عقارات / متر مربع

مصطفي عبيد : إنعاش الأحياء أجدى من إحياء الموتى

إنعاش الأحياء أجدى من إحياء الموتى

مصطفى عبيد
 

النبأ طيب. فكل مشروع جديد هو خير محض، يُنعش القلب، ويرفع الرأس، ويُحرّض على التفاؤل فى محيط عشّشت فيه الأحزان، وسكنته الشكوى، وافترشه سوء الظن، وضعف الثقة.

 

قبل أيام نشرت الصُحف، واحتفى الإعلام، وابتهج المسؤولون بإحياء ميت توقف تمامًا عن النبض مُنذ خمسة عشر عاما، وكان قد عاش بيننا عقودا لأن أحدهم بحياته. اسم المرحوم هو النصر للسيارات.

 

ففى سنة 1960 دشّن قرار للرئيس جمال عبد الناصر حمل رقم 913 حلمه التاريخى بإنتاج سيارة مصرية، من خلال إنشاء شركة النصر للسيارات. وتزامن ذلك مع قرارات فوقية فجائية بتأميم كيانات الصناعة والتجارة الناجحة، ووأد تجربة عظيمة للقطاع الخاص فى .

 

هللّوا وقتها للمشروع، واعتبروه بديلًا للرأسماليين الجشعين الذين يجنون الأرباح دون حساب.

 

ورغم لجوء الشركة إلى تجميع متوسطة باتفاقات مع شركات أوروبية، فإنها لم تتحول إلى مؤسسة ناجحة قابلة للاستمرار، حيث أصابها مثل باقى الشركات الحكومية ترهل الإدارات، والاعتماد على الثقات قبل الكفاءات، وترحيل المشكلات، وتوظيف المعارف، فضلا عن وقائع فساد شابت تعاقدات بعض كوادر الشركة، وانتهى الأمر بصدور قرار بتصفية الشركة سنة 2009.

 

قامت الشركة فى زمن المد الاشتراكى على شعار عريض فضفاض اصطكه المهندس عزيز صدقى هو التصنيع من الإبرة إلى الصاروخ. وحول هذا الشعار حكى الدكتور عادل جزارين، رئيس اتحاد الصناعات الأسبق، فى مذكراته حكاية مهمة. فعندما كان مسؤولا بشركة النصر للسيارات بداية الستينيات سافر إلى أوروبا فى مباحثات مع الطليان بشأن صناعة السيارات. وخلال جلوسه فى بهو الفندق فوجئ برجل يصافحه ويتحدث إليه مقدمًا نفسه باعتباره الصناعة الإسرائيلى.

 

استمع عادل جزارين للرجل الذى قال له إنه قرأ تصريحات وزير الصناعة المصرى بشأن النهضة الصناعية القادمة، ثُم علّق قائلًا فى شماتة «إنه لا يتوقع خيرا». سأله «جزارين »: لمَ؟ فرد الرجل: «إن مّن يسع لتصنيع كل شىء فلا ينجح فى شىء. فهناك مجالات معينة أنسب لكل مجتمع طبقا للجغرافيا والسمات السكانية. وفى إسرائيل فقد اخترنا ثلاثة قطاعات قررنا التركيزعليها والاستثمار فيها هى صناعة الطائرات، وصناعة الإلكترونيات، وصناعة الأدوية».

 

ويبدو أن الدكتور عادل جزارين اقتنع بوجهة نظر الوزير الإسرائيلى، لذا فقد سارع عقب عودته إلى القاهرة بكتابة تقرير تفصيلى بحواره مع المسؤول الإسرائيلى وبوجهة نظره وقدمه إلى جهاز سيادى، وانتظر الرجل أى تغييرات فى التوجهات الخاصة بسياسات الصناعة، لكن شيئا لم يحدث. استمرت الحكومة تُهلل لشعارها «من الإبرة إلى الصاروخ» ثم اكتشف الناس بعد ردح من الزمن أننا لم نُصّنع لا إبرة ولا صاروخ. والسبب ببساطة يرجع إلى تنحية القطاع الخاص، وممارسة سياسة الاستبعاد والتشكيك والقهر ضد رموزه.

لف الزمان ودار. تبدلت نظريات، وتغيرت قواعد، صعدت قيم جديدة، وفرضت قوانين مستحدثة نفسها على كل شىء. تبدل العالم غير العالم، والناس غير الناس، وراجع كثيرون أفكارهم، واعتمدت دول كبرى كانت رائدة فى التخطيط المركزى والاستثمار العام على المشروعات الخاصة. أدرك النبهاء شرقا وغربا أن صاحب المال هو الأحرص على تنميته، ومالك المشروع هو أفضل مّن يعمل على نجاحه. فهِم كثيرون أن الشعارات سهلة، والأقوال المُرسلة ممكنة، لكن تحويل الأحلام إلى حقائق دائمة لا يتم إلا بعمل دؤوب. وببساطة: ولىَّ زمن القطاع العام، وتوقف عهد الاستثمار الحكومى.

 

والآن، وبعد احتفالية إحياء الميت، يبدو التساؤل منطقيًا مع كامل تقديرنا لكل إنجاز عام. ماذا لو دُشّن المشروع الجديد لإنتاج السيارات بلافتة غير اللافتة؟ ماذا لو خططنا لتصنيع سيارات جديدة فى إطار شراكات مع القطاع الخاص؟ ماذا لو فُتحت النوافذ، ومُنحت التسهيلات وشُجع أصحاب رؤوس الأموال، ودُعيت الشركات الكبرى للاستثمار مباشرة دون هياكل حكومية حاضنة؟

لماذا نُصر على إعادة عقارب الساعات إلى الوراء؟

يا سادة: إنعاش الأحياء المرضى أجدى وأيسر من إحياء الموتى.

والله أعلم.

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة متر مربع ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من متر مربع ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا