إعداد: جيهان شعيب
اثنان وعشرون عاماً مضت على رحيل تريم عمران تريم، القامة الإنسانية والفكرية، رجل المبادئ والقيم الذي وافته المنية في مثل هذا اليوم، 16 مايو عام 2002، وحتى لحظته الأخيرة كان حاملاً لواء الشرف والعزة على الساحة الإعلامية، معتنقاً الصدق قولاً والالتزام فعلاً والإخلاص عملاً، والأمانة ركيزة لا يتزحزح عنها حاملاً عمق التنوير والمعرفة على عاتقه، ومؤمناً بأنه لا بديل عن الحريات الشامخة لقيام الأوطان.
ومع مرور الأعوام تبقى ذكرى الغائب الحاضر، تريم عمران، نابضة بزخم من مشاعر الحنين له والافتقاد لوجوده الذي كان ينبض بالحياة، فلايزال عالقاً بالذاكرة دور الراحل وشقيقه الدكتور عبدالله عمران تريم، رحمهما الله، في مراحل تأسيس الاتحاد، حيث كانا عضوين في فريق المفاوضات لقيام الدولة، فضلاً عن إصدارهما جريدة «الخليج»، التي تحولت بفضلهما إلى مؤسسة «دار الخليج للصحافة والطباعة والنشر»، وأضحت صرحاً إعلامياً شامخاً في المنطقة، وهما في ذلك كانا من روّاد تأسيس الصحافة الخليجية.
لا تقتصر مواقف تريم وعبدالله عمران، على ذلك فقط، فخطاهما وأعمالهما يصعب حصرها، وكذا مواقفهما ورؤاهما المستنيرة، التي لايزال يختزنها الفكر وتنبض بها القلوب حزناً على غيابهما، وإن كانت بصماتهما الإنسانية من الصعب زوال تأثيرها. كما أن الأسس المهنية التي رسخاها أضحت ركيزة يستند إليها تلاميذهما في عملهم الصحفي، وستظل عطاءاتهما التي لا تحصى موثقة وشاهدة على ما كانا عليه، ودافعة لدوام رثائهما والترحم عليهما.
المولد والمسيرة
في قراءة لسيرة الراحل تريم عمران، نجد أن الكلمة الأولى جاءت بمولده في إمارة الشارقة عام 1942، ومن ثمّ درس المرحلتين الابتدائية والإعدادية في «مدرسة القاسمية»، ثمّ توجه مع شقيقه عبدالله عمران، إلى دولة الكويت للالتحاق بـ«ثانوية الشويخ»، ثم عادا إلى الشارقة ليستكملا دراستهما الثانوية في «مدرسة القاسمية»، وبانتهائها توجه تريم عمران إلى مصر، ليلتحق بكلية الآداب «جامعة القاهرة». وبعد التخرج عمل بمدرسة «ثانوية العروبة»، ثم مديراً لمدرسة «المعارف» بالشارقة.
وفي عام 1972 وحين قيام الدولة، اختاره المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، سفيراً للإمارات في مصر، وظل لخمس سنوات يمارس العمل الدبلوماسي بإجادة لافتة وكفاءة مشهودة، وبحس وطني رفيع، وتوازن في المواقف، وترسّخ لديه وقتذاك الفكر القومي العروبي.
وفي عام 1976 ترأس وفد الإمارات في الجامعة العربية، وبعد ذلك في عام 1977، انتُخب تريم عمران، رئيساً للمجلس الوطني الاتحادي، وعلى مدار دورتين متتاليتين، أثبت نجاحاً باهراً، لشمولية وموضوعية النقاشات، فضلاً عن وضعه مذكرة مشتركة، ناقشها مع مجلس الوزراء عام 1979، وتضمنت مطالب مهمة، منها توطيد أركان الاتحاد وتعزيزه، وتوسيع الصلاحيات الاتحادية، وتقليص السلطات المحلية، ليعملا معاً لمصلحة الوطن والمواطن، فضلاً عن إصراره على أن تسري التشريعات الاتحادية، ومشروعات القوانين التي يجيزها المجلس، على كل أنحاء الدولة.
«أدوار موثقة»
بالنظر في دور الراحلين تريم وشقيقه عبدالله عمران، في مراحل تأسيس دولة الإمارات ودعم فكر الأب المؤسس الشيخ زايد، وإخوانه المؤسسين في قيام الاتحاد، نجد أنهما كانا يحرصان على طرح أفكاره الوحدوية، بمشاركتهما بالوفد الرسمي لإمارة الشارقة، في المفاوضات التي سبقت الاتحاد السباعي، وكانا في مقدمة المنادين لإقامة الاتحاد.
وتوالى دعمهما لقيام الاتحاد وتكريس جوانبه، عبر أقوالهما وكتاباتهما، وعن ذلك ومع قيام الاتحاد، كتب تريم في جريدة «الخليج»: «حتماً ستولد دولة جديدة في هذا الجزء الصغير من الأمة العربية، وهذه المناقشات الطويلة المتدفقة التي ندور فيها هذه الأيام ستنتهي، ويطلب منا أن نوقف الجدل ونبدأ العمل، ومن الآن علينا أن نحدد العمل الذي سنقوم به وقيمته بالنسبة لنا وللأجيال القادمة».
ومن قوله، كذلك، الذي يعكس إيمانه الكامل بدور الاتحاد في تكريس صلابة البناء الداخلي للإمارات «كياننا يعتمد أولاً على أننا عرب، وثانياً على أننا أحرار، وكوننا عرباً يعني أننا مصرّون على المحافظة على الكيان العروبي مالكاً لمصيره بلا مهانة، وبقاء القبيلة العربية إطاراً يحمي التكتل العربي مرحلياً، في مواجهة الأخطار المحدقة به، على أن يطور هذا الإطار بإدخال الجانب العلمي من الحضارة المعاصرة، لرفع مفاهيم الإنسان، وتوعيته بمتطلبات عالم اليوم».
ترجمة الحلم
نأتي للحلم الأكبر الذي كان يشغل كيان تريم وشقيقه عبدالله عمران، رحمهما الله، الذي عملا على ترجمته إلى واقع، بإرادة صلبة وسعي متواصل وتصميم لا يهتز، حيث قررا في عام 1970 تأسيس منبر إعلامي وطني سياسي، يتناولان فيه التغيرات التي تشهدها منطقة الخليج العربي، وكان الأمر بالغ الصعوبة على الصعد كافة، فلا الأجواء السياسية تسمح وقتذاك بمنبر إعلامي قومي يكشف المجريات ويتصدى للثغرات، ولم تكن الإمكانات المادية للشقيقين تمكنهما من ذلك، حيث كانت متواضعة، لكنهما واجها المخاطر وخاضا الحروب المختلفة وأصرّا على تحقيق حلمهما.
ولايزال الجميع يتذكر قول الراحل الدكتور عبدالله عمران: «كان إصدار «الخليج» تجسيداً لرسالة إعلامية ومبادئ آمن بها المؤسسون، وتبلورت بقيام مشروع وحدوي في الخليج بعمق عربي وانتماء قومي، وترسيخ الهوية الحضارية العربية والإسلامية، وتأكيد الذاتية الثقافية العربية، وطرح أفكار للنهوض والتنوير والمعرفة والحريات العامة، والغاية أن تكون «الخليج» ضمير الوطن والأمة، وصوت الإنسان العربي في كل مكان».
«الشروق» و«الخليج»
بدأ الشقيقان تحقيق حلمهما بإصدار مجلة سياسية شهرية هي «الشروق»، ومن ثم توجّها نحو إصدار «الخليج»، أول جريدة سياسية، وواجهتهما مشكلات عدة، منها أنه لم يكن بمقدورهما تكبد خسائر أو كلفة إصدار مطبوعة صحفية، ولم تكن في الشارقة والإمارات المتصالحة مطابع مؤهلة لذلك، لذا قررا التوجّه إلى الكويت، واختارا الناشر المعروف فجحان هلال المطيري، الذي يمتلك مطبعة حديثة مع زوجته غنيمة المرزوق، التي تصدر مجلة أسرية تسمى «أسرتي»، وتعهد لهما بطباعة المجلة في البداية ثم الجريدة بعد ذلك، وكانت المادة الصحفية تكتب في الشارقة، وفي الأسبوع الأخير من كل شهر، يحملها تريم عمران إلى الكويت، ويعود بها مجلة مطبوعة.
بعد ذلك فكّرا في إصدار مطبوعة سياسية يومية تتصدى للمستجدات والتحديات بالرسالة الوطنية ذاتها التي جاءت عليها «الشروق»، فكانت «الخليج» التي صدرت في أكتوبر عام 1970، ومثل «الشروق»، كانت تصدر بين الشارقة والكويت، حيث يتولى الصحفيون في الشارقة، جمع الأخبار وتلقيها عبر الهاتف، ثم كتابتها وإرسالها إلى الكويت، وانتظارها صباح اليوم التالي، حيث كانت هناك رحلة طيران يومية بين الكويت والشارقة.
حروب ومنغصات
في بداية صدورها، خاضت «الخليج» حروباً مهنية وسياسية، منها أنه عندما شعر أصحاب الصحف في الكويت بالمنافس الجديد، طالبوا الحكومة الكويتية بوقف إصدارها في بلادهم. وكذلك خاضت الجريدة حرباً شرسة مع وكلاء شاه إيران في المنطقة، وتعرضت لضغوط عنيفة، لتصميمها على بعض القضايا المهمة، ومنها عروبة الخليج، والجزر الإماراتية التي احتلت العنوان الرئيسي للجريدة غير مرة، وهو «لا تفريط في الجزر.. لا استثمار، لا مشاركة، لا تنازل».
وكذلك لم تُرضِ جرأة «الخليج» المعتمد البريطاني في الإمارات المتصالحة، فطالب أكثر من مرة بإغلاق الجريدة، لانزعاجه من خطابها القومي الذي يتخطى حدود الإمارات إلى الخليج العربي، لاسيما أنه كان يعي أن الجريدة صدرت من أجل الخليج الموحد.
توقف فعودة
في 29 فبراير عام 1972، قرر الشقيقان إيقاف الصحيفة عن الصدور بسبب للتطورات السياسية المتلاحقة، التي أسفرت عن قيام دولة الإمارات العربية المتحدة، ولتكليفهما مهام في المؤسسات والوزارات الاتحادية لخدمة الدولة، وفي 5 إبريل عام 1980، استأنفت «الخليج» نشاطها وتفرغ الشقيقان لقيادتها على التوالي، بمجلس إدارتها الذي تولاه أولاً وحتى وفاته، الراحل تريم عمران تريم، ثم الراحل الدكتور عبدالله عمران تريم وحتى وفاته أيضاً، وخلفه بعد ذلك خالد عبدالله تريم الذي يدير الدفة بمهارة ومسؤولية كبيرة.
وكان تريم عضواً مؤسساً في منتدى التنمية لدول مجلس التعاون الخليجي، ورئيساً للجنة الإمارات للتكافل الاجتماعي، ونائباً لرئيس مجلس أمناء «مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية»، وعضواً في مجلس أمناء «مركز دراسات الوحدة العربية».
صرح إعلامي شامخ
عادت جريدة «الخليج» قوية في منتصف 1980، وتأسس عنها «مركز الخليج للدراسات»، الذي جاء في إطار مؤسسة «دار الخليج للصحافة والطباعة والنشر، وتطور عام 1999من قسم صغير للدراسات إلى وحدة متخصصة، وفي عام 2004 تطورت إلى مركز للدراسات، يختص بإصدار الكتب والبحوث والتقارير، وينظم الندوات العلمية والثقافية الفكرية المتخصصة، إلى جانب الندوات والمؤتمرات المتخصصة، وإصدار الكتب المهمة.
وبمرور السنوات تطورت «الخليج» من 8 صفحات انطوى عليها عددها الأول، إلى الأكثر حالياً، فضلاً عن الملاحق المصاحبة لها، وإصدارها صحيفة «غلف توداي» اليومية أيضاً، باللغة الإنجليزية. ودخولها عالم الصحافة الرقمية، بحضور إلكتروني لافت، حتى أضحت «دار الخليج» صرحاً إعلامياً شامخاً في المنطقة.
قول فخر
قول حق، وافتخار من صاحب السموّ الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، جاء عن صحيفة «الخليج» عام 2020، خلال الاحتفاء بالذكرى الخمسين على تأسيسها، حيث قال «نعبر عن اعتزازنا بما حققته خلال مسيرتها الإعلامية، ونقلها للرسالة الصادقة، ودورها في إبراز الصورة الحضارية لدولة الإمارات، مسطّرة في صفحاتها نشأة حلم الاتحاد لحظة بلحظة، ومعبرة عن تطلعات وآمال شعب الإمارات في قيام دولتهم، تحت علم واحد ومستقبل واعد ومصير مشترك، فوثّقت قيام الدولة على يد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، وإخوانه أصحاب السموّ حكام الإمارات».
وأضاف سموّه «تابعنا في صفحاتها مراحل تطور دولة الإمارات، ونهضتها الميمونة التي شملت كافة مدن ومناطق الدولة، وجعلتها في مصافّ دول العالم المتقدم، متصدرة المراكز الأولى في مختلف المؤشرات، ما يعكس ما وصلت إليه دولة الإمارات من تطور، وازدهار، ورخاء، لشعبها والمقيمين على أرضها، فلم تكن «الخليج» مجرد صحيفة إخبارية يومية، بل هي تمثل تاريخ وطن. ومنذ تأسيسها، حرصت «الخليج» على نصرة الحق، وتقديم الرسالة الإعلامية الموضوعية التي تخاطب شريحة كبيرة من أبناء الوطن العربي، ونجحت في استقطاب الكفاءات الإماراتية، والعربية، لتحقيق هذه الغاية، وأسهمت في إعداد المبدعين، والمتميزين، الذين تركوا بصمات في الصحافة محلياً، ودولياً».
وختم سموّه «نستذكر في احتفالها بيوبيلها الذهبي، مؤسسيها المغفور لهما تريم عمران وشقيقه الدكتور عبد الله عمران، اللذين لم يألُوَا جهداً في خدمة، ورفعة وطنهما، والدفاع عن قضاياه، وإعلاء رايته في المحافل الدولية، سواء من خلال تبوّئهما المناصب الحكومية، أو تأسيسهما لصحيفة «الخليج»، التي غدت منبراً للدفاع عن الحق، ونصرة المظلوم، وطرح القضايا العربية والمحلية، بكل شفافية ومهنية».
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.