شارل فؤاد المصري يكتب عن
: تعاطي سائقي النقل للمخدرات ..المسارات والحلول
تُشكل ظاهرة تعاطي سائقي النقل للمخدرات في مصر خطرًا جسيمًا على السلامة العامة، حيث يُهدد هؤلاء السائقون، وهم خلف عجلة قيادة مركبات ضخمة، حياة الملايين يوميًا. وليس آخرهم مصرع اللواء طلعت العناني مستشار محافظ جنوب سيناء لمشروع التجلي الأعظم، واللواء عماد عبد الرحمن عنان، مستشار المحافظة للمتابعة .
رغم إصدار قانون جديد لتشديد العقوبات، تظل الحوادث الناجمة عن القيادة تحت تأثير المخدرات تُسجل أرقامًا مقلقة، مما يدفع إلى طرح تساؤل عن أسباب فشل القانون في الردع، ويدعونا إلى اقتراح حلول مبتكرة وشاملة للحد من هذه الظاهرة.
هناك تقارير صحفية غير رسمية تشير إلى أن نسبة كبيرة من حوادث الطرق في مصر مرتبطة بتعاطي السائقين للمواد المخدرة مثل الترامادول والحشيش والأفيون، التي تُضعف التركيز وتُطيل زمن رد الفعل. الخسائر لا تقتصر على فقدان الأرواح، بل تتعدى ذلك لتشمل عواقب اقتصادية مريعة .
أما كيف تؤثر على الاقتصاد الوطني، فتكون عبر تكاليف العلاج، وتعطيل سلاسل الإمداد، وتراجع السياحة. كما أن وصمة العار الاجتماعية المرتبطة بالإدمان تدفع العديد من السائقين إلى التكتم، مما يُعقّد جهود المكافحة .
صدر القانون الجديد تحت رقم 73 لسنة 2021 بتشديد عقوبات تعاطي المخدرات، حيث فرض غرامات تصل إلى 100 ألف جنيه وحبسًا قد يمتد لسنوات. لكن الواقع المرير يكشف ثغراتٍ متعددة فيه يجب الانتباه إليها وسدها، وأولها ضعف الرقابة وندرة الحملات الميدانية المكثفة، خاصة خارج المدن الكبرى، مع نقص أجهزة الكشف الحديثة. وفي الواقع يتم تحليل المخدرات للسائق بعد الحادث، وعادة ما يكون من المتعاطين .
وأذكر أنني شاهدت في كل الدول التي سافرت إليها عبر العالم أنه يتم إيقافك لإجراء اختبار سريع لتعاطي الكحول والمخدرات عبر تقنيات وأجهزة متطورة محمولة في الأيدي، وأعتقد أن مصر دولة كبيرة تستطيع أن تفعل ذلك .
أيضًا، هناك الفساد الإداري الذي لا تألو الدولة جهدا في مكافحته يوميا حيث يتلاعب بعض السائقين أثناء استخراج التراخيص بسبب المنظومة الروتينية الطويلة والمعقدة بتقارير الفحص، وكلنا يعرف ما هو المقابل.
هناك أيضًا أسباب اجتماعية تم إهمالها مثل الفقر، الذي تبذل فيه الدولة جهدًا ملموسًا ومحمودة من خلال برامج اجتماعية مكثفة، أهمها برنامج “حياة كريمة” و”تكافل وكرامة”. كذلك، ساعات العمل الطويلة تدفع السائقين لاستخدام المنشطات، والذي ربما سيتم القضاء عليه مع قانون العمل الجديد الذي سيصدر قريبًا وبه بنود غاية في العدالة إذا تم ضمان تنفيذها .
لمواجهة هذه الأزمة، لا بد من خطة متكاملة ترتكز على تعزيز نشر نقاط تفتيش عشوائية مزودة بأجهزة كشف اللعاب وتدريب أفراد الشرطة على تقنيات التعرف على علامات التعاطي، وإنشاء وحدة تحقيق مستقلة للإبلاغ عن حالات التلاعب في الفحوصات، وتطبيق عقوبات رادعة على الموظفين المخالفين .
كذلك، ينبغي القيام بحملات مكثفة لتوعية الجمهور بمخاطر التعاطي بكل الوسائل، تحت إشراف وزارة الصحة من خلال برامج تثقيفية للسائقين حول مخاطر المخدرات، مع التعاون مع النقابات المهنية .
استخدام الإعلام لتغيير الصورة النمطية حول “المخدرات كمنشطات عمل”، وربط تجديد رخص القيادة بفحوصات مخدرات إجبارية ربع سنوية، وإلزام شركات النقل بإجراء فحوصات دورية لعمالها في أماكن موثوقة تحددها وزارة الصحة بالتعاون مع وزارة الداخلية، مع فرض غرامات على الشركات المتساهلة تساعد علي ضبط المنظومة بكل تفاصيلها .
هذا عن العقاب والتوعية، ولكن هناك جانب مهم هو الدعم العلاجي والمجتمعي، وأعلم أنه موجود، ولكن يجب تكثيفه بتوفير مراكز إعادة تأهيل مجانية أو مدعومة للسائقين المُدمنين، بدلًا من حبسهم، وتحسين ظروف عملهم عبر تحديد ساعات عمل قصوى .
أما الجانب المهم الآخر، فهو استخدام كاميرات المراقبة الذكية التي تُحلل سلوك السائقين مثل التشتت أو النعاس. هذه التكنولوجيا موجودة ورخيصة، وإذا تم تدعيمها بالذكاء الاصطناعي، أعتقد أننا سنبلي بلاءً حسنًا في ضبط هذا الأمر .
إن معالجة ظاهرة تعاطي سائقي النقل للمخدرات في مصر تتطلب الانتقال من النهج العقابي إلى النهج الوقائي الشامل، الذي يجمع بين الصرامة القانونية والرحمة المجتمعية. فبدون مواجهة الأسباب الجذرية كالفقر والإهمال الصحي، وبدون بناء ثقافة تقدر الحياة البشرية، ستظل القوانين الجديدة حبرًا على ورق .
دمتم في أمان الله .
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة متر مربع ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من متر مربع ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.