غطرسة سياسية!
نبيل عمر
نحن أمام حالة غير مسبوقة فى تاريخ العلاقات الدولية ما بعد الحرب العالمية الثانية، نوع من الغطرسة السياسية، تضرب شمالا وجنوبا، شرقا وغربا، يبدو فيها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب كما لو أنه رئيس الكرة الأرضية: دولا وبشرا واقتصادا ونظام تجارة، وليس رئيس دولة حتى لو كانت قوة عظمى، فراح، قبل أن يجلس خلف مكتبه فى البيت الأبيض، يطلق تهديداته إلى كندا والمكسيك وبنما والدنمارك وروسيا والصين وبعض حلفائه الأوروبيين.
لم يحدث فى تاريخ أمريكا، أن جنح رئيسها إلى هذا القدر من التهديدات المفتوحة، حتى فى توتر علاقاتها مع دول أخرى.
بالطبع قد لا يعنينا ما يفعله ترامب فى أمريكا، كأن يعفو عن مجرمين مدانين اقتحموا الكونجرس فى يناير 2021، أو يطرد قضاة أو رجال نيابة كانوا يحققون فى تهم منسوبة إليه فى السنوات الأربع الأخيرة، أو يبنى سورا على حدوده مع المكسيك، أو يعدل اسم الخليج بينهما إلى خليج أمريكا، أو يجمع 30 ألف مهاجر غير شرعى فى معسكرات جوانتانامو، أو يتعاقد مع دول ليُرَحل إليها مجرمين مسجلين خطر محكوما عليهم بالسجن..صحيح هى قرارات تشى بخلل سياسى.
لكننا قطعا مهتمون غاية الاهتمام بما يخص منطقتنا، ونحتار فى تفسير تصريحاته عن ترحيل أهل غزة من أرضهم قسريا إلى دول الجوار، ولا نعرف بأى منطق يمنح نفسه حق تقرير مصير شعب آخر، ويتفاوض مع جيرانه لقبولهم هذا التهجير باسم «البحث عن السلام»، أى نوع من السلام؟،
الفلسطينيون ليسوا هنودا حمر ولن يكونوا، ومصر لن تنفذ ما يريده وتشارك فى تصفية قضية عاشت 77 عاما تدافع عنها، وتنادى بالعدل الضائع من أهلها، واغتصبته إسرائيل بدعم كامل من «الغرب المتحضر ذى المبادئ الإنسانية الرفيعة!»، وعلى رأسه الولايات المتحدة التى تصدع رءوسنا بحقوق الإنسان وقيم الآباء المؤسسين، بينما تمد المغتصبين بكل أنواع الأسلحة الفتاكة والتعاون اللوجستي، لقتل هذا الشعب وتدمر حياته،( منتهى اللإنسانية)!
المدهش أن الإدارة الأمريكية، بعد إعلان مصر والأردن رفضهما القاطع لعملية التهجير القسري، تسألهما إيجاد «بديل» كما لو أن طرد الفلسطينيين من وطنهم مسئولية مصرية أردنية، وليست قضية احتلال وحرب إبادة وجرائم ضد الإنسانية تحت رعاية أمريكا ماديا وسياسيا!
هذه غطرسة سياسية، يصفها الكاتب الفنلندى «آرين تورنين» فى كتابه الرائع «تاريخ الغطرسة»: ما من شيء أخطر على الإنسان من أن يقع فى براثن الغطرسة، فى لحظة النجاح، عندئذ يعتبر نفسه فى مصاف الآلهة.إذا راجعنا منهج ترامب فى سياساته الخارجية، نجده يتصرف كما لو أنه جالس مع آلهة جبل الأوليمب، كما فى الأساطير اليونانية، يحدد مصائر شعوب وجزر وقنوات مائية..إلخ.
يقول تورنين: إن الشخص المصاب بالغطرسة أو العجرفة، يعتقد أنه قادر على كل شىء، فالثقة المبالغ فيه بالنفس تستدرج الإنسان إلى تفسيرات خاطئة لبيئته، وأيضا إلى تقديرات خاطئة، ويستحق هذا الشخص أن يلتقى بـ «نمسيس إلهة الانتقام»! ثم يضرب مثالا للغطرسة فى تصرفات نابليون بونابرت الذى أعلن فى عام 1811: بعد ثلاثة أعوام سأصير سيد الكون، فهزمه الإنجليز فى 1815، ونفوه إلى جزيرة سانت هيلانة بالمحيط الأطلنطي، ومات فيها مريضا بعد ست سنوات!
وقال تورنين: إن نشوة الانتصار تعد عملية كيميائية تنشطها مشاعر إثارة وتشويق دراماتيكية، بمعنى أن تغييرا كيميائيا يحدث فى الأدمغة، تصحبه نبضات فى جميع أنحاء الجهاز العصبى محدثة تلك النشوة، وهو ما حدث لليابانيين، على سبيل المثال، بعد أن انتصروا على الصين فى عام 1937، ثم انتصروا فى معركة تلو الأخرى على الحلفاء فى منطقة المحيط الهادى وفى جنوب شرق آسيا، فبلغ بهم الغرور إلى شن هجوم على الأسطول الأمريكى فى ميناء بيرل هاربر، والذى لم يكن طرفا فى الحرب، فانتهى الأمر بقنبلتين ذريتين أمريكيتين على هيروشيما وناجازاكي.
من يصدق ان غطرسة جورج كليمنصو رئيس وزراء فرنسا (1917- 1920)، كانت سببا رئيسيا من أسباب الحرب العالمية الثانية بعد عشرين سنة؟، فبعد هزيمة ألمانيا فى الحرب العالمية الأولى حرص كليمنصو على الانتقام منها وإذلالها ماديا وإقليميا ونفسيا، مغازلا مشاعر الشعب الفرنسى وهتافاتهم، فأخذ منطقتى الألزاس واللورين ذى الثروات الطبيعية الهائلة من ألمانيا، مقابل ضمان تسديد تعويضات لفرنسا، قد بلغت 226 مليار مارك ذهبى فى عام 1921، خُفضت إلى 132 مليارا، لم تستطع ألمانيا سوى سداد 53 مليارا حتى 1932، وكان يتوقع أن يكتمل السداد على عام 1988، وهو ما كان أرضا خصبة لظهور النازية الغاضبة واندلاع الحرب العالمية الثانية.
يقول الكاتب روبرت إى كابلان إن الحكام الذين تعتريهم نشوة السلطة لديهم نقط عمياء، أى طموح جامح وأهداف لا يمكن الوصول إليها. عموما الغطرسة لها خلفية تاريخية عميقة، غالبًا ما تنشأ فى سياق الإمبراطوريات القوية والحضارات المؤثرة المؤمنة بتفوقها وحتمية الهيمنة، مثل اليونان وروما وبلاد فارس، ويعكس هذا الموقف ظاهرة ثقافية أوسع حيث تؤدى الثقة فى التقدم أو الشعور بالاستحقاق إلى الغطرسة فى مختلف مجالات الحياة، وغالبًا ما ترتبط هذه العقلية بقلق متزايد على المستقبل، وهو ما يعنى وجود علاقة معقدة بين تصور المتغطرس عن تفوقه وانعدام إحساسه بالأمن.
وهنا سألت «مونيكا» برنامج الذكاء الاصطناعى عن توقعاتها، فقالت: اتخاذ قرارات أحادية قد يؤدى إلى ردود فعل سلبية، وقد تتخذ الدول الأخرى مواقف ضد الولايات المتحدة، مما يقوض نفوذها!
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة متر مربع ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من متر مربع ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.