منذ ظهور فن التشخيص (التمثيل) بشكله الحديث، فى القرن التاسع عشر الميلادي مع بداية تأسيس المسرح المصري، ثمة فنانون قلائل في كل جيل فني استطاعوا أن يحصلوا على لقب "جان" بمعايير السوق الفني وقتها، وإن ظل هذا اللقب حكرًا على مواصفات بعينها تضم (الوسامة والأجساد المثالية المتناسقة، والأسنان البيضاء اللامعة)، وبالتأكيد قبل كل تلك المعايير كان لابد أن يكون "الجان" و"نجم الشباك" من أصحاب البشرة البيضاء الخالية من أي شوائب مثل رشدي أباظة، وعمر الشريف، وكمال الشناوي، وغيرهم، فيما تم تنميط أصحاب البشرة السمراء في أدوار مثل "السفرجي" أو "البواب"، وربما كان علي الكسار خارج عن هذه القاعدة، وإن ظلت شخصياته أيضا تدور بين الشخصيات سالفة الذكر، كما أنه لم يكن "جان" بل كان بطل، وهناك فارق كبير بينهما.
ربما كان أحمد زكي، أول من كسر هذه القواعد النمطية وتغلب على أسطورة "الجان"، واستطاع أن يصعد سلم النجومية على الرغم من كونه ذا ملامح سمراء، وربما ساعده في ذلك ظهوره فى عصر تفكك الطبقة الوسطى وتغير السلم الاجتماعي في مصر، وأصبحت الفرصة سانحة أمام نجوم جدد لاحتلال صدارة المشهد الفني، مثل عادل إمام النحيل الأقل وسامة من نجوم الجيل السابق، وأحمد زكي الأسمر النحيل بملامحه التي تقارب ملامح أغلبية المصريين، ليتحول مفهوم "الجان" رويدا رويدا إلى الممثلين الأكثر شبها بملامح الناس في الحياة الواقعية، وذلك مع ظهور جيل من المخرجين لما يسمي بـ"السينما الواقعية"، أمثال: عاطف الطيب وخيري بشارة ومحمد خان وداود عبد السيد.
كان من الممكن أن يسير أحمد زكي في الصفوف الثانية أو حتى الثالثة في أي عمل فني، ويستسلم للحظات الانهزامية التي لازمته في بداية مشواره، ومنها رفض المنتج رمسيس نجيب خوضه بطولة فيلم "الكرنك" إمام السندريلا سعاد حسني، ليحل بدلا منه الفنان نور الشريف، بحسب رواية الكاتب الصحفي محمود معروف في كتابه "روائع النجوم"، لكنه لم ييأس على أية حال، وقرر أن يخوض تحديا خارج سلطة الذوق الفني السائد آنذاك، فارضا موهبته على معايير الذوق المستقر والمنسجم لدى المتلقي للنجوم، ويقلب بملامحه السمراء وشعره المجعد وجسده النحيل موازين "النجم الجان"، مرسخاً معايير جديدة (النجومية) معتمدا على الاحساس والصدق للوصول إلى قلوب الجماهير.
في أواخر السبعينات في حقبة ما بعد الانفتاح الاقتصادي، ودخول العولمة وما سببته من إحداث شرخ في التركيبة الاجتماعية والبنية الثقافية للشعب المصري، ظهر تيار سينمائي كان بمثابة ثورة على السينما التقليدية، وهو تيار السينما الجديدة الذي قاده مخرجو "السينما الواقعية" كما أشارنا سلفا، وكان النجم في هذا التيار الحداثي هو البطل الذي يعبر عن كل الشعب المصري، ويجسد حالة التفسخ والانهيار التي أصابت المجتمع، مجسدا صورة الإنسان الشجاع، الفكاهي طيب الروح، والفهلوي في آن واحد، القادر على مواجهة الواقع بتناقضاته المركبة، وكان أحمد زكي نموذجاً جيداً لهذا البطل، وصورة لـ "الهامش" من أبناء الطبقة الشعبية الذي حل بديلا للطبقة الوسطى في صدارة المشهد الفني، لتكون بمثابة لحظة خروج الهامش أو (ممثليه) رافضا أي استمرار للاقصاء والتجاهل والتهميش.
وبالعودة إلى أفلام أحمد زكي، وبالنظر إلى بعضها، نجد ملامحه مناسبة تماما مع الأدوار التي قدمها، ومنها (طائر على الطريق، لا أكذب ولكني أتجمل، الحب فوق هضبة الهرم، سواق الهانم، وغيرها) لكنه نجاح في التمرد على الشكل، واستطاع بنجوميته أن يقدم أفلاما ما كانت لتنطبق عليه لو جاء في زمن سابق مثل (الباشا، الرجل الثالث، استاكوزا، البرنس)، وغيرها الكثير.
هكذا نجح أحمد زكي في تغير صورة الفتى الأول، والتي كانت مرهونة بتوفير مواصفات معينة، ومن هنا سيظل كل الذين جاءوا بعد أحمد زكي وحصلوا على مكانة تليق بهم في السينما مدينين للنمر الأسود بما وصلوا إليه.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة اليوم السابع ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من اليوم السابع ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.