لطالما أثار العقل البشري تساؤلات حول مدى قدرته على تجاوز حدود الواقع الفيزيائي، لكن قليلاً من العلماء ذهبوا بعيداً في غياهب هذه التساؤلات..!
العقل، ذلك الكون الخفي، يبني عوالم تتجاوز الواقع، تتشابك فيها الأزمنة وتتلاشىالحدود، هناك في عزلة الذهن، تتخلق قوانين جديدة، وتتجسد كيانات غامضة، كأنالعقل يُعيد تشكيل الواقع بطريقته الخاصة، بلا قيود أو حدود.
هذا ما كان يردده الدكتور جون سي. ليلي، الذي كان يؤمن بأن العقل يمتلك القدرة على خلق عوالم بديلة اعلق عليها مسمى الأكوان الذهنية، وقاتل من أجل إثبات ان تلك الأكوان ليست مجرد أفكار أو خيالات عابرة، بل هي عوالم حقيقية يملكها العقل ويخوض فيها تجارب مستقلة تماماً عن الواقع الذي نعرفه، كان ليلي يرى أن استخدام العزلة الحسية عبر خزانات الطفو الحسي المعزولة عن الواقع، يمكن أن ينقل الإنسان إلى حالات من الوعي تُفتح فيها أبواب هذه العوالم، حيث ينفصل عن المدركات الحسية ويبدأ رحلته في عوالم ذات قوانين مختلفة تماماً.
المثير في أمر ليلي انه كان يدعي أن تجاربه المتكررة مكنته من عبور العزلة الحسية وتمكّن من التفاعل مع كيانات عقلية تعيش ضمن هذه العوالم، والتي تظهر عندالانفصال الكامل عن الإدراك الحسي، هذه العوالم وفقا لنظريته، تمتلك نوعاً من الاستقلالية العقلية، حيث تتجاوز كونها مجرّد تخيلات، وتصبح كيانات ذهنية حقيقية يمكن التواصل معها واستكشافها. يرى ليلي أن هذه الأكوان الذهنية ليست مجرد مخرجات للعقل اللاواعي، بل هي فضاءات حقيقية تعكس الجوانب المخفية واللا متناهية للعقل البشري.
لكن هل يمكن للعقل فعلاً أن يخلق عوالم موازية تتجاوز كونها مجرد إسقاطاتوهمية؟ يشكك بعض الباحثين في مصداقية هذه الفكرة. فعلى الرغم من قوة التجربة الذهنية، يبقى التفسير العلمي الأقرب أن هذه العوالم ما هي إلا نتاج تفاعل كيميائي معقد داخل الدماغ، خاصةً عند تحفيزه عبر العزلة أو المواد المخدرة التي استخدمهاليلي. العقل البشري، في هذه الحالة قد يكون يخدع نفسه للهرب من الواقع عبر خلق بيئة خيالية متكاملة، لكن تبقى هذه الأكوان جزءاً من إدراكه الداخلي، وليست موجودة فعلاً كعالم موازي.
ومع ذلك، تظل فكرة الأكوان الذهنية جذابة لعدد من الباحثين في مجال الوعيوالفلسفة. فتجربة هذه العوالم قد لا تهم الباحثين على مستوى إثبات الوجود الواقع يبقدر ما تسهم في فهم أعمق للوعي الإنساني. فقدرة العقل على خلق هذه الفضاءات الشاسعة قد تكون دليلاً على ثراء العالم الداخلي للفرد، ومدى قدرة العقل على بناء واقع موازٍ يلبّي رغباته ويكشف عن احتياجاته النفسية.
ختاما.. قد يكون العيش في هذه العوالم رحلة مثيرة في أبعاد الذات العميقة، رحلة تكشف للإنسان عن مناطق مخفية من وعيه وقدرته على بناء عوالم خيالية متكاملة، لكن تظل حدود العلم حالياً غير قادرة على إثبات حقيقة وجود هذه الأكوان الذهنية ككيانات مستقلة خارج نطاق الخيال.
@malarab1
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة اليوم ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة اليوم ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.