عقارات / متر مربع

شارل فؤاد المصري يكتب : ذكريات رمضانية بهجورية نجعاوية

شارل فؤاد المصري

يكتب : ذكريات رمضانية بهجورية نجعاوية

في صعيد يحمل نكهة خاصة، تختلف باختلاف طبيعة المكان وثرائه الثقافي، لكنه يظل جامعًا لأهل الصعيد في قيمه الإنسانية.

في قريتي بهجورة، القابعة في عمق صعيد مصر، كانت طقوس رمضان مختلفة إلى حد ما. يتم التحضير لها بشراء فانوس رمضان التقليدي المصنوع يدوياً من الصفيح والزجاج الملون، ويتم إضاءته بشمعة صغيرة. وعادة ما كانت الشمعة تسيح وتميل على أحد جوانب الفانوس فتكسر سخونتها زجاج أحد أضلاعه.

أذكر أن أول فانوس رمضان حصلت عليه كنت نائماً، وقام والدي بايقاظي مقدماً لي الفانوس، وكانت فرحتي به لا توصف.

عندما يأتي موعد الإفطار، كان الاستعداد له بمدافعنا الخاصة، وهي عبارة عن مسمار ضخم ذو رأس مربع، عادة ما يكون من مخلفات فلنكات السكك الحديدية، محفور فيه فتحة بطول 2 سنتيمتر، ومربوط به مسمار يعمل كمفجر عند ضربه على الأرض، محدثاً صوت فرقعة كفرقعة مدفع رمضان بسبب اشتعال كمية من رؤوس أعواد الثقاب التي وضعناها به.

ثم نختفي من الشارع ونعود بموكب زفة الفوانيس المضاءة بالشموع، ونمشي تحت حبال الزينة المصنوعة من أوراق الكراسات القديمة والمقصوصة على هيئة مثلثات بها فتحات في المنتصف، ويتم لصقها بالعجين. وعندما تهب نسمات الهواء، تحدث صوتاً جميلاً ولحناً محفوراً في ذكرياتنا الجميلة.

شهر رمضان في صعيد مصر يحمل نكهة خاصة، تختلف باختلاف طبيعة المكان وثرائه الثقافي، لكنه يظل جامعًا لأهل الصعيد في قيمه الإنسانية. وفي مدينة نجع حمادي التي انتقلنا إليها فيما بعد، يتجسد رمضان بملامح فريدة، تتراوح بين الاحتفالات الدينية والاجتماعية، والتعايش الوثيق بين المسلمين والمسيحيين، وبهجة الأطفال التي تملأ الشوارع بالفوانيس والأغاني.

تستيقظ نجع حمادي قبل على أصوات الطبول التقليدية “المسحراتي” الذي يجوب الأحياء ليوقظ الأهالي للسحور، في عادة متوارثة تختلط فيها الأصالة بالانتماء للتراث الصعيدي.

لا تخلو مائدة سحور من الأكلات الشعبية مثل “الفطير المشلتت” و”الفتة باللبن”، إلى جانب المشروبات التقليدية كالكركديه والتمر الهندي.

ولا يقتصر الكرم الصعيدي على الأهل والأصدقاء، فالكثير من الأسر تُعد موائد إفطار جماعية للفقراء والغرباء، تأكيدًا على قيم التضامن التي تميز المجتمع.

 

تشتهر نجع حمادي، كغيرها من مدن الصعيد، بتعايش فريد بين المسلمين والمسيحيين، يتجلى بوضوح في شهر رمضان. فالأسر المسيحية تشارك جيرانها المسلمين فرحة الشهر، إما بإرسال أطباق الحلوى الرمضانية مثل الكنافة والقطايف، أو بالمشاركة في موائد الإفطار المشتركة.

وفي المقابل، يحرص المسلمون على مشاركة إخوتهم المسيحيين في أعيادهم كالميلاد والغطاس، بتقديم التهاني وتبادل الهدايا.

 

هذا التناغم الاجتماعي ليس وليد اللحظة، بل هو نتاج سنوات من العيش المشترك، حيث تُدار المناسبات الدينية باحترام متبادل، وتُغلق أبواب الخلاف لتبقى الأولوية لقيم المحبة والإنسانية.

 

لا تكتمل بهجة رمضان في نجع حمادي دون صيحات الأطفال وهم يحملون الفوانيس الملونة، يجرون في الشوارع والأزقة الضيقة وينشدون الأغاني الشهيرة مثل “وحوي يا وحوي” و”رمضان جانا
تتزين المحلات بشتى أنواع الفوانيس، من التقليدية المصنوعة من الصفيح والزجاج الملون إلى الحديثة التي تعمل بالبطاريات وتُصدر الألحان المستوردة من .

و تشهد الساحات العامة أنشطة رمضانية خاصة بالأطفال، كالمسابقات الدينية وورش صناعة الفوانيس اليدوية، حيث يُربى الصغار على حب الشهر كمناسبة للفرح العائلي والذاكرة الجمعية التي تحفر في قلوبهم قبل عقولهم.

 

رمضان في بهجورة ونجع حمادي ليس مجرد هو مهرجان للثقافة الصعيدية الأصيلة، حيث تتداخل الروحانية مع التقاليد الاجتماعية، والتعايش مع الإنسانية، وبراءة الأطفال مع أضواء الفوانيس.

إنه رمز للهوية المصرية التي ترفض الانقسام، وتؤمن بأن التنوع نعمة، وأن الفرح المشترك هو أقوى لغة للقلوب.

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة متر مربع ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من متر مربع ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا