اقتصاد / صحيفة الخليج

غاضبة من أحد رأسمالييها

د. محمد الصياد *

نادراً ما تُظهر غضبها فيما يخص شؤون علاقاتها الدولية. فهي تدير هذه العلاقات بأكبر قدر من الهدوء والرصانة والبعد قدر الإمكان عن المواقف المتشنجة التي قد تفضح حقيقة الموقف أو ترسل رسائل خاطئة يقرؤها الآخرون على غير ما تهواه بكين. لكن ما قام به أحد كبار رأسمالييها مؤخراً أثار غضب وحفيظة المستوى السياسي وأوساط الإعلام ومراكز وخزانات الأفكار الصينية.
كا شينغ لي «Ka-shing Li» (مواليد 1928)، ملياردير من هونغ كونغ تبلغ ثروته الصافية نحو 40 مليار دولار، يملك شركات تعمل في كافة مجالات الصناعة والتجارة والنقل والتكنولوجيا وغيرها. منحته وسام رتبة الإمبراطورية البريطانية (Most Excellent Order of the British Empire). بصورة مفاجئة أثارت حفيظة وحنق الصينيين، أقدم كا شينغ لي مؤخراً على بيع 43 ميناءً ومرافقها اللوجستية في 23 دولة، لشركة بلاك روك الأمريكية. وهو ما اعتبر الصينيون أنه تواطؤ مع الشركة الأمريكية ومع الرئيس دونالد ترامب، وخيانة سافرة للأمانة وللوطن الأم، مذكّرين بالوجوه القبيحة التي فضحتها أعمال العنف والتخريب التي نفذتها عناصر متآمرة لقلب النظام في هونغ كونغ في عام 2014 و2019. واتهموه بأنه باع وطنه من أجل المال.
احتفل ترامب بالاستيلاء، عبر شركة بلاك روك، على جميع هذه الموانئ اللوجستية، بما فيها قناة بنما. والهدف فرملة تدفق السلع الصينية إلى موانئ هذه الدول على اعتبار أن الصين هي أكبر مُصنّع للسلع في العالم. وبسيطرة الولايات المتحدة على هذه الموانئ يُمكنها إيجاد أعذارٍ للضغط على شركات الشحن الصينية، بما يجبرها على زيادة هائلة في تكاليف هذه الموانئ. وقد يصل الأمر لاستخدام الولاية القضائية الطويلة الأمد لمنع السفن الصينية من الرسو في هذه الموانئ. فالهدف النهائي هو الإضرار باستراتيجية «صُنع في الصين»، ومبادرة الحزام والطريق. خصوصاً إذا ما وضعنا في الاعتبار تنفيذ هونغ كونغ استراتيجية الصين المتمثلة في إنشاء مركز دولي للشحن والتجارة.
لم ترد شركتا سي كي هاتشيسون وبلاك روك على استفسارات الصحافة بشأن القضية. كما التزم كا شينغ لي الصمت إزاء ثورة الغضب المنفجرة في وجهه، وهو الذي ادعى في 16 مارس 2018 تقاعده من العمل في شركتيه الأم «CK Hutchison Holdings» و«CK Asset Holdings»، بعد قرابة 70 عاماً من العمل، ونقله السيطرة على إمبراطوريته التي يبلغ إجمالي قيمة أصولها 100 مليار دولار أمريكي، إلى ابنه، فيكتور لي. لكنه في الواقع ظل يشرف على أعمال الإمبراطورية من منصبه الذي اتخذ صفة المستشار الأول للمجموعتين القابضتين.
تتضمن الصفقة موافقة شركة سي كي هاتشيسون «CK Hutchison Holdings» مبدئياً على نقل حصتها البالغة 90% في شركة موانئ بنما إلى كونسورتيوم تحالف تقوده شركة الاستثمار الأمريكية بلاك روك، إضافة إلى حصتها الفعلية والمسيطرة البالغة 80% في 43 ميناءً تضم 199 رصيفاً في 23 دولة، بقيمة إجمالية قدرها 22.8 مليار دولار. صحيفة «تا كونغ باو» اليومية الناطقة بالصينية، كتبت مقالاً في صفحتها الأولى يوم السبت 15 مارس 2025، بعنوان «رجال الأعمال العظماء جميعهم وطنيون بارزون»، دعت فيه رجال الأعمال الصينيين إلى مواجهة هذه الأزمة بنفس الطريقة التي تواجه بها الصين «الهيمنة والتنمر الأمريكيين»، داعية الشركات الصينية إلى «الوقوف بحزم إلى جانب الوطن الأم». أما من يستسلمون لسلوكيات الهيمنة والتنمر لإبرام «صفقة لمرة واحدة»، فسيُسجلون في صفحات «العار التاريخي».
وأوردت الصحيفة أمثلة لرجال أعمال صينيين مثل تشانغ تشين الذي افتتح مصنعاً للقطن في أواخر القرن التاسع عشر، ورين تشنغفي مؤسس شركة تكنولوجيز، وغيرهم من رجال الأعمال الصينيين الذين «صانوا السيادة التكنولوجية لصناعة الاتصالات الصينية».
سوق الأسهم ردّت على هذا التداعي الغاضب للصفقة بأن هبطت القيمة السوقية لأسهم شركة سي كيه هاتشيسون، وثلاث وحدات أخرى مدرجة في هونغ كونغ، هي سي كيه أسيتس هولدينغز، وسي كيه إنفراستركتشر هولدينغز، وباور أسيتس هولدينغز، بما تجاوز 20 مليار دولار هونغ كونغي (2.57 مليار دولار أمريكي)، وذلك يوم الجمعة 14 مارس 2025. السوق تتعامل بوضوح مع اعتراض الصين على الصفقة، وتحذيرها منها، ورغبتها في تعليقها. بعض كبار المحللين السياسيين الصينيين اعتبروا ما قام به كا شينغ لي، انتهاكاً صارخاً للمصالح الوطنية لجمهورية الصين الشعبية، داعين السلطات الصينية لاتخاذ إجراءات صارمة ضده وفقاً للقوانين ذات الصلة في البلاد ومنطقة هونغ كونغ الإدارية الخاصة.

* خبير بحريني في العلاقات الاقتصادية الدولية

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا