اقتصاد / صحيفة الخليج

رسم ملامح جديدة للمجتمعات لبناء مستقبل مستدام

ندى تريم *

«هناك 360 درجة، لماذا علينا أن نتمسك بواحدة فقط؟»، إنها مقولة مميزة للمهندسة المعمارية الراحلة زها حديد تُبرز فيها فلسفة التصميم التي تتجاوز الحدود التقليدية، حيث تشجع على إعادة رسم ملامح التطوير الحضري. ويسهم اعتماد طرق جديدة واستكشاف أساليب مبتكرة في إرساء بيئات حضرية عملية ومتطورة. كما تتمتع المدن المستقبلية بالقدرة على الدمج بين الطبيعية والعناصر الحديثة لتحقيق تطلعات السكان، مما يمهد الطريق أمام بناء مستقبل واعد ومستدام.
ومن المتوقع أن تسجل دولة زيادة سكانية بواقع مليوني نسمة على مدى السنوات المقبلة. ويكمن التحدي في إنشاء مشاريع حضرية لاستيعاب هذا النمو السكاني، إضافة إلى الانسجام مع استراتيجية الإمارات للحياد المناخي 2050 وبناء مجتمعات مزدهرة. وتوفر هذه التحديات فرصةً لابتكار أساليب جديدة لتصميم مجتمعاتنا وبنائها من أجل تعزيز مستويات المرونة الحضرية.
يقوم بناء مدن المستقبل على اعتماد الابتكارات المميزة في مجال الاستدامة، إضافة إلى خلق بيئة تترابط فيها العوامل الوظيفية والبيئية. وتبرز الحاجة الآن إلى اعتبار تطوير المدن منظومة متكاملة، إذ يمكن منح الأولوية لدمج المساحات الخضراء والإدارة المستدامة للنفايات واعتماد مصادر النظيفة، مثل الطاقة الشمسية أو تحويل النفايات إلى طاقة، وذلك على عكس الأساليب التقليدية. وبهذه الطريقة، تلعب الابتكارات في مجال الاستدامة دوراً محورياً في تعزيز تجربة السكان والارتقاء بها.
وتستخدم أحدث الابتكارات في مجال مواد البناء، مثل الأرض المدكوكة، التربة التحتية الطبيعية والحد الأدنى من المياه، مما يوفر بدائل مستدامة بطابعٍ جمالي. كما يمكن للطوب البيئي، المصنوع من البلاستيك المُعاد تدويره، تقليل النفايات وخفض البصمة الكربونية خلال مرحلة البناء. وتدعم هذه الابتكارات تحقيق الاقتصاد الدائري، وتساعد على إرساء مستقبل تسهم فيه جميع عناصر التصميم الحضري في جهود الحفاظ على البيئة.
ونحن بصدد دخول مرحلة جديدة تجمع التكنولوجيا والطبيعة لرسم ملامح مستقبل المجتمعات، حيث يمكن لتقنية التوائم الرقمية محاكاة المشاريع الحضرية في الوقت الحقيقي، وتحسين كفاءة استخدام الطاقة، وتخصيص الموارد، وإدارة تدفق العمل. ويوفر هذا الاندماج بين التكنولوجيا والتصميم فرصةً لإنشاء مدن تتسم بالمرونة والذكاء.
كما يجب أن تركز عمليات التخطيط على أساليب التصميم السلبي بصورة رئيسية، إذ تُحدث الاعتبارات البسيطة، مثل إنشاء المبنى للاستفادة من التهوية والضوء الطبيعيين، تأثيراً عميقاً في كفاءة استخدام الطاقة وتعزيز راحة السكان. وتُعد المباني التي تتكيف مع بيئتها المحيطة أساسيةً للارتقاء بتجربة إنشاء المدن وتطوير مشاريع مميزة.
وتسهم المساحات المخصصة للمشي ومسارات الدراجات وخيارات النقل التي لا تعتمد الوقود الأحفوري، في إعادة رسم ملامح الحياة الحضرية. وتشهد المدن المصممة بهذا الأسلوب استخدام السيارات الكهربائية للتنقل بهدوء عبر الممرات الخضراء، حيث يمكن للسكان العيش والعمل واللعب في مساحات مصممة للارتقاء بمستويات الصحة والرفاهية وسط إطلالات طبيعية خلابة. ويجب على جهات التخطيط الحضري منح أولوية قصوى لهذه الاعتبارات في المستقبل.
ينبغي للتخطيط الحضري اليوم أن يعكس مبادئ حماية البيئة، والحفاظ على المساحات المفتوحة، وإنشاء الحدائق، إضافة إلى دمج الأحزمة الخضراء التي تعمل على تعزيز التنوع الحيوي والارتقاء برفاهية الإنسان. كما أن المياه من أغلى الموارد، وتتطلب اهتماماً كبيراً ورعاية مماثلة، إذ يسهم اعتماد أنظمة إعادة تدوير المياه الرمادية وتقليل الاستهلاك الإجمالي في جعل المشاريع صديقة للبيئة.
وقد نجحنا في معالجة أكثر من 350 متراً مكعباً من مياه الصرف الصحي يومياً حتى الآن، ما أدى إلى إنتاج مياه نظيفة للري. ويساعد توسيع نطاق هذا المفهوم ليشمل البيئات الحضرية على تصميم مدن تستخدم المياه من مصادر مستدامة، الأمر الذي يسهم في تغذية المساحات الخضراء ودعم صحة البيئة وأفراد المجتمع.
وتسهم الدروس التي نتجت عن العديد من المشاريع المميزة، مثل المقر الرئيسي ل «بيئة» الذي صممته زها حديد، في رسم ملامح مستقبل المدن الذكية. فهذا المبنى الحديث الحائز شهادة LEED البلاتينية مخططٌ استثنائي للتصميم الحضري المستدام. كما أن المبادئ التي يعتمدها، والمتمثلة في الابتكار والاستدامة والحلول المتمحورة حول الأفراد، قابلةٌ للتكيّف لتشمل المباني والمجتمعات بأكملها.
إن الأمر برمّته يعتمد على التصميم، فهو القادر على ضمان وضع الاستدامة أساساً لأي مدينة جديدة. ويمكن لتحسين المساحات الحضرية القائمة أن يساعد على تحقيق الأهداف البيئية، فيما يجب أن تكون المدن المستقبلية مصممةً لتحقيق الاستدامة على المدى البعيد، ودعم الحلول القابلة للتطوير التي يمكن للأفراد اعتمادها بسلاسة.
ونلتزم في «بيئة» ببناء مستقبل قائم على الاستدامة ومدعوم بالتحول الرقمي، ولذلك نعمل على بناء مرحلة جديدة من مشاريع التطوير العقاري ينسجم فيها السكان والمدن مع البيئة، مع خلق قيمة دائمة للأجيال القادمة.
* الرئيسة التنفيذية بيئة للعقارات

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا