اقتصاد / صحيفة الخليج

البنوك المركزية تنزلق إلى الظل

مايك دولان*

لطالما كانت البنوك المركزية الجهات الرئيسية الفاعلة في سياسات الأسواق والاقتصادات العالمية، لكنها تتراجع اليوم إلى الأدوار الداعمة مع فرض الحكومات مزيداً من الضغط، وسيطرتها على معظم المشهد.
ففي أقل من شهرين، دفعت الإدارة ة الجديدة نحو إعادة صياغة دراماتيكية للسرد الاقتصادي العالمي، ما قلب التوقعات الاقتصادية وتدفقات الاستثمار عبر الحدود في جميع أنحاء العالم.
وقد أجبرت الحروب التجارية الشاملة التي أطلقتها حكومة دونالد ترامب وتفكك التحالفات السياسية والعسكرية الأمريكية التي استمرت عقوداً من الزمان على تحول في السياسة المالية الألمانية والأوروبية، فيما شجعت على تكثيف تدابير التحفيز لتلبية هدف النمو الذي أعادت صياغته الآن والبالغ 5%.
لكن حجم عدم اليقين التجاري أزعج الشركات الأمريكية وزعزع ثقة الأسر، مع تضخيم مخاوف الركود في البلاد، بسبب خفض الوظائف الحكومية والاضطرابات في «وول ستريت».
وفي ظل الضبابية التي تحيط بالأسواق، لا يستطيع بنك الاحتياطي الفيدرالي أن يقدم توقعات دقيقة لما قد يحدث في الأسبوع المقبل ناهيك عن إحساس الشعور بالثقة في التنبؤ بمكانة الاقتصاد ومعدل التضخم عندما يحدث أي تغيير في أسعار الفائدة بعد نحو 12 شهراً من الآن. ومن المرجح أن يظل المركزي مكتوف الأيدي لفترة أطول بينما يحاول استيعاب كل شيء. وهو ما أعلنه جيروم باول في خطابه الأخير.
ولكن حتى قراءة البيانات الواردة أصبحت أكثر صعوبة. فعلى سبيل المثال، سوف تتم مراقبة تحديثات التضخم من كثب بطبيعة الحال، ولن تسلط أسعار المستهلك للشهر الماضي أي ضوء على التأثير المحتمل للتعريفات الجمركية المقترحة التي ستصدر في المستقبل. وحتى قبل نهاية الربع الأول، سيضطر المستثمرون إلى تمزيق خطط العام بالفعل، ومن غير المرجح أن يستمر بنك الاحتياطي الفيدرالي في تجميد أسعار الفائدة لفترة أطول بكثير.
ويرى كريس إيجو من شركة «أكسا إنفستمنت مانجرز»، بأن الخلفية الاقتصادية الكلية الأكثر اعتدالاً التي كان المستثمرون يتصورونها في عام 2025 قد تحطمت بالفعل، وأن التحديات التي تفرضها الإدارة الأمريكية على النظام التجاري والأمني العالمي لديها القدرة على تعطيل التجارة وتدفقات رأس المال والاستهلاك والإنفاق الاستثماري والسياسة الحكومية. كما سيواجه المستثمرون غموضاً بشأن النمو الاقتصادي والتضخم وأسعار الفائدة وتكاليف الاقتراض طويلة الأجل.
في غضون ذلك، تبدو الهيمنة المتزايدة للسياسة المالية في أوروبا أكثر وضوحاً، إذ خفض البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة مرة أخرى الأسبوع الماضي، في حين قدّم بيانات متشددة بشكل هامشي حول خططه، حيث يعيد رسم خريطة المشهد الاقتصادي الكلي المتغير.
ولكن بالنسبة للأسواق المالية، كانت خطوة المركزي الأوروبي الأخيرة بمثابة عرض جانبي للتغييرات المالية الدرامية في ألمانيا، التي أعلنت عزمها إنفاق ما يقرب من تريليون يورو على قطاعي الدفاع والبنية التحتية، مدعومة بخطط للاقتراض المشترك الأوروبي الأوسع.
ولكن حتى لو أراد البنك المركزي الأوروبي التوقف هنا نظراً للتأثير الضخم المحتمل لوعود الإنفاق الحكومي الجديدة على النمو المحلي والديون، فإنه يتعين عليه أيضاً أن يأخذ في الحسبان الآثار المترتبة على التهديدات التجارية غير المنتظمة على نحو متزايد من جانب ترامب، مع التأثير المباشر لخطط التعريفات الجمركية الأمريكية في إبريل/نيسان على أوروبا.
فهل يرى البنك المركزي الأوروبي هذا سبباً لتخفيف السياسة مرة أخرى؟ من المؤكد تقريباً أنه لا توجد إجابة عن هذا السؤال حتى الآن. وفي الحقيقة، من غير المرجح أن يكون الخفض هنا أو هناك مهماً كثيراً. وسوف يكون الجمع بين إعادة التسلح القاري، ورفع القدم عن «مكابح الديون» التي فرضتها برلين على نفسها، وإعادة هندسة قواعد ميزانية اليورو، أقوى بكثير من أي تعديل هامشي في أسعار الاقتراض.
ومن المؤكد أيضاً أن اليورو يتماشى مع ذلك، حيث قاوم المركزي الأوروبي خفض أسعار الفائدة الأسبوع الماضي، محققاً أكبر مكسب أسبوعي للعملة على الدولار في 16 عاماً. مع استمرار تحول رأس المال عبر الأطلسي من أسهم التكنولوجيا الأمريكية باهظة الثمن إلى القطاعات الصناعية والدفاعية الأوروبية الأرخص.
قبل أيام، قال الخبير الاقتصادي ستيفن جين: «ستكون السياسات المالية المحرك الأساسي لمعظم اهتمامات المستثمرين. ولن تتفاعل البنوك المركزية إلا مع هذه السياسات، ولن تتمكن بعد الآن من إملاء اتجاهات الأسواق، كما ستقود عائدات السندات الأسهم والعملات».
لا يعني هذا أن البنوك المركزية لم تعد لديها القدرة على تحريك الأسواق من خلال تغيير تكلفة المال، بل إن الحسابات حول ما قد تعنيه مثل هذه الإجراءات للاقتصادات والأسواق أصبحت الآن أكثر تأثراً بقوى السياسة المالية. وكل هذا قد يُبقي صناع السياسة النقدية في حالة تأهب لمعظم العام، الأمر الذي قد يجعل توقعاتهم بعيدة إلى حد ما.
*محرر الأسواق المالية في «رويترز»

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا