يُعد التهرب الضريبي ظاهرة مقلقة وتحدياً اقتصادياً عالمياً يواجه العديد من الدول، نظراً لخطورته وتأثيره القوي على تقليل الإيرادات الضريبية اللازمة للتنمية ولتمويل المشاريع وتحسين الخدمات العامة، لذا وضع المشرع الإماراتي مفهوماً محدداً للتهرب الضريبي، إذ عرفه بأنه «استخدام الأشخاص للوسائل غير قانونية للتهرب من الضريبة لينتج عن ذلك تخفيض مقدار الضريبة المستحقة أو عدم دفعها أو استرداده لضريبة لم يكن له حق استردادها» ما يعني سد باب الاجتهاد في تحديد صور التهرب الضريبي، وهنا تثار جملة من التساؤلات حول الجهود التي بذلتها الحكومة من جانب والمجلس الوطني الاتحادي من جانب آخر في مجال مكافحة التهرب الضريبي، وما أهم التحديات التي تشكل عائقاً أمام تحقيق صفرية التهرب الضريبي؟، وما التطلعات المستقبلية لتحقيق ذلك؟.
وضعت دولة الإمارات المؤشرات والمقاييس التي تساعدها في تحقيق التقدم والتطور في الأداء وتحقيق الاستقرار الاقتصادي والمالي، فوفقاً «لمؤشر التهرب الضريبي العالمي الصادر عن مركز التنافسية العالمي التابع للمعهد الدولي للتنمية الإدارية» لعام 2023، احتلت دولة الإمارات المركز الخامس عالمياً في انخفاض مستوى التهرب من دفع الضرائب بقيمة تبلغ (7.9) من أصل 10، ما يعكس جهودها الكبيرة في مكافحة التهرب الضريبي واهتمامها بتعزيز الامتثال الضريبي وتعزيز ثقة المستثمرين، كما حرصت الدولة على المستوى الدولي بضمان الشفافية وتبادل المعلومات الضريبية مع الأصعدة الدولية ما مكنها من الحصول على تقييم إيجابي من قبل منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD) في مجال تبادل المعلومات الضريبية الدولية.
وعلى الرغم من تجربة دولة الإمارات الحديثة في تنظيم موضوع الضرائب، فهي تحقق اليوم تقدماً ملموساً في هذا المجال، حيث انتهت من وضع البنية القانونية والقضائية اللازمة لمكافحة التهرب الضريبي، وعلى رأسها إنشاء «النيابة الاتحادية لجرائم التهرب الضريبي» المعنية بالنظر في الدعاوى الجزائية المترتبة على مخالفة التشريعات الاتحادية المعنية بالضرائب، وذلك بهدف تحقيق الامتثال والعدالة الضريبية، وتعزيز الرقابة وتسريع الإجراءات القانونية، بالإضافة إلى ذلك تحقيق التطور في النظام القضائي والقضاء المتخصص، ما جعل الدولة نموذجاً متقدماً يحتذى به إقليمياً ودولياً في ظل اهتمام دول العالم كافة بالبحث عن الممارسات والتقنيات والإجراءات المبتكرة لمكافحة التهرب الضريبي، كما أعلنت الهيئة الاتحادية للضرائب في عام 2022 عن إطلاق «نظام المُخبرين عن المخالفات والتهرب الضريبي» ما سيحقق مشاركة أفراد المجتمع في الرقابة على الأسواق المحلية.
ولقد كان للمجلس الوطني الاتحادي دور مهم في ضمان النزاهة الضريبية في العمليات التجارية ومكافحة التهرب الضريبي وتحقيق الحفاظ على موارد الدولة من خلال دوره الرقابي في مناقشته لموضوع «سياسة الهيئة الاتحادية للضرائب في شأن تطبيق ضريبة القيمة المضافة والضريبة الانتقائية» في عام 2024، والذي أوصى بضرورة الإسراع في تطبيق وتنفيذ المشاريع المستقبلية للهيئة الاتحادية للضرائب من تبني مشروع الفوترة الإلكترونية بين الهيئة ووزارة المالية، مما سيؤدي إلى زيادة الامتثال الضريبي للمتعاملين، وعلى هذا الأساس يمثل مشروع الفوترة الإلكترونية أداة لتسهيل عمليات الدفع والتحصيل وتحسين التواصل بين المتعاملين والجهات المنظمة، وتوصية مميّزة ستدعم تطور الإجراءات الضريبية في دولة الإمارات.
فالمتابع للشأن الضريبي يرى تواصل الدولة بجميع مؤسساتها، لتحقيق إنجازات كبيرة ومتميزة في مكافحة التهرب الضريبي، مما يمهد الطريق للوصول إلى صفرية التهرب الضريبي، ومع وجود فرص مستمرة للتطوير، يقترب تحقيق هذا الهدف الطموح أكثر من أي وقت مضى، ومن هذه الفرص:
* التحول الكامل إلى الفوترة الإلكترونية: تماشياً مع التحوّل الرقمي المتسارع الذي تشهده دولة الإمارات، يُعتبر التحول الكامل إلى الفوترة الإلكترونية خطوة مهمة نحو تعزيز الشفافية والرقابة الفعّالة على التوريدات والواردات، ففي الوقت الحالي، ما زال بإمكان المستثمرين إصدار الفواتير الورقية ثم معالجتها إلكترونياً، مما قد يحد من القدرة على تتبع المعاملات بدقة ويشكل تحدياً أمام المفتشين في مراقبة العدد المتزايد من الأعمال التجارية.
ومن هنا، يظهر بوضوح أهمية الانتقال إلى إلزامية الفاتورة الضريبية الإلكترونية، فالهيئة الاتحادية للضرائب أشارت في جلسات المجلس الوطني الاتحادي إلى اعتمادها على صاحب المنشأة لتوفير البيانات الضريبية، بينما تُظهر التجارب الدولية كيف اتخذت دول مثل: إيطاليا، البرازيل، بولندا، إسبانيا، والمملكة العربية السعودية إلزامية الفاتورة الإلكترونية في جميع المعاملات التجارية، كما تبنت دول أخرى كجمهورية مصر العربية فرض غرامات على المتهربين من استخدام الفاتورة الإلكترونية، لتحفيز الشركات على التسجيل في هذه المنظومة.
ومن الجدير بالذكر أنّ الفاتورة الإلكترونية ليست مجرد أداة تنظيمية، وإنما تُسهم في دعم المكلفين على الوفاء بواجباتهم وزيادة مستوى الامتثال الضريبي لديهم، كما تُعزز من تجربة المستهلك من خلال رقمنة العلاقة بينه وبين البائع، لتحقيق بيئة أعمال متقدمة ومستدامة.
* الانتقال نحو إلزامية الفاتورة الضريبية الموحدة: واتساقاً مع العديد من الدول، بدأت بعض الشركات في دولة الإمارات بالاعتماد على إصدار الفاتورة الضريبية الموحدة المعتمدة من الهيئة الاتحادية للضرائب، مع ذلك تبقى هذه الممارسة اختيارية وغير مُلزمة في الوقت الحالي.
ولا شك أن دولة الإمارات، بحكم حداثة تجربتها في السياسات الضريبية، ستتجه في المستقبل نحو فرض إلزامية إصدار الفاتورة الضريبية الموحدة على الشركات باختلاف أحجامها.
ومع ذلك، نطمح إلى تسريع تبني هذا التوجه في المرحلة المقبلة، بعد دراسة الأثر المتوقع على نطاق الشركات وتوفير الإمكانيات اللازمة، مما سيسهم في تعزيز الامتثال الضريبي ورفع كفاءة النظام الضريبي في الدولة.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.