«ما أجمل البدايات وما أقسى النهايات، وما بينهما أجساد تعيش بلا أرواح».. هذه الكلمات التي اختُتمت بها مسرحية «صالح للحياة»، كانت كفيلة باختصار مراحل الحياة، والتأرجح بين الظروف والمحيط وإرادة الذات.
العرض - الذي قدمه مسرح خورفكان للفنون في ثالث أيام مهرجان دبي لمسرح الشباب على خشبة ندوة الثقافة والعلوم أول من أمس - يعرض حياة كاملة بكل ما تحمله من فرح وحزن، وانتصار وانكسار، ويأس وأمل، فهو بمثابة تجسيد لرحلة طويلة يعيش فيها الإنسان منسلخ الإرادة وتتشرذم فيها الذات والروح.
اعتمد المخرج ياسين بن صالح على سينوغرافيا قائمة على الديكور التجريدي، ليأخذ المشاهد في البداية مع ولادة طفلين من خلال صرخات الولادة والأمومة، حيث تولد طفلة يسميها والدها حياة، بينما تطلق أم على طفل آخر اسم صالح.
ومن خلال الديكورات الديناميكية على المسرح - وإن كانت حركتها الكثيرة قد تشتّت البصر في أثناء تبدّلها - شهدنا حياة صالح (لعب دوره خليفة ناصر)، وحياة (لعبت دورها عذاري السويدي)، منذ الطفولة حتى المراهقة ووصولهما إلى الجامعة.
لغة جميلة
طغت لغة النص الجميلة على العرض، إذ قدّم المؤلف عثمان الشطي بلغة مؤثرة، قصة مألوفة، لاسيما حين تجمع الشخصيتين الرئيستين في العمل (صالح وحياة) قصة حب تهدمها تحديات لا تعترف بقيمة الحب وحرية الاختيار.
يُدخل الكاتب المتلقي في مشكلات قد لا تكون جديدة الطرح، فقصة الحب بينهما لا تنتهي بزواج، بل تفرقهما الظروف ليقترن كل منهما بشخص آخر ويكوّن معه حياته، بينما تعود الصدف لتجمعهما بين فترة وأخرى.
كتب الشطي القصة على امتداد زمني طويل، فالصدف كانت تتكرر بعد عشرات السنين، وشهدنا الشخصيتين منذ الطفولة حتى الممات، لتثير الحكاية في الحضور التساؤل عن الأقدار والمجتمع المحيط، وتأثيراته في تشكيل خط حياة الفرد.
موسيقى ولوحات
شكلت الموسيقى واللوحات الراقصة جزءاً لا يتجرأ من العرض، إذ تخلله الصمت والتمثيل مع الموسيقى، فحمل لوحات مشهدية قائمة على الاستعراض، وكذلك زفة تحمل معاني الفرح في الكلمات، وكثيراً من التراجيديا في التمثيل والأداء.
أما «المونولوج» الذي قدّم في نهاية العمل وغلب عليه الطابع التراجيدي مع موت الشخصيتين جنباً إلى جنب في دار للمسنين، وحديث النفس حينما كان الموت يأخذهما إلى قبريهما، فقدم حلاً ذكياً للإضاءة على فلسفة الحياة والإرادة المسلوبة والقدرة على صناعة المصير.
علامة مميزة
وحول اللغة الجميلة التي شكلت علامة مميزة في العرض، قال الكاتب عثمان الشطي: «ألفت هذا النص عام 2016، وعرض في سلطنة عمان في 2018، وحصل على جائزة أفضل عرض متكامل، وجوائز أخرى، وسيعرض في الكويت والبحرين قريباً، وشخصياً أحب النص لأنه يقدّم قضية إنسانية، فكل فرد هو مخير ومسير في هذه الحياة، والمرء لا يختار جنسيته أو دينه أو لغته أو بلده، بل يولد في مكان ما وفي ظروف معينة». وأضاف: «يمكن لكل شخص أن يرى نفسه في هذا النص، لكنني يمكنني القول إن النص قد ظُلم، إذ تم حذف المشهد الأخير كاملاً. فالهدف من النص والنهاية التي وضعتها هو أن أبرز استمرارية الحياة، حيث أعيد الجمهور في النهاية إلى المشهد الأول مع امرأة تلد طفلاً، لكن في بقعة جغرافية تعاني ويلات الحرب، فأحول الشخصيتين إلى أجنة من جديد، لأنني أردت تسليط الضوء على الظروف القاسية التي قد تواجه من يولدون في ظروف أقسى من الظروف الاعتيادية التي عرضتها في العمل».
وأشار إلى أن الكاتب يقدم ما يريده من خلال النص واللغة، لكن أحياناً تحدث تعديلات تعيق وصول الرسالة التي يريدها من العمل، معرباً عن سعادته بالمشاركة في مهرجان دبي لمسرح الشباب للمرة الثالثة، موضحاً أن الوجود مع هذا الجيل المسرحي الشاب وما يحمله من حماس يثير السعادة في نفوس كل محبي «أبوالفنون».
وأشار إلى أهمية التشجيع في هذا المهرجان، لأن التجمع الشبابي مهم وهو ما يمنح المهرجان جمالياته، فحتى الانتقاد يكون بدافع الحب، وهذا ما يرفع من قيمة الحركة المسرحية الشبابية في الإمارات والخليج بشكل عام، لافتاً إلى أهمية عدم الاكتفاء بالندوات التطبيقية، وتنظيم ورش نقدية بين المخرجين لتطوير الحالات الإبداعية بشكل عام.
ياسين بن صالح: النص لمسني
قال المخرج ياسين بن صالح عن رؤيته الإخراجية في «صالح للحياة»، لـ«الإمارات اليوم»: «لم يكن الظلام الذي سيطر على المسرح أساسياً في العمل، والديكور كان جزءاً رئيساً من تقديم القصة بالنسبة لي. فالديكور اختلط بالحالات التي يقدّمها العمل، وهو غير منفصل عن القصة التي ترويها الحكاية، وكان متعمداً إحداث التغييرات على مرأى من الجمهور». وأكد أنه حين قرأ النص لمسه، فالجميع يبحث عن صلاح ما لحياته، وفي شريط كل صالح هناك قسوة، وفي صلاح كل حياة هناك تضحيات، والنص يحمل «فانتازيا» تتم على مراحل زمنية ممتدة، لإثبات أن الصدف تجمع قلوب المحبين دائماً، مع التطرق إلى سلبيات المجتمع.
ووصف بن صالح مهرجان دبي لمسرح الشباب بالبيت الحاضن لكل فنان مسرحي شاب، معتبراً أن الهدف من المشاركة هو التعلم والاستماع إلى الملاحظات، وكذلك الاستفادة من طاقات الشباب الإبداعية.
عثمان الشطي:
• تجمّع الجيل المسرحي الشاب يثير السعادة في نفوس كل محبي «أبوالفنون».
• العرض بمثابة تجسيد لرحلة طويلة يعيش فيها المرء منسلخ الإرادة وتتشرذم فيها الذات والروح.
• «المونولوج» الذي قدّم في الختام غلب عليه الطابع التراجيدي، مع موت الشخصيتين جنباً إلى جنب في دار للمسنّين.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة الامارات اليوم ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من الامارات اليوم ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.