رسوم ترامب الجمركية.. طريق الازدهار أم نفق الركود؟
أحمد فاضل
رغم إصرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على أن سياساته الجمركية ستحقق انتعاشًا اقتصاديًا طويل الأمد للولايات المتحدة، إلا أن المؤشرات الحالية تُنذر بأزمة اقتصادية عالمية قد تكون أعمق مما يتصور البعض، فضلاً عن تهديدها لجميع جوانب الحياة اليومية للأمريكيين، فالرسوم الجمركية المفروضة على المنتجات المستوردة لم تعد مجرد أداة للضغط على الدول المصدرة، بل تحولت إلى عبء ثقيل على المواطن الأمريكي، عبر ارتفاع الأسعار، تآكل القدرة الشرائية، وتصاعد معدلات التضخم.
خسائر أولية فادحة
في الوقت الذي تراهن فيه إدارة ترامب على أن هذه السياسات ستُجبر الشركاء التجاريين على الرضوخ لإرادتها، جاءت الردود الدولية صادمة وقاسية، الصين، الاتحاد الأوروبي، كندا، المكسيك، وغيرها من القوى الاقتصادية الكبرى، لم تتردد في الرد بإجراءات انتقامية شديدة، ما دفع العالم إلى شفا حرب تجارية مفتوحة،
فيما لوحت ولاية كاليفورنيا الأمريكية التنصل من الامتثال للرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على نحو 200 دولة ومنطقة اقتصادية حول العالم،
هذه الحرب لا تهدد فقط مكانة الولايات المتحدة كقوة اقتصادية عظمى، بل تقوض قدرتها على الحفاظ على هيمنتها في النظام التجاري الدولي. ومع ذلك، قد تكون هذه المعركة أكثر تعقيدًا مما يبدو.
فترامب، بعقليته الاقتصادية الجريئة وغير التقليدية، قد ينجح في فرض إرادته على العالم، سياساته قد تُجبر الشركاء التجاريين الدوليين على الانحناء أمام القوة الأمريكية، ما يضمن للمصالح الأمريكية تفوقًا طويل الأمد، رغم الصعوبات والمخاطر التي قد تظهر على الطريق وتلوح في الأفق، فهل ستصمد أمريكا، أم ستسقط في فخ هذه المعركة الجمركية العاصفة؟ خصوصا وأن الأسواق الأميركية في اليوم التالي لإعلان ترامب، تراجعت بشكل كبير، حيث فقدت الشركات الكبرى في وول ستريت نحو أكثر من تريليون دولار من قيمتها السوقية.
وأدى تزايد القلق من تأثيرات الرسوم الجمركية على الاقتصاد العالمي إلى انخفاض مؤشر داو جونز بأكثر من 1200 نقطة، فيما تراجعت أسواق الأسهم العالمية بشكل حاد.
ورأى ترامب أن القرارات التي اتخذها في هذا الصدد ستعزز الاقتصاد الأمريكي وتحمي الوظائف، ومع ذلك، حذر العديد من الاقتصاديين من أن رسوم ترامب الجمركية قد تؤدي إلى حرب تجارية عالمية، وأن التكاليف المتزايدة ستنعكس على المستهلكين الأمريكيين، ما سيرفع الأسعار ويهدد بحدوث ركود اقتصادي، وهو بالفعل ما يحدث الآن في السوق الأمريكي.
معالجة العجز التجاري
برر ترامب زيادة التعريفات الجمركية على بعض الواردات، بالحاجة إلى معالجة الخلل في المبادلات التجارية الخارجية، المقدر بـ 918 مليار دولار في نهاية عام 2024، من مجموع واردات بلغ 4.1 تريليونات دولار، وصادرات بقيمة 3.2 تريليونات دولار، وفق بيانات وزارة التجارة الأمريكية.
وتعد كندا والمكسيك والصين والاتحاد الأوروبي أكبر شركاء تجاريين لأميركا، إذ تزود هذه الدول الولايات المتحدة بالسيارات والأدوية والأحذية والأخشاب والإلكترونيات والصلب والعديد من المنتجات الأخرى.
وقدر العجز مع الاتحاد الأوروبي بنحو 236 مليار دولار، من مبادلات تجارية إجمالية مع أميركا بلغت 975 مليار دولار، وفقًا لمكتب الإحصاء الأمريكي التابع للحكومة الأمريكية، استوردت الولايات المتحدة من الصين بضائع وسلعًا بقيمة 438.9 مليار دولار في عام 2024، وصدّرت الولايات المتحدة بضائع وسلعا إلى الصين بقيمة 143.5 مليار دولار في عام 2024، واستنادًا إلى الأرقام السابقة، فإن الميزان التجاري يميل لصالح الصين في علاقتها الاقتصادية بالولايات المتحدة، إذ يبلغ العجز التجاري بين البلدين (الفرق بين قيمة الواردات والصادرات) 295.4 مليار دولار لصالح الصين في عام 2024.
واستوردت الولايات المتحدة بضائع وسلعا من المكسيك بما قيمته 505.8 مليار دولار في عام 2024، في حين بلغت قيمة الصادرات الأمريكية للمكسيك في العام نفسه 334 مليار دولار، ليبلغ إجمالي التجارة (الواردات والصادرات) بين البلدين 839.8 مليار دولار، حيث تضاعف العجز التجاري للولايات المتحدة مع المكسيك منذ عام 2018، من 78 مليار دولار إلى مستوى قياسي بلغ 172 مليار دولار في عام 2024، وفقًا لمكتب الإحصاء الأمريكي.
طموح مشوب بالارتباك
منذ لحظة الإعلان عن فرض تلك الرسوم على طيف واسع من السلع المستوردة من شركاء تجاريين كبار، دخل الاقتصاد الأمريكي في نفق مظلم عنوانه عدم اليقين،
فهذه الإجراءات التصعيدية، التي أتت في إطار حرب تجارية مفتوحة، لم تُحقق حتى الآن أياً من الوعود الوردية التي أطلقتها الإدارة الأمريكية، مثل تقليص العجز التجاري أو تحفيز الإنتاج المحلي، بل على العكس، أظهرت نتائج أولية تمثلت في تباطؤ النمو الاقتصادي، وارتفاع تكلفة المعيشة، وتزايد المخاوف داخل الأوساط الاستثمارية والصناعية.
وأصبح المواطن الأمريكي البسيط ضحية أولى لتلك السياسات، إذ تحولت الأسواق التي كانت يومًا ما متنوعة الأسعار ومتاحة للجميع، إلى ساحات للغلاء، من الإلكترونيات إلى الملابس، ومن السيارات إلى المواد الغذائية، لم تسلم أي فئة من موجات الغلاء التي تضرب الأسواق، هذا الارتفاع الحاد يُهدد بشكل خاص الطبقات المتوسطة والدنيا، ويضعها في مواجهة مباشرة مع صعوبات معيشية متزايدة، قد تؤدي إلى زيادة معدلات الفقر والديون الشخصية.
سلاسل إمداد مهددة
لم تتوقف تداعيات الرسوم عند المستهلك فقط، بل امتدت لتضرب صميم الصناعات الأمريكية نفسها، فالشركات التي تعتمد على استيراد المواد الخام أو المكونات الصناعية وجدت نفسها في مواجهة تحديات جسيمة: ارتفاع التكاليف، تأخر في عمليات الإنتاج، وانخفاض القدرة التنافسية في الأسواق الخارجية، هذا التوتر في سلاسل الإمداد يهدد بتقويض الصناعات المحلية، ويدفع بعض الشركات إلى تقليص أعمالها أو نقل مصانعها إلى دول ذات بيئة تجارية أكثر استقرارًا.
تجد العديد من الشركات الأمريكية نفسها في مأزق حقيقي، فبينما ترتفع تكاليف الإنتاج وتضيق الأسواق الخارجية، يُصبح من الصعب الحفاظ على الربحية أو حتى البقاء. بعض الشركات بدأت فعليًا في تقليص حجم إنتاجها، والبعض الآخر رفع الأسعار لتعويض خسائره، ما يضاعف الضغوط على المستهلكين، ومع الوقت، قد نشهد موجة من الإفلاسات وتسريح العمال، ما ينعكس سلبًا على معدلات التوظيف والاستقرار الاقتصادي.
صبر بلا أفق
خطاب البيت الأبيض يحث المواطنين على “الصبر والصمود” باعتبار أن النتائج الإيجابية ستأتي لاحقًا، إلا أن هذا الخطاب لا يبدو متصالحًا مع واقع اقتصادي مرير، المواطن العادي، الذي يواجه غلاء المعيشة وتراجع القوة الشرائية، لم يعد قادرًا على تحمّل كُلفة هذه السياسات،
في وقت تبدو فيه المكاسب الموعودة بعيدة المنال،وعلى الرغم من محاولات الإدارة الأمريكية تسويق هذه السياسات على أنها حلول اقتصادية طويلة الأمد، فإن الآثار السلبية على الاقتصاد الأمريكي قد تكون أكثر إيلامًا مما يدركه صانعو القرار، سيكون من الصعب على الطبقات المتوسطة والدنيا الصمود في وجه الارتفاع المستمر للأسعار، وضعف القدرة الشرائية، والتضخم المتزايد. علاوة على ذلك، فإن الشركات الأمريكية ستواجه تحديات هائلة في التكيف مع هذه السياسات، مما قد يؤثر بشكل مباشر على مستوى الإنتاجية والنمو الاقتصادي. حتى الشركات الكبرى، التي يُفترض أن تكون المستفيد الأول من “أمريكا أولاً”، بدأت تشعر بثقل الإجراءات وتراجع العوائد.
ختامًا، الرهان على الرسوم الجمركية كأداة لإعادة صياغة العلاقات الاقتصادية العالمية قد يكون مشروعًا في الظاهر، لكن تنفيذه بفوضوية وعدائية هو وصفة مؤكدة للانهيار. فاستمرار هذه السياسات دون مراجعة أو تصحيح يُنذر بتحوّل الأزمة من اقتصادية إلى اجتماعية، ومن أزمة أسعار إلى أزمة ثقة، ومن ركود مؤقت إلى كساد عميق.
في نهاية المطاف، قد لا تسقط أمريكا تحت وطأة الحرب التجارية، لكنها يمكن أن تخرج منها أضعف، أكثر انقسامًا، وأقل قدرة على قيادة اقتصاد عالمي بات يبحث عن بديل أكثر عقلانية، وأقل تهورًا.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة متر مربع ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من متر مربع ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.