عقارات / متر مربع

مصطفى عبيد يكتب: كيف نُسر في زمن الحزن!

مصطفى عبيد يكتب:
كيف نُسر في زمن الحزن!
[email protected]
من نبأٍ عاصف إلى هم نازف يتنقل الناس حولي، كأنهم بتعبير الشاعر الراحل محمد الماغوط “يستيقظون قبل الجميع مبكرا، حتى لا يسبقهم إلى العذاب أحد”.

هموم الحياة من غلاء، وضيق حال، ونقص خدمات، يصاحبها تردي عام في سلوك البشر، يحاصر الناس ويدفعهم لبلع مرارات الأيام لتمر سريعا ، فيفاجئ كل صاحب نفس بأنه على وشك التقاعد، ولسان حاله يقول أنه لم يسعد.

العالم قاس ومحبط. فمرارات طافحة في الأنباء القادمة من الخارج، وإحباطات مهلكة في أخبار الداخل، وتناقض في الصور والمواقف والآراء بشأن الشخوص والأحداث، حتى لا تستبين قاتلا من بطل، ولا خائنا من فدائي. الصور خادعة، والكذب سمة شائعة، والحدية في قراءة ما يحدث تدفع مَن يحمل بقايا روح للإنزواء والفرار.

ما التكشيرة سوى أبسط رد فعل على كل ما يحيق بنا من أوجاع. وما التأفف سوى محاولة احتجاج مكتومة على القبح المُحيط. وما الدعاء السري والعلني على القتلة المنتشرين في كل ركن سوى مقاومة الساكن الطيب الصابر المُحتسب.

أدرك كل ذلك وأدرك أن من حق الناس أن تحزن وتُحبط وتمل وتنزعج وتكتئب مما تراه وتسمعه وتعرفه في هذا العالم القاسي، وذلك الزمن شديد القسوة.

لكن ماذا بعد ؟ ماذا بعد؟
الأحزان سياج دوائر متصلة لا تنتهي بمن يُمسك بها. ندب الحظ لا يُحسنه، ولوم الظروف لا يغيرها. أعمارنا تنقضي في سرعة ونحن منشغلون بحل مشكلات أزلية لا تُحل، والتورط في مجادلات عبثية لا تُفضي إلى شئ.

أتصور أنني كتبت المقال قاصدا نفعا، وساعيا لقيمة حقيقية، وراميا لمصلحة. لذا أرى أن استهداف البهجة والسعادة والسلام الإنساني ضرورة رغم كل ملامح الحُزن المُعششة حولنا.

نحن مطالبون بالفعل المعاكس للظروف العصيبة. أن نفرح بكوننا مازلنا أحياء، قادرين على التغيير حتى لو كان بعيدا. نُسر بأن هناك أخيار مازالوا على قيد الحياة، نطيب خاطرا بشخص ما يبادلنا حُبا، نرضى بلحظة راحة بعد يوم تعب، نواجه ما هو مُحزن باستيعاب وجلد وتسليم بأن كل الأفعال والحركات والسكنات والتجارب مردها الوحيد إلى الله الخالق الذي يعلم كل شئ، ظاهر وباطن.

افتح خزانة ذاكرتي لأتذكر نصائح مارك مانسون في كتابه القيم “ اللامبالاة” ومنها قوله “عش سعيدا بما تملك لتحصل على ما تملك”. فنحن ننشغل دوما بالأحزان والمواجع، ولا ننظر في إطار ذلك إلى نعم أخرى كالصحة والحركة والتفكير.

أستعين بالقراءة على تخطي الأحزان المُقيمة. أستذكر شعر محمود درويش وهو يخبرنا بأن ” الكل زائل أو باطل أو زائلٌ.. فعش الحياة في إمرأة تُحبك” لأذكركم بالاعتصام بالحب، بكل أنواعه. كل شعور إيجابي تجاه آخر هو صك براءة من الجرائم الجارية، وفرار من كآبات المشهد.

أكتب نصائحي لنفسي ولغيري. أقول: انفع الآخرين تسعد. انصحهم برفق. قُل، طبطب، ساعد، علّم، ارشد، دل. فكل جسر يربط إنسانين هو حبل متين من السرور الخفي.

افتح طريق عمل لإنسان. كُن سببا في راحته، يسر له فرصة رزق دون مقايضات. ادعو لشخص لا تعرفه، ابتسم في وجه غريب، ولا تعاتب مبتعدا.

تخفف من أثقالك الأزلية، فهناك مشاكل عرفناها منذ المولد، فانسها الآن، أجلّها إلى وقت غير محدد، فربما تنجلي وحدها، ولا تفرط في مشهد جميل: ورقة شجر تتلوى بتأثير نسيم رقيق، بنت صغيرة مبتسمة بضفيرة تعبر الطريق نحو مدرستها، كناس يكنس الطريق بنشاط ، عصفورة طليقة تُزقزق في صباح رائق، وصوت مؤذن يأتيك وأنت في غفلة مرددا ” الله أكبر”.
السعادة ممكنة في هذا الزمن. والله أعلم.
مصطفى عبيد

 
 
 
 

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة متر مربع ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من متر مربع ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا