قبل أن تطل أول صورة على عين المشاهد، يكون الفيلم قد بدأ رحلته في أروقة الخيال، حاملاً معه أحلاماً وآمالاً أو مخاوف تتجاوز حدود الإطار، لكن هل يمكنك أن تتجاهلها جانبًا بعد انبثاق ضوء العالم الجديد على الشاشة؟ طريق التوقعات يَطبع ولا يُخير، انتبه، قد يكون كالسهم المرتد على القوس أحيانًا لأنه يحرف رؤيتنا للمادة الخام من أمامنا، فأفضل ما نبنيها عليه أن نمدّها بأدوات متينة تُدلل على جودة العمل من عدمه.
إذ قبل أن تنطلق رحلة الشاشة ويستيقظ المشاهد من غفوته السينمائية، هناك أدوات ترصد الأحكام والتوقعات والتحليلات. إذ يعد تاريخ فنانيها أمرًا جليًا؛ ففي الأثر الذي تركه والد هذا الفيلم ريدلي سكوت بعد فيلم (نابليون، 2023) ودراميته المشوهة، لما لم يعطَ حقه رغم ضخامة إنتاجه يقلل من علُّو سقف التوقعات، بل يخيف من أن يَحِط هذا العمل الموعود من عظمة الأول، بل من المفزع أن يترك خلفه بصمة سلبية لقدرات ريدلي، بأنه لم يعد أبًا صالحًا لمنتوجاته مع تقدم سنه، وهذا يحصل مثلما كان الأمر مع الأستاذ فرانسيس فورد كوبولا مخرج (ثلاثية العرّاب) وفيلمه الجديد (ميغالوبوليس، 2023).
وبالتالي، الإعلان التشويقي أو النافذة التي نطل منها على عالم الفيلم؛ هي فن بحد ذاتها، والتي نجح فيها فريق الفيلم بحد حدودها، وبأي مدى يستطيع المشاهد أن يرى. تضمنت فيها لمحة سريعة عن القصة وتعريف سطحي عن عمق الشخصيات والأجواء السائدة في الفيلم. وبهذه النافذة لم نستطع التسلل إليه، بل دخلناه مع أبوابه، كما يفترض.
إن خبر إنجاز ريدلي سكوت لفيلم (جلاديتور٢، 2024) في غضون 51 أمر قياسي يستحق التحية والتقدير، لكن كما كان عظيمًا كان مقلقًا ومزعزعًا لانطباعات الفيلم الأولية، فهل يمكن أن يهوي به من تحويل قطعة فنية راقية إلى مجرد لوحة مرسومة بخطى متسارعة في أقل من شهرين؟ فبدون التفاصيل البصرية المذهلة واللقطات المقرَّبة التي اشتهر بها سكوت، لن يكون فيلم سكوت.
ولِدَ الفيلم من رحم الصراع، في خضم ساحة المعركة، حيث تتطاير الدماء وتتلاحم السيوف، ليسرد لحن من أنغام الموت والحياة.
لعل ما جعل التجربة ملحمية هو تأسيس الفيلم كسيمفونية مدروسة من الإحاسيس ببنائِها البيتهوفني والمسمى بـ"مُصارع القدر" لتحديه المأساوي في غَلبة صمم أذنيه إذ ولدت ألحانه صارخة ومعقدة منذ مطاليعها أملاً في إحياء ميت، فلهذا، في فجر الحكاية اندلعت معركة عنيفة لشحن الجماهير وإيصالهم إلى ذروة الشعور، ثم إعفائِهم بهدوء النصر أو الحزن أو الكوميدية لتلطيف الجو، استعدادًا لجولات مقبلة، وبالنظر إليها، تتوالى أحداث الفيلم وذرواته المصيرية بوتيرة سريعة، لدرجة أن المشاهد يلحظ إمكانية صياغتها في قالب ثلاثي، فهل سنشهد توسعًا آخر في عالمه السينمائي؟
وبعد، لا بد وأن استشهد بالأداءات التمثيلية التي ترقى إلى مصاف النجوم، بول ميسكال قدم وجهًا مثيرًا عبر عن كل مرادفات الغضب من سخط، وحنق، وغيظ، واستياء.. تعابيرًا لم أتوقع رؤيتها بعد نهاية الفيلم الأول. ولعل من أبرز ما يميز هذا الفيلم هو التحول الدرامي في أدوار الشخصيات؛ ففي مرة نرى بيدرو باسكال رئيسيًا، ومرة ثانويًا، وكذلك الأمر مع تبدل دور دينزل واشنطن الذي فاجأني بأهمية شخصيته وذكائِه في نهاية الفيلم، رغم أني لم ألحظ منه وجهًا مختلفًا عن أدواره السابقة.
وأخيرًا، في خضمّ زحام الأفلام المعاصرة، عاد Gladiator II كشبحٍ من الماضي، بلمسات إخراجية هوليوودية، وبموسيقى تصويرية تعيدنا إلى صخب المدرجات الرومانية، ينجح هذا الفيلم في أن يكون امتدادًا طبيعيًا لجزئه الأول، مع إضافة لمساتٍ عصريةٍ من تأثيرات بصرية تجعله يتألق في سماء السينما الحالية.
كل ما يهمني أني استطعت أن أعيش داخل هذا الفيلم، ولو كان لي أن أختار، لأرشح هذا الفيلم في معظم الفئات، ولكنه يستحق على الأقل جوائز: أفضل فيلم، وأفضل إخراج، وأفضل ممثل أساسي، ولا يسعني إلا أن أتمنى له كل التوفيق في حفلات التكريم.
فيلم تاريخي متكامل العناصر، قدم بدل المعركة المصيرية الواحدة ثلاثة معارك مصيرية، بدل البطل الواحد ثلاثة أبطال متحركين، بدل الهدف الواحد عدة أهداف متجددة، وهو بلا شك إضافةٌ قيمةٌ لسجل المخرج ريدلي سكوت، ورحلةٌ ممتعةٌ لكل عشاق السينما. إنه ملحمة خالدة تستحق المشاهدة.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة IGN ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من IGN ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.