عبد الفتــــــــاح الجبـــــــالـى
«بريكس» والنظام الإقتصادى العالمى الجديد
هل تعيد مجموعة بريكس التوازن إلى النظام الإقتصادي العالمي الحالي؟ هذا هو التساؤل المطروح على الساحة عقب انتهاء القمة الـ 16 للدول الأعضاء. خاصة أنها تعد القمة الأولى بعد انضمام خمس دول جديدة للمجموعة التي تأسست عام 2006 بخمس دول فقط. كما أنها تأتى في ظل أزمات عديدة تضرب كل جنبات الإقتصاد العالمي وامتدت بآثارها لتشمل معظم أقطار العالم.الأمر الذي يطرح العديد من التساؤلات المهمة خاصة فيما يتعلق بآليات عمل النظام الإقتصادي العالمي الراهن،
خاصة أن العالم يعيش فى مرحلة غير مسبوقة من التاريخ البشرى، أى أننا فى خضم أزمة عالمية كبرى، لم تتمكن النماذج السائدة في كل العلوم من التنبؤ بها، في ظل الجغرافيا السياسية الحالية إلي جانب التحولات الهيكلية المرتبطة بها. كما أن العالم لم يعد يدور، كما كان من قبل، وفقا لقواعد وأسس محسوبة أو يمكن توقعها. بل على العكس من ذلك تماما. إذ زادت بشدة كمية الأحداث الفجائية التي تخرج عن أى توقعات ممكنة. وكلها أمور توفر أدلة على أن الإفتراضات المفرطة التبسيط بشأن ما الذي يحدث، ليست مفيدة فى تفسير التطورات الجارية فى عالمنا المعاصر.
حيث أصبحنا نعيش في عالم أكثر هشاشة ينطوي على درجة كبيرة من عدم اليقين ومستوى أعلى من التقلبات الإقتصادية، مع خطر تجزؤ الإقتصاد العالمي إلى كتل جغرافية وسياسية لكل منها معايير ونظم اقتصادية مختلفة وعملات احتياط خاصة بها، وكوارث طبيعية أكثر توترا وتدميرا.وفى خضم أزمة اقتصادية حادة تعانيها معظم البلدان وتباطؤ معدلات النمو وتفاقم ديون العالم الثالث وتزايد هشاشة المؤسسات المالية المصرفية وغير المصرفية. حيث نتجه إلى عالم أكثر فقرا وأقل أمانا نتيجة لإرتفاع مستويات عدم المساواة والإختلالات الناجمة عن التطورات التكنولوجية.. إلخ.
ما يهمنا هنا أن هذه الأحداث، قد كتبت النهاية لحقبة ما بعد الحرب الباردة وتعد بمثابة الإعلان عن إنهيار النظام الحالي، والقائم على أساس «بريتون وودز» بآلياته ومؤسساته، وبدء البحث عن نظام جديد أكثر إنسانية وأقل وحشية.
وجدير بالذكر أن النظام الإقتصادي الدولي الذي كان سائداً حتى منتصف السبعينيات من القرن الماضي، الذي اصطلح على تسميته « نظام بريتون وودز» قد اعتمد على ثلاث دعامات أساسية أولاها نظام سعر الصرف الثابت، الذي يرتكز على الدولار كقاعدة، أو كعملة أساسية، وذلك عن طريق تحديد سعر صرف كل عملة على أساس محتواها الذهبي مقارنة بمحتوى الدولار الذهبي،
وطبقا لهذه القاعدة كانت أسعار الصرف ثابتة عند قيمة معينة بالنسبة للدولار، لا يجوز تغييرها، إلا في أضيق الحدود، وبعد موافقة صندوق النقد الدولي. وثانيتها إعادة تعمير ما دمرته الحرب العالمية الثانية، خاصة لدى البلدان الأوروبية، عن طريق توفير الأموال اللازمة لها، بالشروط الملائمة، وعبر «البنك الدولي للإنشاء والتعمير».
وثالثتها: ضمان تدفق التجارة الدولية دون اللجوء إلى ممارسات تمييزية في التجارة والصرف تحاشيا للإجراءات التي كانت سائدة قبل تدشين هذا النظام، خاصة خلال الفترة «29-1932» أى فترة الكساد الكبير، التي أدت إلى اهتزاز الثقة فى التعاملات الدولية، واللجوء إلى سياسة « إفقار الجار» عبر التخفيض التنافسي للعملات الوطنية، مع ما أثارته من ردود أفعال انتقامية من جانب البلدان الأخرى الشريكة فى التجارة والأسواق، مما أدى إلى اختلال العلاقة بين النقود وقيمة السلع ،
ثم بين العملات وبعضها البعض، وأدت هذه الظروف إلى إصابة الإقتصاد العالمي بالوهن والضعف، الأمرالذي يتطلب العمل على الحيلولة دون تجدد هذه الأحداث من جديد، عبر تعزيز التجارة الدولية.
وقد سار هذا النظام سيرا حسنا قرابة عشرين عاما، وهى فترة من النمو المتواصل في الإقتصاد الدولي والتزايد السريع فى التجارة الدولية، وكانت مستويات العمالة في البلدان الأعضاء مرتفعة، ومعدلات التضخم موحدة نسبيا. ولكن كان المصدر الرئيسي للسيولة الدولية هو العجز المتتالي فى ميزان مدفوعات الولايات المتحدة، وكانت البلدان ذات الفائض فى مدفوعاتها على استعداد لتجميع الدولارات، لأن الولايات المتحدة من جانبها كانت على استعداد لتحويل حيازات الدولارات إلى ذهب، مقابل ما كان يعد قيمة ثابتة للدولار،
ولكن الظروف والتغيرات التي حدثت بعد ذلك أدت إلى فشل هذا النظام ، خاصة مع بروز عوامل وتغييرات عالمية كثيرة خلال العقود السابقة فيما يتعلق بتحركات رءوس الأموال الدولية ، علاوة على التطورات السريعة والمتلاحقة للبلدان الرأسمالية الغربية واليابان، مما أفقد الإقتصاد الامريكى قدرته التنافسية وإحتدام الصراع التنافسي بين الأطراف الرئيسية في النظام الدولي.
ومع إنهيار التجربة الإشتراكية في أوروبا الشرقية، وتفكك هذه الدول إلى عدة دويلات صغيرة، وسقوط جدار برلين والإندماج بين شطري الدولة الألمانية،وغيرها من العوامل التي برزت على الساحة، كل هذا أدى إلى تبدلات جذرية في النظام العالمي ككل، وأدت إلى تحولات مهمة في التوازن الاستراتيجي العالمي، الأمر الذي ترتب تعليه تحديات اقتصادية جديدة.
كل هذا أدى إلى انهيار النظام الإقتصادي القديم، على المحاور السالف الإشارة إليها، حيث تركت الحرية للبلدان المختلفة في تطبيق نظام الصرف الذي ترتئيه، وتم التخلي عن مبدأ التعادل الثابت للعملات، أصبحت البلاد حرة في الإرتباط بأي نظام صرف يلائمها،
وبالتالي انتهت الإلتزامات التي كانت مقررة في اتفاقيات «بريتون ووذر». ومنذ ذلك التاريخ دخل العالم فى نظام أسعار صرف معومة ولكن بطرق مختلفة. ومنذ أن دخل « اليورو» في المعاملات الدولية في الأول من يناير 1999 أصبح يلعب دورا متزايدا على الصعيد العالمي وتوسعت بعض البلدان في استخدامه بديلا عن الدولار في احتياطياتها الدولية، ولذلك تراجع إستخدام الدولار من جانب جميع البلدان وفى المقابل إرتفع استخدام اليورو كإحتياطي دولي. وقد اتسع اختلال التوازن العالمي بشكل حاد خلال السنوات القليلة الماضية وزاد من تعقيد وتشابك الأزمة المالية الدولية.
عموما ومن التحليلات الكثيرة التي قدمت خلال السنوات الأخيرة يمكن استخلاص نتيجة واحدة بكل يقين وهى ضرورة إعادة النظر كلية فى المبادئ الأساسية التي يعتمد عليها النظام المالي والنقدي الحالي.وهنا يأتي دور التحالفات الجديدة خاصة البريكس التي تمثل 45% من سكان العالم و37% من الإقتصاد العالمي.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة متر مربع ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من متر مربع ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.