا أقول إن انتخاب ترامب من شأنه أن يغير الحكومة الكندية، لكنه بالتأكيد يغير التواصل، ويغير ما ستكون عليه الانتخابات القادمة واستجابة هذه الحكومة». وأضاف ليبو، الذي يدرس العلوم السياسية في «جامعة ويسترن»: «وربما يغير توقيت رحيل جاستن ترودو».
بالنسبة لترامب، لا يمكن أن يكون هذا الأسبوع من الفوضى في السياسة الكندية أفضل من ذلك. ففي ضربة واحدة، تخلص من فريلاند، التي اصطدم معها عندما قادت محادثات التجارة مع الولايات المتحدة في ولايته الأولى، وألحق الضرر بترودو، الذي من الواضح أنه لا يحبه، ويُنظر إليه على أنه ضعيف وتقدمي للغاية و«متنبه».
وكتب ترامب على موقع «سوشيال تروث»، الثلاثاء الماضي: «لقد أصيبت ولاية كندا العظيمة بالصدمة عندما استقالت وزيرة المالية، أو تم طردها من منصبها من قبل الحاكم جاستن ترودو. كان سلوكها ساماً تماماً، وغير مواتٍ على الإطلاق لإبرام الصفقات التي تعود بالنفع على المواطنين الكنديين غير السعداء للغاية. لن نفتقدها».
ويُعتبر ذلك سلوكاً انتقامياً من زعيم دولة عظيمة تجاه أكبر شريك تجاري لها. لكنه يناسب وجهة نظر ترامب في تفاعله مع السياسة الخارجية على أنه أشبه بنزاع تجاري بين خصمين لا يمكن لأحدهما الفوز فيه. ويبدو أن تكتيكات ترامب آتت أكلها. على سبيل المثال، سارع ترودو إلى منتجع «مارالاغو» لإظهار الاحترام لترامب الشهر الماضي، وهو ما أكد هيمنة ترامب على العلاقة. وقد يكون هذا أيضاً قد أدى إلى زيادة حدة التوتر بين رئيس الوزراء وفريلاند، التي فضلت نهجاً كندياً أكثر صرامة.
كما حطم ترامب الوحدة السياسية في الحدود الشمالية التي كانت حاسمة لنهج كندا في العلاقات مع واشنطن في الماضي. وحذر رئيس وزراء أونتاريو، دوج فورد، على سبيل المثال، من أن كندا يجب أن توقف صادرات الطاقة الحيوية إلى الولايات المتحدة رداً على تهديدات ترامب، وهي الخطوة التي أبعدته عن الزعماء الآخرين في المقاطعات الأخرى.
وقال فورد، لشبكة «سي إن إن»، يوم الثلاثاء الماضي: «أريد أن أبيع المزيد من الكهرباء، المزيد من الطاقة لأصدقائنا الأميركيين وأقرب حلفائنا في العالم، لكن إذا كانت هناك تعريفة جمركية على ذلك، فإن ذلك من شأنه أن يزيد من سعر الغاز بمقدار دولار واحد للغالون، وهذا لن يكون جيداً جداً».
ويعلم ترامب أنه يعمل من موقف قوة، فالولايات المتحدة هي الشريك الأقوى في العلاقة، وفي حين أن الحرب التجارية الشاملة، من شأنها أن تلحق الضرر بالمستهلكين الأميركيين، فإن العواقب الأسرع والأكثر شدة ستشعر بها كندا. وقد كلف طلب ترامب من كندا بذل المزيد من الجهود لمنع الهجرة غير الشرعية، وخفض تدفق «الفنتانيل» عبر الحدود، كلف أوتاوا مئات الملايين من الدولارات من الاستثمارات والمزيد من عمليات التفتيش على الحدود والأفراد.
لكن ازدراء ترامب للتحالفات التي رعاها رؤساء آخرون لعقود من الزمان، ومقاومته تسويات تناسب الجانبين، تجعل من الصعب على أصدقاء أميركا إدارة العلاقات الطبيعية مع الولايات المتحدة خلال وجوده في السلطة.
ومن المؤكد أن هذا الموقف سيصبح أكثر وضوحاً في فترة ولاية ترامب الثانية. ففي حالة كندا والمكسيك، يبدو أنه يسعى إلى الحصول على تنازلات كبيرة قبل إعادة التفاوض المقررة على اتفاقية التجارة القارية بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، والتي أشاد بها باعتبارها انتصاراً شهيراً في ولايته الأولى، ولكنه يريد الآن تغييرها.
وقال الرئيس المنتخب، ترامب، في مؤتمر صحافي في منتجع «مارإيه لاغو»، الاثنين الماضي: «لقد خسرنا الكثير من الأموال لمصلحة كندا، كمية هائلة من المال. نحن ندعم كندا. نحن ندعم المكسيك. هذا لا يمكن أن يستمر. أنا أحب شعبي المكسيك وكندا للغاية، لكن لا يمكننا السماح بتحمل الخسارة». وتابع: «لماذا ندعم ونعطي دولاً أخرى مئات المليارات من الدولارات؟ هذا ليس عادلاً».
عن الـ«سي إن إن»
. ازدراء ترامب للتحالفات التي رعاها رؤساء آخرون لعقود من الزمان، يجعل من الصعب على أصدقاء أميركا إدارة العلاقات الطبيعية معها خلال وجوده في السلطة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة الامارات اليوم ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من الامارات اليوم ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.