تخيلوا دولة تتطور بسرعة غير مسبوقة وتحول طموحاتها ورؤيتها في كل المجالات لإنجازات على أرض الواقع، بداية من اقتصاد يغير بوصلته من الاعتماد بصورة رئيسية على البترول، إلى اقتصاد قوي ومتنوع ومنافس في محيطه الجغرافي والإقليمي. هذه هي باختصار قصة المملكة العربية السعودية على مدار السنوات التسع الماضية منذ انطلاق رؤية المملكة 2030. إنّ هذه الرؤية الريادية الشاملة لم تعمل فحسب على إعادة تشكيل اقتصاد المملكة، ولكنها نجحت أيضًا في إحداث تأثير إيجابي واسع في مجتمعها، لتضع معيارًا جديدًا للنمو المستدام والتنافسي.
إنّ قطار التحول في المملكة يكمن في قدرتها على تعزيز التوطين في القطاعات الاقتصادية المختلفة. فبعد أن نجحت السعودية في دعم قطاعاتها الاقتصادية وتنمية مواهبها وكوادرها المحلية، قفزت البلاد من المرتبة 36 في الكتاب السنوي للتنافسية العالمية عام 2016 إلى المرتبة 17 العام الماضي. هذه القفزة الوثابة -بما يقارب 20 مرتبة- تبرز نجاح رؤية 2030 في خلق فرص عمل جديدة، وتحفيز النمو الاقتصادي، وضمان مرونة واستقلالية القطاع الصناعي.
وإذا نظرنا معًا للماضي، وتذكرنا كيف كانت أوضاع التوطين قبل عقدين من الزمن، سنجد أن الموظفين السعوديين كانوا يمثلون أقلية في القطاع الخاص المحلي، حيث اعتمدت العديد من الشركات بشكل كبير وقتها على استيراد السلع والخدمات، مما جعلنا نعتمد على الواردات الخارجية على نطاق واسع. هذا النموذج غير المستدام لم يعد صالحًا للتطبيق في هذا العالم الذي نعيش فيه بتطوراته السريعة وغير المسبوقة. لم يكن أحد يتخيل سرعة هذه التحولات الهائلة في بضع سنوات قليلة.
إنّ نجاح التوطين في المملكة وتحقيق رؤية 2030 لأهدافها يعتمد بشكل كبير على تعاون الدولة مع القطاع الخاص، وهو ما أكده معالي أحمد بن سليمان الراجحي، وزير الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية في المملكة، مشيرًا إلى أن توطين الوظائف في المملكة ساهم في توفير فرص عمل لنصف مليون مواطن سعودي في القطاع الخاص منذ عام 2019 وحتى الآن.
لقد استثمرت كبرى الشركات السعودية، مثل أرامكو، وسابك، والشركة السعودية للكهرباء وغيرها، في تطوير وتنمية المواهب والكوادر المحلية ونقل التكنولوجيا والخبرات والمعرفة لهم، مما ساهم في بناء قوى عاملة ماهرة وقادرة على قيادة المستقبل ومواصلة الابتكار في المملكة. ومن بين هذه المبادرات الهامة برنامج «اكتفاء» الذي أطلقته أرامكو السعودية لتعزيز كفاءة وقيمة سلاسل توريد السلع والخدمات المحلية في المملكة. لقد تمكن برنامج «اكتفاء» من المساهمة في تطوير القدرات الوطنية في مجالي التصنيع والخدمات، حيث يستهدف توطين 70% من إجمالي نفقات أرامكو على المشتريات لتتم داخل المملكة.، وقد نجح البرنامج بالفعل في الوصول لنسبة 63%، مما سيحوّل المملكة لمركز صناعي يتمتع بقدرات ذاتية مرتفعة.
وفي 2016 وهو العام الذي انطلقت فيه رؤية المملكة 2030، كنا فخورين بإطلاق أول توربين غازي يحمل علامة «صنع في السعودية» من مركز سيمنس للطاقة في الدمام. هذا الإنجاز شكّل بداية حقيقية لمسيرة النمو والتزامنا الراسخ بدعم طموحات المملكة لتصبح مركزًا صناعيًا عالميًا.
وخلال السنوات الماضية توسعت جهودنا وجهود شركات أخرى في عملية التوطين في المملكة، لنقل المعرفة والخبرات، وبناء قوى عاملة محلية قوية، وقاعدة تصنيع في مجال الطاقة. لم تعزز هذه الجهود الجماعية القدرات التشغيلية فحسب، بل رسخت أيضًا مكانة المملكة كمركز للتقنيات المتقدمة في مجال الطاقة. لذلك، تمكن عملاء الشركات الخاصة العاملة في المملكة من التخلص من الحاجة إلى فرق الصيانة الخارجية، وتوفير الوقت والمال.
إنّ نقل التكنولوجيا والمعرفة كان ولا يزال عنصرًا رئيسيًا لنجاح جهود التوطين في المملكة. ولذلك ركزت سيمنس للطاقة مؤخرًا على التصنيع المحلي لتوربينات سيمنس الغازية من طراز H-Class والتي تتميز بمعدلات كفاءة أعلى وانبعاثات كربونية أقل في توليد الطاقة. هذه التوربينات الغازية المتطورة سيتم تصنيعها بأيادٍ سعودية لعملائنا في المملكة والدول المحيطة.
في الوقت نفسه عززنا تواجدنا المحلي ليشمل تصنيع المفاتيح الكهربائية المعزولة بالغاز في مركز سيمنس للطاقة بالدمام، وهو ما سيساهم في رفع الكفاءة التشغيلية لعملائنا، ويحقق لهم وفورات مالية كبيرة.
ومع ذلك، لا يجب أن تكتفي شركات القطاع الخاص بالتركيز فقط على نموها في السوق السعودي، بل لا بد لهذه الشركات من رد الجميل للمجتمعات المحلية التي تعمل فيها، عن طريق التدريب ومشاركة المعرفة التكنولوجية، والمساعدة في خطط تطوير ونمو الموردين المحليين، خاصة الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تلعب دورًا أساسيًا في دعم سلاسل التوريد المحلية لأنها تتمتع بالمرونة والقدرة على الابتكار وتقديم الخدمات المتخصصة لرفع معدلات الكفاءة والمرونة لسلاسل التوريد، بما يضمن ازدهار الصناعات المحلية وزيادة قدرتها على التكيف مع احتياجات السوق المتغيرة.
ومن الأمثلة الواضحة لتعاون سيمنس للطاقة مع الشركات المحلية قيامنا بالتوقيع على اتفاقية شراء رئيسية مع شركة طويق لصب وطرق المعادن، بهدف تأهيل الشركة لكي تصبح شركة متخصصة في توريد وتصدير المكونات الأساسية للتوربينات الغازية والبخارية والمولدات وضواغط الهواء. وتساهم هذه الشراكات في رفع معايير التصنيع المحلي وتطبيق أرقى المعايير الدولية في القطاع الصناعي وتدعيم القدرات الصناعية للمملكة.
إنّ مبادرات وبرامج التوطين تفتح آفاقًا واسعة أمام الموردين المحليين والشباب السعودي الطموح، وتساعدهم في رسم ملامح مستقبلهم وخططهم للنمو، والمشاركة بصورة جادة في مسيرة تحول هذا الوطن. وسيتمكن الشباب السعودي من بناء مستقبل مهني متميز وتأمين حياة أفضل لأبنائه، من خلال اكتساب المهارات والمعرفة اللازمة. فالمهندسون والفنيون المتخصصون الذين يتم تأهيلهم وصقل قدراتهم اليوم سيكونون قادة الغد والركيزة الأساسية لاستمرار نجاح وازدهار وطننا الغالي.
ويجب الإشارة هنا إلى أن فوائد هذه المبادرات والجهود لن تقتصر فقط على تطوير قطاع الطاقة في المملكة، ولكنها ستساهم في بناء مستقبل أفضل للشعب السعودي، بفضل الاستثمارات المتواصلة للقطاع الخاص في تنمية الكوادر والمواهب السعودية. هذه الرحلة الطويلة تتطلب تعاونًا وثيقًا بين الحكومة والقطاع الخاص والعملاء والمؤسسات التعليمية وكافة الأطراف المعنية، بالإضافة لإصرار وتفاني الشباب الموهوب في وطننا لتحقيق أحلامه.
معًا، نبني مستقبلًا تتحول فيه المملكة لقوة استثمارية واقتصادية عظمى، يدعمها في ذلك اقتصاد متنوع وقوي وشامل.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عكاظ ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عكاظ ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.