عرب وعالم / السعودية / السعودي اليوم

السفير هادي التونسي يكتب.. الحياة

  • 1/2
  • 2/2


السبت 07 سبتمبر 2024 | 05:34 مساءً

السفير هادي التونسي يكتب.. الحياة

تريد ان تكون سعيدا، لكن لا ضمان، فالحياة مغامرة موقوتة، و لا تعلم نفس ما تكسب غدا ، و لا بأي أرض تموت.

تريد أن تكون ناجحا، لكن قبل النجاح هناك جهد و صبر و ربما ألم ، و حتي لو وصلت اليه، فربما جاء متأخرا بعد تعلق، و قد لا يفضي الي النتيجة التي طالما حلمت بها، تريد ان تكون ثريا، لكن لا طريق مضمونا، فان كان تفوقا دراسيا فكم من النابغين مازالوا في طي النسيان ، يقاسون شظف العيش ومرارة الظلم والاحباط، وان كان الطريق انحرافا فقد تتعرض لمغبة عقاب القانون وقلة الشعور بالأمان.

تريد ان تكون بصحة جيدة، فحتي لو أنعمت عليك الدنيا بصفات وراثية و بيئة معيشية صحية فكم من فقدوا أرواحهم في اوبئة و حوادث! تريد المجد و الشهرة و السلطة ! فما ادراك ما الثمن من صراعات ومخاطر وتوتر، تعيشه حتي تصل ، وحتي تحتفظ بها ان استطعت. تريد ان تنعم بالصحة و المال و النجاح و المجد و السلطة و الشهرة معا، فحتي لو كنت متفردا و محظوظا فمن اين لك ان تعرف ما تدبره لك تقلبات الحياة و ضربات القدر !

ان عشت راغبا مصرا مجدا مراهنا علي دنياك ،لا تري بديلا للهدف، فالتعلق مذلة بلا ضمان، و ان عشت منتظرا بقلق للمستقبل فانت لم تتمتع بحاضرك، وان عشت متيقنا ببلوغك الهدف فانت تخاطر بالابتعاد عن الواقع و بالوقوع في شرك الاحباط و المرض ، ان لم تنجح، و ان عشت يائسا لاهيا ،فقد أضعت حياتك بلا جدوي ،و اصبحت حياتك بلا هدف إلا المتع المؤقتة، و بعضها مؤذي للنفس و الغير، فما الحل!

يمكنك ان تفكر و تخطط، أن تجتهد و تسعي لأهدافك، و تبدلها، او تغير أسلوبك و جهدك، ان واجهتك عقبات، لكن دون ان تفرض شروطا علي حياة لست خالقها، و لا تتحكم في أقدارها و مخاطرها، و ذلك بان تحترم القدر و النصيب، و انك مهما حاولت قد لا تدرك ما يخبئه القدر، و لا ما ينتظرك في كل اختيار، اخذت به او تجنبته، فالحياة تحتاج قدرا من التسليم و قدرا من الايمان الشاكر بالعناية الإلهية ، تحميك من المصائب، و تتطلب قدرا من العزيمة ؛ ان تحول المشكلة الي فرصة للتطور بالآلم البناء تعلما و انجازا، فرب الخير لا يأتي إلا بالخير، والايمان دافع للإنجاز، والعرفان يجلب المزيد من الخير.

لكن ذلك الانغماس وربما التمحور حول الذات و الصراع بين ما تريده وما يعتمل داخلك قد يبدد في توترات و إحباطات ، تقوض الصحة الجسمانية و النفسية، وتؤثر علي العادات وعلي العلاقات الإنسانية، حتي لو كنت مجتهدا و شاكرا، و مؤمنا بالعناية الإلهية و القدر، فكيف تجعل حياتك الدنيا ممتعة رغم مخاطرها و آلامها !

لو تأملت تلك الاختيارات لوجدت ان منبع آلامها انك راهنت بكل شئ عليها، دخلت معركة بلا ضمان، و كرست حياتك لها، فنسيت ان تعيش، اخذت الدنيا علي قلبك ، فثقل عليه حملها، لانك عشت داخل اهدافك و رغباتك و توتراتك و آلامك ، فماذا لو بذلت المستطاع ،و خرجت من قوقعة الذات، بان تعيش خارجها، تعيش صافيا راضيا مطمئنا من خلال الاخرين، حتي من خلال الكائنات، من خلال حكمة الحياة برفاهة الحس و عمق الإدراك ، يزيدك الفرح فرحا، و يزيدك مقاسمة الالم حكمة و إنسانية ، ان فعلت ذلك فإنك لم تحرق سفنك رهانا علي فوز غير مضمون في معركة الحياة، و ان فعلت ذلك لنمت داخلك مشاعر السماحة و السلام، و معاني المحبة و الاحتواء، و احاسيس الاحترام و الإحسان . و لأدي ذلك لحياة اكثر سعادة و عطاء، و اعمق زهدا و صفاء.

ان فعلت ذلك لعاش الآخرون داخلك،حتي و انت وحدك، و لاحترمت خياراتهم ومدي نضجهم و رسالتهم في هذه الحياة دون ان تنتظر مقابلا، و بمراعاة ان ما انت فيه ليس فقط نتاج جهدك و قدراتك ، بل ايضا نتاج ظروف المعيشة و فرص الحياة، و ربما لو كنت مكانهم بقدراتهم و نشأتهم و ظروفهم لفعلت مثلهم. ان فعلت ذلك لما اصبح في قلبك مكانا للكراهية، فدنيا الله حافلة بالخير و الشر، و لولا دفع الناس بعضهم لبعض لفسدت الارض، فالتحدي بخيره و شره حافز للتطور و العمل، للتعلم و الانتاج. و كلنا من خلق الله.

العيش خارج الذآت ان استطعت متعة الحياة و فنها، بل قل بداية حياة كما ينبغي، و العيش خارج الذات يثري الحياة، و ينضج النفس، و يجلب اليها العلاقات الصادقة المحبة و القدرة علي الانتاج المبدع، و العيش خارج الذات يحل التناقض بين الاهداف و السعادة، فان كان الهدف لا يحقق السعادة بالضرورة، فالسعادة ليست الهدف، بل هي الطريق، طريق نسلكه بمحبة و شغف، محبة كدافع و أسلوب و كهدف يزيد منها، و يجعل رحلة الحياة الموقوتة نزهة للروح، و بلسما لحياة الآخرين. لكن العيش خارج الذات يقتضي ارادة متجددة ان تعرف ادارة طاقتك، و تحسن توجيه انتباهك الانفعالي، ان تكون الطرف الفاعل في الحياة و ليس مفعولا به ، الطرف الفاعل الذي يختار ما يفكر فيه، و يشعر به دوما بايجابية ،دونما اهتمام بسلبيات و توترات تختلس الطاقة فتقوض حسن العمل و التعامل ، و تضعف القدرة علي التعلم و التوافق النفسي، العيش خارج الذات هو السهل الممتنع، و هو الهدف الصعب، لكنه يستحق، و ما لا يؤخذ كله لا يترك كله، فان اردت ان تعيش بفن الحياة، فلا بديل لاستمرار المحاولة، و استمرار التعلم، و استمرار الأمل.

د. هادي التونسي

طبيب و سفير سابق 

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة السعودي اليوم ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من السعودي اليوم ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا