إن الاتصال يعد تحولاً كبيراً في طبيعة موقف حكومة السوداني تجاه حكومة الشرع، إذ جاء بعد حذر عراقي من التفاعل مع التطورات السورية خلال الأشهر الماضية، فما قبل ليلة من سقوط نظام الأسد كان الحلفاء في العراق ملتزمين بحماية نظام بشار لكونه حليفاً استراتيجياً لهم، كما يعكس هذا الاتصال أثر المتغيرات في الظروف الإقليمية على إجرائه، ويؤشر إلى حد ما إلى كسر القيود السياسية المفروضة على السوداني من قبل بيئته السياسية، ممثلة بـ«الإطار التنسيقي» الحليف للأسد، وكذلك الفصائل المسلحة التي تشكلت منها حكومة السوداني، والتي حاربت على الجغرافية السورية للدفاع عن الأسد كخيار استراتيجي وعقائدي.
إن خطوة الاتصال قد تشكل أرضية لبناء علاقات جديدة بين البلدين وسط تحولات سياسية داخل سوريا ممثلة بالبدء بالمسار السياسي لشكل النظام السياسي الجديد، وتحديات أمنية على حدود العراق في ظل تنامي تهديدات داعش، وتأتي الأهمية للاتصال أيضاً في وقت تمر فيه منطقة الشرق الأوسط بظروف بالغة الحساسية، تتسم باحتمالية اندلاع مواجهات بين الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة وإيران من جهة أخرى، إلى جانب عودة الاشتباكات في غزة وجنوب لبنان، بل وحتى احتمالية التصعيد في العراق إذا ما استهدفت الفصائل الموالية لإيران المصالح الأمريكية في حال لم توافق إيران على رسالة ترمب وشروطه، مما أضفى على الاتصال بعداً يتجاوز المجاملة الدبلوماسية، ليحمل رسائل متبادلة بضرورة إعادة تموضع سياسي للطرفين ومحاولة لفتح قنوات تنسيق أمني واقتصادي بين البلدين.
لا يمكن القفز على أن الهواجس الأمنية المتبادلة، كانت في صلب الاتصال في ظل تهديدات بخلق حالة من الفوضى داخل سوريا؛ لذا فإن ضبط الملف الأمني يشكل مصلحة مشتركة بين بغداد ودمشق، خصوصاً بعد أن شدد السوداني على دعم وحدة سوريا وسلامة أراضيها، وتأكيدات الشرع التزامه بسيادة العراق وعدم التدخل في شؤونه، وبما يعكس جدية الطرفين في تدعيم العلاقات إذا ما توافرت الإرادة لمواصلة هذا المسار من خلال تفعيل اللجان المشتركة التي تم الاتفاق عليها أثناء زيارة الشيباني لبغداد، وكذلك محاولات السوداني لعب دور الوسيط بين دمشق وطهران بهدف التهدئة، وهذا ما ستتم مناقشته بشكل موسع إذا ما حضر الرئيس السوري أحمد الشرع القمة العربية التي يسعى العراق إلى مشاركة الشرع فيها، كجزء من جهود إعادة دمج سوريا في محيطها العربي.
إن هذا التقدم لا يعني عدم وجود كوابح أمام هذه العلاقة، يأتي في مقدمتها وجود أطراف عراقية ترفض هذا الانفتاح كون رفضها مرتبطاً بوجودها المسلح وتنفيذها للأجندات الخارجية، إضافة إلى ضيق الوقت المتبقي من العمر الدستوري لحكومة السوداني لإنجاز خطوات حقيقية في مسار العلاقات، مما يفرض الإسراع في تشكيل تحالف ثنائي وتفعيل غرفة التنسيق واللجان المشتركة، ومع ذلك يمكن توصيف هذا التواصل بالتحول الكبير والجذري الذي يمكن البناء عليه، وهو ما يضع المعادلة السياسية المقبلة في العراق أمام مسؤولية التعاطي بإيجابية والعمل على وضع العلاقات العراقية – السورية في مسارها الصحيح والجديد، لاسيما مع التوجه المتسارع للشعب العراقي نحو المنظومة العربية.
أخبار ذات صلة
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عكاظ ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عكاظ ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.