هذه الفكرة ليست عربية بالضرورة، فقد انتهجتها الإمبراطوريات والأمم على مدى التاريخ، ولكنها تأخذ شكلها العربي الفج بسبب محاولات التغول المفرطة، وبسبب عقدة التفوق الثقافي والتاريخي التي هيمنت على الكثير وحاولت فرضها على شعوب عربية أخرى، وكان أكثر محاولات الهيمنة انكشافاً ما فعله النظام السوري في لبنان.
لكن الفكرة كانت قد بدأت مبكراً جدّاً مع ظهور الدولة العربية المركزية، وانتشار المد القومجي العربي في أواسط الخمسينات الميلادية وتشكله داخل أحزاب شديدة التطرف «البعث مثالاً» حاولت الهيمنة على الوجدان العربي في الشارع من ناحية وعلى قرار الحكومات العربية من ناحية أخرى، بل وصل الأمر إلى التدخل العسكري أحياناً ودعم التغيير بالقوة عن طريق الانقلابات في (العراق، ليبيا، سوريا، السودان.. إلخ) أو الغزو المباشر كغزو العراق للكويت، وهيمنة سوريا على لبنان، لتنتقل تلك الفكرة إلى دول التخوم التي تحاول عن طريق أحزاب أخرى السيطرة على الدولة العربية.
الخطاب الشعبوي أفلح بلا شك في معظم الشارع العربي؛ لأنه كان خطاباً رومانسياً، يخاطب أحلاماً غير واقعية، أو يمنّي الشارع باقتسام الثروات غير المستحقة، أو يعيدهم إلى أزمنة سحيقة ولّت وولّى نظامها ولم تعد صالحة لهذا الزمن، خطاباً يقدم أحلاماً غير واقعية، ويحقق لجماهيره انتصارات وهمية، وعندما يهزم أو يفشل يخلق أعداء غير منخرطين في نزواته محمّلاً إياهم كل إخفاقاته ونكساته.
لقد بذرت تلك الأفكار ما يمكن أن نسميه بذور الشر في العالم العربي، فقد توهمت ما تسمى بأنظمة البعث والقومية أنها المفوضة بمصير الإنسان العربي وقضاياه ومن أهمها القضية الفلسطينية، لتتفرع وتنحدر بعدها كل المآسي العربية.
فباسم القضية الفلسطينية هيمنت سوريا على لبنان في شكل احتلال غير مباشر، وباسم فلسطين غزا صدام الكويت، وباسم فلسطين قامت الحرب الأهلية في الأردن، وعلى أكتاف البندقية الفلسطينية اندلعت الحرب الأهلية في لبنان، وتحت اسم فلسطين أقيمت مذابح صبرا وشاتيلا والقصير والقلمون وحماة وحلب، وما زالت الحروب مستمرة.
لم تتفرغ تلك الأيديولوجيات القومية والبعثية لبناء بلدانها، بل كانت تبني أجهزتها الأمنية البليدة، وسجونها المتوحشة، واستخدمت كل ذريعة للبقاء، وبسبب تغولها وتوحشها، غادرت أفكار الأحزاب والأيديولوجيات المتطرفة العربية من الباب، وعادت أفكار وأيديولوجيات اللاعبين الإقليميين من النافذة.
سقوط نظام متغول في قضايا محيطه -حزب البعث السوري- لا يمكن أن تكون تداعياته بهذه السهولة، فقد فرض النظام السوري السابق هيمنته على القضية الفلسطينية فترة طويلة، وفرض رؤيته للحل وفرض خياراته على القيادة الفلسطينية السابقة (ياسر عرفات)، فضلاً عن الشأن اللبناني الذي تحوّل إلى إقطاعية تابعة لجهاز الأمن في النظام السابق، وعليه من المهم التحوط لعقد كامل من الاضطراب حتى تستقر المنطقة.
اليوم تعثر كل شيء، ولم يعد بالإمكان فك عقدة الحبال المتشابكة، والمصالح المتداخلة، ولا يمكن التوصل لنظرية سياسية حاكمة، وفكرة الانحياز التام والتوافق التام ولّت، ويحل مكانها بالتدريج، التوافق الجزئي على بعض الملفات، والاختلاف في غيرها.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عكاظ ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عكاظ ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.