أوربان لينر*
هناك الكثير من المصانع الجديدة قيد الإنشاء بالفعل في الولايات المتحدة بفضل التمويلات التي وفرتها قوانين «الرقائق والعلوم»، و«الحد من التضخم»، و«البنية التحتية». ومع التركيز المستمر من واشنطن، يمكن أن تشهد البلاد تشييد المزيد منها قريباً، خصوصاً أن كلا المرشحين الرئاسيين وعد بالإشراف على نهضة التصنيع ودعمها، بغض النظر عن الفائز في السباق.
لكن، رغم التفاؤل الحاصل، لا يتعين على الولايات المتحدة التقليل من شأن التهديد الاقتصادي الذي تفرضه الصين على تجديد مفاصل الصناعة الأمريكية، إذ تمتلك بكين الكثير من الطاقة الفائضة الصناعية وتستثمر فيها، ما يضع ضغوطاً على أسعار مجموعة واسعة من السلع المصنعة، ويجعل من الصعب على المصانع الأمريكية الجديدة خارج الصين تحقيق الأرباح.
في المقابل، تنفي الصين وجود طاقة فائضة لديها. وتقول إن الأجانب الذين يستخدمون هذه الكلمة يحاولون إحباط صعودها من خلال اقتراح أنه يجب أن تكون هناك حدود لما يمكنها إنتاجه وتصديره. لكن في الواقع، تهيمن الصين بالفعل على الإنتاج التصنيعي العالمي، مع 35% من الإجمالي. وهذا أكثر من الحصص المجمعة لأكبر تسع دول تصنيعية تليها في القائمة، ونحو ستة أمثال حصة 12% التي تمتلكها ثاني أكبر دولة منتجة. ويطلق عليها الخبير الاقتصادي الأمريكي ريتشارد بالدوين «القوة العظمى الوحيدة في العالم في مجال التصنيع».
ويقول خبراء الاقتصاد إن هوس الصين بالتصنيع جعل اقتصادها غير متوازن بشكل خطر، ويعتمد بشكل مفرط على الاستثمار على حساب الاستهلاك. ويعتقدون أن هذا هو السبب وراء تباطؤ النمو في البلاد، وارتفاع معدلات البطالة، ومشاكل الديون العقارية.
لكن بكين ترفض هذا التحليل، وتضاعف الاستثمار في التصنيع، وتخطط لتصدير ما لا تستطيع السوق المحلية استيعابه. وهي بذلك تدفع باتجاه التحرك نحو المنبع ومحاولة الهيمنة على الصناعات التكنولوجية العالية في المستقبل.
ويرى هاري موسر، رئيس مبادرة إعادة الاستثمار في الشركات، وهي منظمة غير ربحية مكرسة لإعادة وظائف التصنيع إلى الولايات المتحدة، أن الاستثمارات المفرطة للصين لن تكون مجرد موجة صغيرة، بل تسونامي بقيمة 450 مليار دولار على مدى السنوات الثلاثة المقبلة.
ووفقاً لصحيفة «وول ستريت جورنال»، كان دعم الحكومة الصينية للمصنعين المحللين كبيراً جداً، كما أنها ضاعفت الجهود مؤخراً. ففي عام 2019، أنفقت الصين 1.7% من ناتجها المحلي الإجمالي على السياسة الصناعية، فيما بلغ إنفاق الولايات المتحدة 0.4% فقط.
وبالطبع لا تشمل نسبة ال1.7% هذه مجموعة متنوعة من الإعانات غير المباشرة، والقروض الرخيصة من البنوك المملوكة للدولة، والإعفاءات الضريبية من مختلف الأنواع، إضافة إلى الصلب والطاقة الرخيصين من الشركات الحكومية. ويضع أحد التقديرات التي استشهدت بها الصحيفة الإنفاق الفعلي للسياسة الصناعية في الصين بالقرب من 5% من الدخل الوطني. كما أن الإنفاق الصيني ليس عميقاً فحسب، بل إنه واسع النطاق. حيث إن 99% من الشركات المدرجة في البورصة تقدم نوعاً من الدعم أيضاً.
إن مضاعفة الجهود تتعلق بالقوة بقدر ما تتعلق بالاقتصاد. وبهذا الصدد، تريد الصين أن تصبح أقل اعتماداً على الدول الأخرى، وأن تكون دول العالم أكثر اعتماداً عليها. في المقابل، لا تريد تلك الدول، وخاصة الولايات المتحدة، أن تتكئ أكثر على الصين. فهم يخشون المزيد من البطالة واضمحلال القطاع الصناعي.
ولم يكن هذا مبعث قلقهم الوحيد، فقد ذكّرت الحرب الروسية في أوكرانيا، وحرب إسرائيل مع حماس وحزب الله اللبناني، واشنطن بأن القاعدة الصناعية القوية أمرٌ بالغ الأهمية للدفاع الوطني. كما علّم «كوفيد-19» الولايات المتحدة أنه من غير الحكمة الاعتماد على دول أخرى للحصول على الإمدادات الحيوية في الأزمات.
وعليه، يكافح صناع السياسات الحكوميون في الولايات المتحدة وأوروبا وأماكن أخرى للتوصل إلى حلول لمشكلة التوريد الصيني. وقد حاولت الإدارتان الأمريكيتان الأخيرتان فرض التعريفات الجمركية والإعانات بدرجات متفاوتة، وحصدت درجات متفاوتة من النجاح.
ويَعِدُ ترامب بفرض تعريفات أعلى، ويهدد شركات مثل «جون ديري» التي تنقل التصنيع إلى الخارج. وتقول هاريس إنها ستقدم إعفاءات ضريبية لتشجيع الاستثمارات في المصانع الجديدة، ولكن مدى جدية هذه الجهود غير واضح. على أي حال، هذه مجرد تكتيكات، وكل ما تحتاج إليه البلاد هو استراتيجية ناجحة. ولنعمل على تشكيل لجنة خبراء من الحزبين لدراسة المشكلة والتوصية بالحلول والمضي قدماً. وبدلاً من الاستمرار في نهج الاستعداد لإطلاق النار والتصويب الذي يتبناه كلا الحزبين، نحتاج أولاً إلى الاتفاق على إجابات لبعض الأسئلة الرئيسية.
ما مقدار التصنيع الذي تحتاجه البلاد لتجنب الاعتماد المفرط على الصين؟ وما مقدار التصنيع الجديد الذي يمكن تطويره بدون دعم حكومي؟ وأي الصناعات تستحق الدعم؟ وما أفضل السبل الممكنة لتقديم هذا الدعم؟
وهناك سؤال مهم آخر لهذه اللجنة وهو ما إذا كان ينبغي لها أن تعمل مع بلدان أخرى للحد من الاعتماد على الصين أو أن تعمل بمفردها.
لقد تم وضع الأساس لهذه اللجنة، ويتفق كلا الحزبين على وجود مشكلة بالفعل. ومن الجدير معرفة ما إذا كان بوسعهما الاتفاق على حلول. إن المخاطر المحتملة لصدمة الصين الثانية خطرة بما يكفي لدرجة أن الجهد الوطني الموحد أمرٌ ضروري، لذا دعونا نمنح العمل الحزبي المشترك فرصة.
*كاتب ومحرر سابق لصحيفة «وول ستريت جورنال» في آسيا «آسيا تايمز»
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.