د. عبدالعظيم حنفي *
شهدت مسيرة الاقتصاد الحديث توظيف نماذج جديدة لنمو المعرفة في حملة تشبه التنقل بين الجزر في حملة عظيمة. كالعمل على زرع علم للتطبيق هنا، وعرض أهمية ما هناك، وإنشاء منطقة للتدريج، انتهاء بعمل عرض مقنع. وبالنسبة لعالم الاقتصاد روبرت لوكاس (حائز جائزة نوبل في العلوم الاقتصادية عام 1995 وتوفي في مايو 2023)، فقد كان مهتماً بتحديد السياسات التي يمكنها تحسين وضع كثير من الفقراء، كان التحول الديمغرافي هو الحل. وبقدر ما تم تعريف الثورة الصناعية على أنها أمر مرتبط بمعدلات ثابتة من النمو، فإنها لم تكن نتيجة حصرية أو أساسية للتغير التكنولوجي وحده. كتب لوكاس «تستطيع مجموعة صغيرة من الأرستقراطيين المرفهين أن تنتج فلسفة يونانية أو ملاحة برتغالية»، وأضاف ولكن ليست هذه هي الطريقة التي تمت بها الثورة الصناعية. وبدلاً من ذلك، قامت نسبة كبيرة من السكان بتغيير آفاق المعيشة التي تخيلوها لأنفسهم - متحدّين آباءهم، وتاركين قراهم، وتوجهوا نحو مدن الأحلام، وفقدوا حتى الاتصال بأطفالهم، وذلك ليتمتعوا بمستوى معيشة أفضل والذي بدأ في الارتفاع فجأة بالنسبة لأعداد كبيرة من البشر. تطلبت التنمية الاقتصادية «مليون دقيقة» ضد أعراف وتقاليد الماضي، على حد قول لوكاس، وقد اقتبس العبارة من رواية كلاسيكيات المؤلف الشهير V.S Naipaul، بعنوان بيت للأستاذ بيزواز» والتي وصف فيها مسار حياة إحدى العائلات على مدار ثلاثة أجيال. بداية من حقول قصب السكر في ريف «ترينداد» ووصولاً إلى جامعة أكسفورد.
وكتب «لوكاس» أنه لم يكن يرغب في إفساد مكانة المعرفة في معادلة النمو، ولكنه كان يرغب في إضافة نقطة تكميلية. حيث قال «إن النمو في رصيد المعرفة المفيدة لا يؤدى إلى حدوث تحسينات دائمة في مستويات المعيشة إلا إذا أدى هذا الرصيد إلى زيادة العائد على الاستثمار في رأس المال البشرى في معظم العائلات؟ وقد كان الأمر الهام هو غرس مصطلح الخصوبة في النموذج، كما كتب لوكاس. فالخطط التفصيلية وحدها ليست كافية.
في حين تساءل عالم الاقتصاد الشهير «بول رومر»؟ إذا كان التغير التقني على هذا القدر من الأهمية، هل يمكن الاستمرار في ترك الإيقاع السري للتغير التكنولوجي بدون تفسير؟ لا عجب إذاً أن «الدورية المفقودة» اعتقدت أنها اكتشفت «أسرار الكون» عندما بدأت في عام 1965 في اختبار أنظمة خلق ونشر حوافز المعرفة. فالتعامل مع كل هذه القصة على أن الاقتصاد غير قادر على التأثير فيها أو تفسيرها – أو على أنها خارجة عن النماذج الاقتصادية - هو أمر شبيه بما وصفه شومبيتر ذات مرة بتمثيل مسرحية هاملت بدون الأمير.
شدد «رومر» من ناحية أخرى على أهمية الحوافز بالنسبة لعملية الاختراع الذي تم عن طريق المؤسسات. ويمكن وضع التطورات الأخرى التي بدأت في القرن الثامن عشر في الاعتبار - كإعلان استقلال مستعمرات أمريكا الشمالية، وإعلان تطبيق حقوق الإنسان في فرنسا. كما أثرت التغيرات التي طرأت في قانون الملكية وبراءات الاختراع على مسار التغير التكنولوجي، وكانت هناك تطورات موازية في الضرائب، والبنوك، والمالية، والعلوم والتعليم. وأدى نموذج رومر مباشرة إلى الاعتبارات المتعلقة بالمؤسسات المفضلة للتجارة – وخصوصاً الاعتبارات التي تم تبنّيها من قبل دوجلاس نورث وريتشارد نیلسون وسيدني وينتر وناثان روزينبيرج وبول دافيد منذ سنوات طويلة.
وتذمّر المخضرمون من أنهم عرفوا كل ذلك منذ البداية، ورثوا لحالهم عندما رأوا الخطوط العريضة للأعمال التي قاموا بها وهي تصاغ وفقاً للمصطلحات الرياضية، خاصة منذ أتضح أن المنهج الرياضي قد ألغى على وجه التحديد التفاصيل التي كانت ذات أهمية بالنسبة لهم.
وقد رد رومر مستخدماً نسخته الخاصة من رسم يماثل خريطة إفريقيا، إلى جانب استعارة الساعة الرملية. وقال إن الاقتصاد في معظم تاريخه، قد تطور بطريقة لامركزية، وطورت مجالاته التطبيقية أدوات فكرية ولغوية ملائمة للاهتمامات المتفرقة للاقتصاد. كانت هذه التطبيقات شديدة الشبه بعديد من لهجات لغة الديمقراطية - اقتصاديات العمل، والتنظيم الصناعي، والأعمال المصرفية والمالية، والتجارة الدولية، والمالية العامة، واقتصاديات التنمية، وهكذا. ولكن نتيجة لظهور الرياضيات، دخل مجال تلو الآخر في عملية يمكن وصفها على أنها ساعة رملية مستقرة على جانبها، بحيث يمثل البعد الرأسي اتساع وسرعة اهتماماتها، ويمثل البعد الأفقي مرور الوقت، تماماً كما انتقل الجيل الأصغر إلى الرياضيات لأدواتها، هناك تآكل تدريجي يحدث. كان طلبة الاقتصاد مقيدين لبعض الوقت. بشأن ما يقولونه للعالم لعدم إلمامهم بتجويداتهم المكتسبة حديثاً. ولكنهم سهلوا الأمر على أنفسهم بتوصلهم إلى كلمات وأدوات حديثة، وقد اتسعت اهتمامات المتخصصين تدريجياً، حتى أصبحوا يتحدثون من جديد عن مدى واسع من الموضوعات - ولكن يتسم حديثهم الآن بمزيد من الدقة والفهم مقارنة بالماضي.
* أكاديمي مصري
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.