في عالم يسعى لتوفير الغذاء لمليارات البشر، تتحول الأرض الخصبة إلى ساحة مواجهة لتلبية تلك الاحتياجات في ظل تحديات عديدة على رأسها تواصل نمو السكان، وعوامل المناخ المتقلبة، والصراعات الجيوسياسية، والضغوط الاقتصادية الخانقة.
وعامًا بعد عام تتفاقم المخاطر التي تهدد قدرة العالم على تأمين الغذاء لسكانه، وهو ما ينعكس بوضوح في ارتفاع أسعار العديد من المحاصيل الرئيسية، في وقت يواجه فيه كوكب الأرض تحديا أساسيا متعلقا بندرة المياه اللازمة للزراعة.
ويُعرَّف انعدام الأمن الغذائي، وفقًا لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو)، بأنه الافتقار إلى الوصول إلى ما يكفي من الغذاء الآمن والمغذي للنمو، والتطور الطبيعي، والحياة النشطة والصحية.
للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام
وفي عام 2023، تعرض أكثر من ملياري شخص لمستوى معين من انعدام الأمن الغذائي وافتقارهم إلى الوصول إلى الغذاء المغذي والكافي، وفقًا لتقرير صادر عن الفاو.
ورغم تقدم التقنيات الزراعية والتعاون الدولي في القطاع الزراعي، لا تزال المخاطر التي تهدد أمن الغذاء آخذة في التصاعد، ما يعرض حياة ملايين الأشخاص حول العالم للخطر.
وبحسب بعض الإحصائيات، فإن نمو إنتاج القمح والذرة وغيرهما من المحاصيل لا يتوافق مع النمو السكاني الذي يشهده العالم، فيما تشير بعض التقديرات، إلى أنه في حال استمرار تطرف المناخ فإن محاصيل الغذاء العالمية قد تنخفض بنحو 30% بحلول عام 2050.
النمو السكاني الخطر الأكبر
في يوم 15 نوفمبر من عام 2022، بلغ عدد سكان العالم 8 مليارات شخص، وهو ما يمثل أكثر من ثلاثة أضعاف العدد في منتصف القرن العشرين.
وقفز عدد سكان العالم بنحو مليار نسمة منذ عام 2010 وبمليارين منذ عام 1998.
ومن المتوقع أن يتواصل نمو عدد السكان في العالم، وإن كان بوتيرة أبطأ ليرتفع بنحو ملياري فرد خلال الثلاثين عامًا المقبلة، ويصل إلى 9.7 مليار بحلول عام 2050.
ووفقًا لتوقعات الأمم المتحدة، يُرجح أن يبلغ عدد السكان ذروته حين يبلغ 10.4 مليار نسمة في منتصف العقد الثامن من هذا القرن، قبل أن يبدأ في الانخفاض تدريجيًا.
التعداد السكاني لأكبر 5 دول من حيث عدد السكان | |||
البلد | 2024 العدد (بالمليون نسمة) | 2054 العدد (بالمليون نسمة) | 2100 العدد (بالمليون نسمة) |
الهند | 1451 | 1692 | 1505 |
1419 | 1215 | 633 | |
الولايات المتحدة | 345 | 384 | 421 |
إندونيسيا | 283 | 322 | 296 |
باكستان | 251 | 389 | 511 |
تُرجع الأمم المتحدة النمو السكاني العالمي إلى عدة عوامل، منها زيادة عدد الأفراد الذين يبلغون سن الإنجاب، والارتفاع التدريجي في متوسط عمر الإنسان، وزيادة التحضر وتسارع الهجرة.
وتؤدي الزيادة السكانية إلى ارتفاع الطلب على الغذاء بشكل كبير، ولا يقتصر هذا الطلب على الكمية فحسب، بل يشمل أيضًا تنوع الأغذية وجودتها، ما يفرض ضغوطًا على الموارد الطبيعية مثل الأراضي والمياه والطاقة، ويهدد استدامة نظم الإنتاج الغذائي.
كما تتسبب الزيادة السكانية في تآكل الأراضي الزراعية نتيجة التحضر، وإزالة الغابات، والتوسع العمراني، ما يقلص المساحات الزراعية المتاحة ويزيد المنافسة على الموارد المحدودة مثل المياه، ويخفض الإنتاجية الزراعية.
ومع النمو السكاني، خاصة في المناطق الحضرية، تتغير الأنماط الغذائية نحو استهلاك المزيد من اللحوم والمنتجات المعالجة، مما يتطلب موارد إضافية لإنتاج الغذاء، ويدفع هذا التحول إلى استهلاك المزيد من المياه والطاقة ويزيد من انبعاثات الغازات الدفيئة.
ويدفع الضغط السكاني أيضًا إلى استغلال الموارد الزراعية بشكل مفرط، ما يسبب تدهور التربة وفقدان التنوع البيولوجي الأمر الذي يزيد من هشاشة نظم الغذاء العالمية في المستقبل.
وكانت جمهورية الكونغو الديموغرافية في عام 2023، هي الدولة التي تضم أكبر عدد من الأشخاص الذين يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد، حيث تأثر أكثر من 25 مليون شخص.
وتُعد القارة الأفريقية الأكثر تضررًا من انعدام الأمن الغذائي، حيث تعرض أكثر من 50% من إجمالي سكانها لانعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد في عام 2023، وهو ضعف المتوسط العالمي.
ووفقًا لمنظمة الأغذية والزراعة، فإن المناطق الأخرى التي تعاني من نقص الوصول إلى الغذاء الصحي والآمن تشمل أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي (28%) وجنوب شرق آسيا (25%) وأوقيانوسيا (27%).
تغير المناخ والأمن الغذائي
يُعتبر تغير المناخ من بين أبرز تحديات الأمن الغذائي، ورغم محاولات دول العالم لوقف الآثار السلبية لتلك الظاهرة من خلال الحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون فإن التقدم في هذا الإطار لا يزال محدودًا، ما قد يفاقم من الآثار السلبية لها مستقبلًا.
فعلى سبيل المثال يؤدي ارتفاع درجات الحرارة، والجفاف الطويل، والأمطار غير المنتظمة، والظواهر الجوية المتطرفة مثل الأعاصير والفيضانات إلى تعطيل الإنتاج الزراعي وتقليل كمية المحاصيل المنتجة.
وتشير الدراسات إلى أنه مع كل زيادة بمقدار درجة مئوية واحدة، قد تنخفض إنتاجية محاصيل الأساسية مثل القمح والأرز والذرة، بنسبة تتراوح ما بين 3 و10%.
كما أن الأحوال الجوية المتطرفة تقف حائلًا دون استكمال دورات الزراعة والحصاد، كما تسرّع من ظاهرة التصحر وتقليل حجم الأراضي الصالحة للزراعة.
الأمر لا يتوقف عند حد التأثير على المحاصيل الزراعية؛ إذ تحدث الأمطار الغزيرة والفيضانات جرفًا للطبقة السطحية الخصبة للتربة، ما يقلل من خصوبتها، كذلك تؤدي زيادة مستويات البحار وسوء إدارة الري إلى زيادة ملوحة التربة، ما يجعلها غير صالحة للزراعة.
ويترتب على انخفاض الإنتاج الزراعي بسبب الظروف المناخية القاسية، ارتفاع أسعار الغذاء، ما يؤثر بشكل خاص على الفئات ذات الدخل المنخفض.
كما تشهد سلاسل التوريد أيضًا اضطرابات جراء الأحداث الجوية المتطرفة مثل الأعاصير والفيضانات، ما يعطل البنية التحتية للنقل والتخزين، ويحد من الوصول إلى الغذاء.
وبحلول عام 2050، قد يدفع تغير المناخ ما بين 80-120 مليون شخص إضافي نحو الجوع.
متوسطات مؤشر منظمة الفاو لأسعار الغذاء خلال العقد الأخير | |
السنة | قيمة المؤشر |
2015 | 93.1 |
2016 | 92.0 |
2017 | 97.9 |
2018 | 95.8 |
2019 | 94.9 |
2020 | 98.1 |
2021 | 125.7 |
2022 | 144.5 |
2023 | 124.5 |
2024 | 122.0 |
الثروة الحيوانية والسمكية مهددتان أيضًا جراء تغير المناخ، إذ تؤدي درجات الحرارة المرتفعة إلى تقليل خصوبة الماشية ونموها وإنتاجيتها، مع زيادة انتشار الأمراض.
كما تتسبب زيادة درجات حرارة المحيطات وارتفاع حموضتها في التأثير على المخزون السمكي، وهو مصدر بروتين أساسي لملايين الأفراد، خاصة في الدول النامية.
إضافة إلى ذلك، يعمل تغير المناخ على انتشار الأمراض بين الأنواع المختلفة من الماشية، ما يؤثر على صحتها وإنتاجيتها.
تهديدات أخرى
يواجه الأمن الغذائي العديد من التهديدات التي تحد من توافره، من بينها النزاعات المستمرة في مناطق مثل الشرق الأوسط وإفريقيا وأوروبا الشرقية.
وتدمر الحروب البنية التحتية الزراعية، وتُجبر الملايين على النزوح، كما تُعطل شبكات الإنتاج والتوزيع الغذائي.
ولعل الحرب في أوكرانيا مثال بارز على تأثير النزاعات المسلحة في تهديد أمن الغذاء، بعد أن تأثر إنتاج المحاصيل الزراعية في البلاد التي تُعد من المنتجين الرئيسين للحبوب، ما تسبب في إحداث آثار سلبية كبيرة على سلاسل إمداد الحبوب العالمية.
تشكل الضغوط الاقتصادية والتضخم أيضًا تهديدًا كبيرًأ للأمن الغذائي، إذ يدفع التضخم العالمي وعدم الاستقرار الاقتصادي أسعار الغذاء إلى مستويات يصعب تحملها، خاصة في الدول ذات الدخل المنخفض.
ومع ارتفاع تكاليف الوقود والنقل ومدخلات الزراعة مثل الأسمدة والبذور، كل ذلك يجعل الغذاء أقل توفرًا.
كما أن الطبيعة المترابطة لسلاسل الإمداد الغذائية العالمية تجعلها عرضة للتعطل بسبب الأوبئة أو التوترات الجيوسياسية أو القيود التجارية، وقد كشفت جائحة كوفيد-19 عن هشاشة هذه الأنظمة.
أعداد الذين واجهوا انعدام الأمن الغذائي في العالم (خلال عام 2023) | |||
المنطقة | إجمالي السكان (بالمليون نسمة) | انعدام أمن غذائي متوسط أو شديد | انعدام أمن غذائي شديد |
آسيا | 4753 | 1181 | 467 |
إفريقيا | 1460 | 847 | 316 |
أمريكا الشمالية وأوروبا | 1121 | 98 | 18 |
أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي | 665 | 188 | 58 |
انخفاض أعداد الكائنات الحية التي تسهم في التلقيح مثل النحل نتيجة تدمير المواطن الطبيعية واستخدام المبيدات، يتسبب أيضًا في تفاقم تحديات الأمن الغذائي، ويؤدي إلى انخفاض إنتاج المحاصيل.
ومن بين تحديات الأمن الغذائي أيضًا ندرة المياه، إذ يمثل قطاع الزراعة حوالي 70% من استخدام المياه العذبة عالميًا، ما يحد من الإنتاج الزراعي ويزيد التنافس على الموارد المائية بين القطاعات المختلفة.
ورغم تلك التحديات فإن حوالي ثلث الغذاء المنتج عالميًا يُهدر، أي ما يعادل 1.3 مليار طن سنويًا، هذه الكميات المهدرة تؤدي إلى تقليل توافر الغذاء، خاصة في المناطق التي تعاني بالفعل من نقص الإمدادات ويزيد من فرص انتشار الجوع فيها.
حلول لمواجهة مخاطر الأمن الغذائي
يعد الوصول غير المنتظم إلى الغذاء الآمن والصحي قضية حيوية للحكومات والمؤسسات الدولية على حد سواء، فيما يمثل الأمن الغذائي أحد التحديات الأساسية التي شرع المجتمع الدولي في معالجتها في أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة.
ويسعى الهدف الثاني من أهداف التنمية المستدامة إلى "القضاء على الجوع"، وخلق عالم خالٍ من الجوع بحلول عام 2030، الأمر الذي يتطلب تحسين الأمن الغذائي.
ومن بين الحلول التي يمكن أن تسهم في توفير أمن الغاء هو تعزيز الزراعة المستدامة والتي تعتمد على اعتماد ممارسات تراعي المناخ، وتقليل الاعتماد على المدخلات الكيميائية، والاستثمار في الطاقة المتجددة للزراعة.
كما أن تعزيز التعاون الدولي عبر تقوية الاتفاقيات التجارية الدولية، وخفض الحواجز التجارية، وتعزيز برامج المساعدات الغذائية العالمية من شأنه دعم الأمن الغذائي.
الابتكار والتكنولوجيا يلعبان أيضًا دورًا محوريًا في تحسين الإنتاج الغذائي، إذ إن تطوير تقنيات حديثة مثل الزراعة الدقيقة والزراعة الرأسية يمكن أن يزيد من الإنتاجية الزراعية بشكل كبير.
علاوة على ذلك، فإن استنباط محاصيل مقاومة للجفاف والظروف المناخية القاسية يعزز من قدرة الأنظمة الزراعية على الصمود أمام تغير المناخ.
ويمثل تقليل هدر الغذاء خطوة هامة نحو تحسين الأمن الغذائي حيث يمكن للحكومات تطبيق سياسات تهدف إلى الحد من فقد الأغذية على طول سلاسل الإمداد، مع رفع مستوى الوعي لدى المستهلكين حول أهمية ترشيد الاستهلاك.
ويُعزز تنويع النظم الغذائية من مرونة الأنظمة الزراعية، ويتطلب ذلك تشجيع زراعة المحاصيل المتنوعة والحد من الاعتماد على الزراعة الأحادية، التي تجعل النظم الزراعية عرضة للصدمات البيئية والاقتصادية.
إدارة المياه تعتبر من العناصر الفعالة في استدامة الأمن الغذائي، ويمكن تحقيق ذلك من خلال تبني تقنيات ري حديثة مثل الري بالتنقيط، وإعادة تدوير مياه الصرف لاستخدامها في الزراعة، وتطوير سياسات تهدف إلى الحفاظ على الموارد المائية العذبة.
أخيرًا، تتطلب مواجهة التحديات المعقدة للأمن الغذائي استراتيجيات شاملة مثل أنظمة الإنذار المبكر للتكيف مع الظروف المناخية المتغيرة، والزراعة الحرجية التي تدمج بين الزراعة والغابات لتحسين المرونة البيئية.
ورغم التحديات الكبيرة، فإن الأمن الغذائي العالمي يمكن تحقيقه من خلال العمل المشترك بين حكومات الدول، والمنظمات المعنية في هذا القطاع، من أجل بناء أنظمة غذائية مرنة ومستدامة تضمن تلبية احتياجات السكان المتزايدين، ويحمي الموارد الطبيعية للأجيال القادمة.
المصادر: أرقام- منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)- صندوق الأمم المتحدة للسكان- برنامج الأغذية العالمي- كورينتكس
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة ارقام ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من ارقام ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.