عرب وعالم / الامارات / الامارات اليوم

أوروبا تسعى لاستعادة مكانتها العالمية بعد أن أصبحت أكثر عزلة

  • 1/2
  • 2/2

الإغلاق الكامل لأكثر مطارات أوروبا ازدحاماً أواخر الشهر الماضي، بسبب حريق في محطة كهرباء فرعية في إحدى الضواحي، هو حدث يحمل كثيراً من الدلالات. فإذا كانت هناك دلالة راسخة على أن القارة العجوز تنهار لاختلالها الاقتصادي، فإن فوضى مطار هيثرو تحمل قيمة رمزية قوية، بل يمكن اعتبارها، بقليل من الخيال، مثالاً يجسد التراجع الوجودي الأوسع لأوروبا.

فعلى مدى عقود من «التطرف البيئي» الذي أضعف قدرتها التنافسية، ونسبية التعددية الثقافية التي قوّضت تماسكها الاجتماعي، وأوهامها الرسمية لعالم بلا حدود ينعم بالسلام، جعلتها أكثر عزلة في مواجهة التهديدات الخارجية والداخلية.

ومثل ما أصاب مطار هيثرو، أصبحت أوروبا حضارة مظلمة، وشعبها محاصر، وبقية العالم تُغيّر مسارها عنها، وتبحث عن فرص في أماكن أخرى.

استنتاجات مجازية

بصفتي أحد سكان نيويورك الذين يحاولون العودة إلى ديارهم في أوروبا، وواحداً من بين ما يُقدّر بنحو 200 ألف شخص تقطعت بهم السبل بشكل محبط في المطار، أستطيع أن أرى جاذبية هذا المثال التوضيحي.

وأستطيع بسهولة استخلاص استنتاجات مجازية مختلفة من الفرصة غير المتوقعة التي أتاحها لي هذا الموقف المحرج، وهي قضاء يوم إضافي في أروقة جامعة أكسفورد، ورؤية حضارة عريقة أضاءت العالم لألف عام.

ومع ذلك، لاشك في أن أزمة أوروبا الوجودية حقيقية، حيث قضيتُ معظم الأسابيع التسعة منذ تنصيب الرئيس الأميركي دونالد ترامب لولاية ثانية هناك أحضر جنازة والدي في إنجلترا، وأستمع إلى التوقعات الخطأ المعتادة لحشد دافوس، وأستمع إلى ملاحظات قادة الأعمال في التجمعات في إيطاليا، وأقبل دعوة لتقديم أفكاري الخاصة إلى لجنة من مجلس اللوردات في لندن.

قلق وحماسة

يشعر الأوروبيون رجالاً كانوا أو نساء، بقلق وحماسة في آن واحد، ربما كان ترامب يقصد، من خلال تعامله الصادم مع الجوانب الحساسة للتركيبة الأوروبية، واحتضانه الواضح لروسيا بشأن أوكرانيا، وتصريحات إدارته الساخرة من الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، ربما كان يقصد من هذا كله إحياء رغبة أوروبا في الحياة، لكن تلك التصريحات كان لها تأثير صادم بالتأكيد. والسؤال هو: ماذا يعني كل هذا بالنسبة للأوروبيين أنفسهم، وبالنسبة لنا في نهاية المطاف؟

ما تسمعه من قادة الأعمال والسياسة هناك، هو أنه بغض النظر عن تأثير رئاسته في أميركا، قدّم ترامب الحوافز لأوروبا لجعلها عظيمة مرة أخرى، مقتنعين بأن الولايات المتحدة لم تعد حليفاً يُعتمد عليه، وأن روسيا أصبحت خصماً أكثر موثوقية، وأنهم أخيراً، بعد عقود من التأخير، يأخذون على محمل الجد تطوير وسائل بقائهم.

تأثير إيجابي

أخبرني أحد قادة الأعمال الإيطاليين كيف أن قطاع الدفاع الصغير المزدهر في البلاد يتوقع طلبات كبيرة على الطائرات والدبابات والمروحيات. وكان أعضاء مجلس اللوردات في لندن حريصين على دراسة كيفية تعزيز الردع النووي البريطاني، وما إذا كان من الممكن توسيع نطاقه ليشمل دولاً أوروبية أخرى.

وقد أقنع فريدريش ميرس، الذي سيتولى قريباً منصب المستشار الألماني، بالفعل، البرلمان الألماني (البوندستاغ) بالتصويت على زيادة هائلة في سقف الدين العام للبلاد، وزيادة الإنفاق على البنية التحتية والدفاع.

ويُؤثر كل هذا النشاط إيجابياً في الاقتصاد الأوروبي والأسواق المالية اللذين يعانيان ركوداً طويلاً.

ويُراجع الاقتصاديون توقعات النمو تصاعدياً على خلفية كل هذا الإنفاق والديون الإضافية. وقد تبادلت الأسهم الأوروبية مراكزها مع الأسهم الأميركية. ففي نهاية الشهر الماضي، ارتفع مؤشر «ستوكس 50» للأسهم الأوروبية بأكثر من 10% منذ الأول من يناير، بينما انخفض مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» بنحو 3.5%.

مخاطر على أميركا

هناك مخاطر على أميركا، فالأوروبيون لا يحتاجون إلى أي عذر للاستسلام لغرائزهم الحمائية، ويتمثّل قلقهم في أن المعدات الدفاعية الأميركية ستأتي الآن بمزيد من الشروط، وإذا ألقينا نظرة سريعة على أسهم الدفاع الأوروبية سنفهم القصة: فقد ارتفعت أسهم شركة الطيران والفضاء الإيطالية الكبرى «ليوناردو»، بأكثر من 85% هذا العام، فيما ارتفعت أسهم «بي إيه إي سيستمز» البريطانية بنحو 50%.

هناك كلفة أقل وضوحاً على أميركا، حيث إن إضعاف أو قطع العلاقات مع المنطقة الرأسمالية الليبرالية المتقدمة الوحيدة في العالم، وثاني أكبر منطقة اقتصادية فيها، سيُعقّد الأمن القومي الأميركي ومصالحه الدبلوماسية على نطاق واسع، سواء كان ذلك كبيراً أم صغيراً. وسيكون أمام أوروبا ثمن ينبغي أن تدفعه إذا قلّصت الولايات المتحدة أخيراً التزامها الكبير تجاه دفاع أوروبا، وركزت اهتمامها على القضايا الاستراتيجية الأوسع.

جيرارد بيكر*

*محلل وكاتب رأي في «وول ستريت جورنال»

عن «وول ستريت جورنال»

. أمام أوروبا ثمن ينبغي أن تدفعه إذا قلصت الولايات المتحدة التزامها الكبير تجاه دفاع القارة.

. مثل ما أصاب مطار هيثرو، أصبحت أوروبا حضارة مظلمة وشعبها محاصر وبقية العالم تُغيّر مسارها عنها.

تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news

تويتر لينكدين Pin Interest Whats App

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة الامارات اليوم ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من الامارات اليوم ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا