عرب وعالم / السعودية / عكاظ

الابتكارات ومعضلة الهيكل التنظيمي

لأسباب كثيرة ومتنوعة، استوقفني مطولاً ما نشرته الصحف المحلية ووكالة الأنباء عن أن أكثر من 400 مبتكر يمثلون 90 فريقاً من المبتكرين يخوضون سباقاً حامياً في رحلة البحث عن إيجاد حلول تعزز إنتاجية القطاع العام والقطاع الخاص وابتكار حلول تقنية متقدمة تسهم في رفع مستوى الكفاءة في القطاعين الحكومي والأهلي في المملكة وذلك تحقيقاً للتكامل بين هذين القطاعين من خلال استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحسين الكفاءة وتسريع وتيرة الإنجاز في القطاعين.

هذه الإنجازات ليست عادية، ولا يجوز أن تتم قراءتها بمعزل عن المباشرة وغير المباشرة التي أفرزتها وحضنتها وجعلتها تزاحم أخباراً أقل من عادية تعوّد الناس على مشاهدتها في النشرات. هذه المسابقة هي أحد المؤشرات على حجم ونوع التفاعلات الإيجابية التي تشهدها مجتمعاتنا المحلية بشكل شبه دائم ومستمر انسجاماً وتناغماً من التغيير.

أولاً: لقد نجحت فكرة هذا السباق بالربط المباشر بين من يحتاج الابتكار مع من يملك القدرة على الابتكار، حيث ولى زمن العمل في جزر معزولة بين كل طرف من الطرفين. فالربط بين المشكلات الملحّة مجتمعياً ومن هم قادرون على تقديم الحلول لم يعد شأناً يخص مؤسسة بعينها. هذه ثقافة تنسف التفكير النمطي الذي يترك كل مؤسسة تحل مشكلاتها بنفسها وبإمكاناتها البشرية والمالية المحدودة، فلا مجال للأخطاء المكررة.

ثانياً: هذه السباق يكشف البعد المؤسساتي في تحديد الأزمات المهمة، كما يكشف البعد المؤسساتي في تقديم الحلول. فهذا السباق يشرف عليه عدد من المؤسسات الحكومية هي: هيئة الحكومة الرقمية، وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات، ووزارة الاقتصاد والتخطيط، وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا)، ، هيئة كفاءة الإنفاق والمشروعات الحكومية، هيئة الإذاعة والتلفزيون، المركز الوطني لنظم الموارد الحكومية، البرنامج الوطني لتنمية تقنية المعلومات. فهذا لم يعد شأن وزارة بعينها. وهذا يعني أن الابتكار لم يعد شأناً فردياً، والأزمات لم تعد أزمات تعني مؤسسات بعينها، وكما يعني أن الحلول يمكن أن يستفيد منها كافة المؤسسات في القطاعين العام والخاص، مثلما أن الحلول تخدم المستفيدين والمجتمع ككل.

ثالثاً: هذه المسابقة تؤكد حجم التقارب المتنامي والمتسارع بين القطاع الحكومي العام والتجاري الخاص وردم الهوة بينهما باعتبارهما ركيزتين وطنيتين، وهي ظاهرة صحية، حيث يستهدف هاكثون إنجاز القطاعين العام والخاص. هذا التنامي والتناغم والانسجام بين القطاعين يؤكد أهمية دور القطاعين في مسيرة التنمية والنهضة الشاملة التي تعيشها المملكة بمختلف القطاعات.

رابعاً: هذا السباق يعني أن لا أحد خارج الشراكة، فالمبتكرون والمخترعون والمكتشفون أصبحوا ضمن دائرة الشراكة المجتمعية، فهم مدعوون لتقديم حلول لمشكلات قائمة وملحّة بدلاً من هدر طاقاتهم خارج دائرة الأولويات وبعيداً عن القضايا الكبرى سواء في هذا الموضوع أو خلافه.

من المهم هنا وفي هذا السياق أن أستحضر معضلة تعاني منها الكثير من المؤسسات متمثلة بالهيكل التنظيمي وعلاقته بالمنصات الرقمية والابتكار ككل داخل المؤسسة. الهيكل التنظيمي في أي مؤسسة إما أن يكون محفزاً للإبداع والابتكار أو أن يكون عائقاً أمام تحقيق الإبداع والابتكارات إلا ما ندر. فالهيكل التنظيمي المرن يعزز من قدرة الموظفين على تقديم أفكار جديدة وتنفيذها، كما أن العالي والمستمر بين الإدارات يزيد كفاءة تبني الابتكارات، التسلسل الهرمي الصارم يقتل الابتكار ويتسم بالجمود ومقاومة التغيير، عكس الهيكل الأفقي المسطح، كما أن التوازن بين المركزية واللامركزية مطلب ملح للمواءمة بين سرعة اتخاذ القرارات وخلق بيئة تقبل الابتكارات وتحفظ حقوق أصحابها، مع مراعاة التضارب الذي عادة ما ينشأ بين المصالح للتركيز على الابتكارات وهو ما يتطلب إدارة ذكية للصراعات.

أظن أن التقنية ومعطيات الرقمنة والابتكارات لا بد أن تفرض على خبراء التنظيم إعادة تصميم الهيكل التنظيمي وتحويلها من هرمية إلى أفقية، والركون ربما لفريق عمل متعدد الخلفيات والتخصصات، وتعزيز اتخاذ القرارات لدى الموظفين من أسفل، بالإضافة إلى التدريب المستمر والتأهيل لتعزيز ثقافة الابتكار.

أخيراً، الابتكار والإبداع يحتاجان إلى بيئة وهياكل تنظيمية مرنة، وأقترح أن يتم اتخاذ خطوة بهذا الاتجاه، بالتزامن مع سباق هاكثون إنجاز، بحيث تكون البيئة في كل مؤسسة صالحة وحاضنة للابتكارات وليست طاردة لها.


ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عكاظ ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عكاظ ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا