اقتصاد / صحيفة الخليج

الصحة النفسية.. مفتاح نمو الأعمال

وديعة راعي *

في ظلّ ظروف العمل السريعة اليوم، تُعدّ رفاهة الموظفين عاملاً أساسياً في نمو الشركات. ومع ذلك، تبقى الصحة النفسية في العديد من أنحاء العالم من المسائل التي يتمّ التقليل من شأنها أو التغاضي عنها تماماً، ولا سيّما في القطاعات ذات الضغط العالي. ومن هذا المنطلق، فإنّ الشركات التي تُدرك أهميّة الصحة النفسية وتُجهّز نفسها ب«مُسعفي الصحة النفسية» (أو ما يُعرَف بMental Health First Aiders) تكون مُهيّأة أكثر لتحقيق النمو، بينما تُواجه الشركات التي تتجاهل هذا الجانب الحيوي خطر الركود.
مُسعفو الصحة النفسية هم أفراد مُدرّبون داخل الشركة أو المؤسّسة، يملكون القدرة على تحديد الزملاء الذين قد يعانون من مشكلة على صعيد صحّتهم النفسية، واستيعابهم ودعمهم. كما يؤدّون دوراً محورياً في إرساء بيئة عمل داعمة، والحرص على معالجة المشاكل على صعيد الصحة النفسية في مراحلها المبكرة قبل أن تتفاقم وتؤدي إلى عواقب وخيمة.
يؤدّي مُسعفو الصحة النفسية دوراً مهماً في إرساء منظومة عمل حاضنة وداعمة، حيث تُوفَّر المساعدة لأي فرد يمرّ بصعوبات نفسية. فهم يُسهمون في اكتشاف العلامات المبكرة للقلق أو السلوكيات المضطربة، ويُحيلون الموظّفين إلى خبراء مُختصّين، الأمر الذي ينعكس في فريق صحي أكثر، ومُلتزم أكثر بأداء مهامه.
على سبيل المثال، يؤمّن مُسعفو الصحة النفسية الدعم النفسي للزملاء الذين يشعرون بالتوتّر أو القلق، ويتشاركون وسائل التعامل مع ضغوطات العمل والتخفيف من وطأتها، وتشجيعهم على اللجوء إلى مساعدة أخصائيين عند اللزوم، والمساهمة في إدارة المشاكل المتعلّقة بالصحة النفسية في مكان العمل، ونشر الوعي والموارد الخاصة بالصحة النفسية ضمن الشركة.
لماذا من المهمّ التخلّص من الوصمة المتعلّقة بالصحة النفسية في بيئة العمل؟
التخلّص من الوصمة المرتبطة بالصحة النفسية أمرٌ أساسي، خصوصاً في منطقتنا، إذ من شأن ذلك أن يُشجّع الموظّفين على طلب المساعدة من دون خوف من الحكم عليهم. إنّ شعور الأفراد بالدعم يُسهم في إرساء بيئة عمل أكثر شمولًا، مما يعزّز المعنويّات وروح الفريق والرفاه النفسي العام، ويُقوّي الشركة بأسرها في .
لا يُمكننا تجاهل تأثير الصحة النفسية على نمو الأعمال. وفقاً للدراسات، تؤدّي مشاكل الصحة النفسية إلى انخفاض الكفاءة، وارتفاع نسب التغيّب عن العمل، وخفض نسبة الاحتفاظ بالموظّفين. وبحسب تقديرات منظّمة الصحة العالمية، فإنّ الاكتئاب والقلق يكلّفان الاقتصاد العالمي تريليون دولار سنوياً فقدان الإنتاجية. عندما يكون الموظّف في حالة نفسية جيدة، يُصبح أكثر تفاعلًا وإبداعاً وإنتاجية، وهي عوامل أساسية للنمو على صعيد أي شركة أو منظّمة.
بالمقابل، تجاهل الصحة النفسية يؤدي إلى الركود، فالافتقار إلى الدعم يؤدّي إلى تراجع في الأداء، وارتفاع معدلات الإرهاق الشديد واستنفاذ (أي الburnout)، ممّا يؤثّر سلباً على ثقافة الشركة ويُكبّل النمو. كما تؤدي المشاكل النفسية غير المعالجة إلى ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية وزيادة الإجازات المرضية، ممّا يؤثّر على جاهزيّة الموظفين لتلبية احتياجات العمل، وهو أمر مُكلِف جداً لأي شركة.
علاوةً على ذلك، عندما يشعر الموظّف بغياب الدعم، يُصبح من الصعب الاحتفاظ بخيرة المواهب. فالموظّف الذي يشعر بالتقدير ويتمتّع بحالة نفسية جيّدة هو أكثر ميلًا للعمل بكفاءة وفاعلية ودفع الشركة نحو المزيد من التقدّم والنجاح، فيما الموظّف الذي يعاني من الضغوط والإرهاق قد يُكبّل نمو الشركة.
يلعب مسعفو الصحة النفسية دوراً حيوياً في اكتشاف العلامات المبكرة للتوتّر والتحديات النفسية في بيئة العمل. وبفضل دعمهم، يتمكّن الموظّفون من الوصول إلى الموارد التي تُساعدهم على إدارة رفاهيتهم، الأمر الذي ينعكس إيجاباً في نهاية المطاف على الرضا الوظيفي والإنتاجية.
في منطقة لا تزال الصحة النفسية فيها موضوعاً محظوراً إلى حدّ كبير، يُعدّ هذا البرنامج خطوة مهمّة إلى الأمام.
الخلاصة، أن دعم مسعفي الصحة النفسية ليس الخيار الصائب فحسب، بل هو خطوة ذكية أيضاً. الشركات التي تركّز على الرفاه النفسي تجني فوائد الإنتاجية الأعلى والإبداع والنمو الشامل. لقد لمستُ بنفسي العلاقة المترابطة بين خلق بيئة داعمة وبين تعزيز الثقة والنجاح بشكل مباشر.
وبمناسبة اليوم العالمي للصحة النفسية، ينبغي للشركات التفكير في اتخاذ خطوة استباقية تتمثّل بإضافة مُسعفي الصحة النفسية إلى فرق العمل. في ظل المشهد التنافسي السريع اليوم، لم يعُدْ دعم الرفاه النفسي مجرّد ترف، بل هو ضرورة للشركات المزدهرة.
* مُديرة أولى «شركة إف تي آي كونسلتنج»

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا