اقتصاد / صحيفة الخليج

عطست فهل يصاب العالم بالزكام؟

د. رامي كمال النســور*

علمونا منذ زمن بعيد أنه إذا عطس الاقتصاد فإن الاقتصاد العالمي يصاب بالزكام، ولكن يبدو أن هذا الوضع قد تغيرمؤخراً بعدما أضحت قوة اقتصادية وصارت ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وصارت محركاً رئيسياً للنمو الاقتصادي العالمي لعقود من الزمن، ومن ثم أصبحنا نخشى أن تعطس الصين فيصاب الاقتصاد العالمي بالزكام خاصة بعد توسعها السريع، الذي غذاه التصنيع والصادرات واستثمارات البنية الأساسية، والذي أدى إلى تحويلها إلى لاعب رئيسي في التجارة العالمية والتمويل والصناعة. ومع ذلك، مع تباطؤ النمو الاقتصادي في الصين، تنشأ مخاوف بشأن التأثيرات المتتالية التي قد يخلفها هذا التراجع في الاقتصاد العالمي الأوسع. تستكشف هذه المقالة العواقب المحتملة لتباطؤ الاقتصاد الصيني على مختلف القطاعات في جميع أنحاء العالم.
بداية بلغ معدل النمو الاقتصادي في الصين حوالي8.1% في 2021 و3% في 2202 وأخيراً 5% في العام .
أما في النصف الأول من السنة الحالية فقد نما الاقتصاد الصيني بمعدل 5%.هذا يأتي بعد أن كانت الصين تحقق قبل ذلك خانتين من النمو الاقتصادي على الأقل.
تعتبر الصين مركزاً في سلسلة التوريد العالمية. وهي أكبر مصدر للسلع وثاني أكبر مستورد، ما يعني أن أي تباطؤ في اقتصادها يؤثر بشكل مباشر في أحجام التجارة العالمية. يمكن أن يؤدي انحدار النمو الاقتصادي الصيني إلى تقليل الطلب على المواد الخام والآلات والسلع الاستهلاكية من شركائها التجاريين. إن الدول التي تعتمد بشكل كبير على تصدير السلع الأساسية، مثل أستراليا (خام الحديد)، والبرازيل (فول الصويا)، والدول الإفريقية (المعادن)، قد تشهد انخفاضاً في الطلب، مما يؤدي إلى انخفاض أسعار السلع الأساسية وإضعاف النمو الاقتصادي.
وعلاوة على ذلك، تعتمد العديد من الاقتصادات المتقدمة، مثل ألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية، على الصين كقاعدة تصنيع وسوق للمنتجات الراقية. إن تباطؤ الناتج الصناعي الصيني أو الطلب الاستهلاكي يمكن أن يعطل سلاسل التوريد، ما يؤثر في الإنتاج ويقلل من الصادرات لهذه البلدان.
إن الصين واحدة من أكبر مستهلكي السلع الأساسية العالمية، وخاصة النفط والمعادن والمنتجات الزراعية. وأي انخفاض في الطلب الصيني على هذه الموارد يمكن أن يؤدي إلى انخفاض كبير في الأسعار في أسواق السلع الأساسية العالمية.
على سبيل المثال، قد يؤدي انخفاض الطلب الصيني على النفط إلى فائض عالمي، ما يؤدي إلى انخفاض الأسعار والتأثير في الدول المصدرة للنفط، بما في ذلك روسيا والمملكة العربية وفنزويلا.
وبالمثل، يستهلك قطاع البناء والبنية الأساسية في الصين كميات هائلة من الصلب والنحاس والأسمنت. إن تباطؤ الإنفاق على البنية الأساسية بسبب ضعف النمو الاقتصادي قد يؤدي إلى تقليص الطلب العالمي على هذه المواد، ما يؤدي إلى انخفاض الأسعار وتباطؤ النمو الاقتصادي في المناطق المصدرة للسلع الأساسية.
إن الأسواق الناشئة، وخاصة تلك الموجودة في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، معرضة بشدة لتقلبات الاقتصاد الصيني. وتعتمد هذه الاقتصادات بشكل كبير على الصين في التجارة والاستثمار. وتعد الصين مصدراً رئيسياً للاستثمار الأجنبي المباشر وتمويل البنية الأساسية، وخاصة من خلال مبادرات مثل مبادرة الحزام والطريق. وقد يؤدي تباطؤ الاقتصاد الصيني إلى انخفاض الاستثمارات في هذه المناطق، ما يعوق آفاق التنمية فيها.
وعلاوة على ذلك، أصبحت العديد من الأسواق الناشئة تعتمد بشكل متزايد على الطلب الاستهلاكي الصيني. ومن شأن ضعف الاقتصاد الصيني أن يقلل من القوة الشرائية لمستهلكيها، ما يؤدي إلى انخفاض الطلب على السلع والخدمات من دول مثل تايلاند وماليزيا وجنوب إفريقيا، والتي تعتمد على السياح والصادرات الصينية.
إن الأسواق المالية الصينية مترابطة بشكل عميق مع الاقتصاد العالمي. إن أي تباطؤ كبير في نمو الاقتصاد الصيني قد يؤدي إلى تقلبات في أسواق الأسهم العالمية، وخاصة في آسيا وأوروبا، حيث يتعرض المستثمرون بشدة للأسهم والسندات الصينية. إضافة إلى ذلك، فإن ضعف الاقتصاد الصيني قد يؤدي إلى انخفاض العائدات على الاستثمارات العالمية في الأصول الصينية، ما يثبط عزيمة المستثمرين الأجانب عن استثمار أموالهم في الأسهم والسندات والعقارات الصينية.
إضافة إلى ذلك، فإن احتياطيات النقد الأجنبي الكبيرة التي تمتلكها الصين واستثماراتها في الأصول العالمية تجعلها لاعباً رئيسياً في التمويل الدولي. وأي تباطؤ في الاقتصاد الصيني قد يدفع الحكومة الصينية إلى سحب الأموال أو تقليص الاستثمار في الأسواق الأجنبية، ما يؤدي إلى زيادة التقلبات وانخفاض السيولة في الأنظمة المالية العالمية.
كما أن انخفاض النمو الاقتصادي الصيني قد يخلف تأثيرات تضخمية وانكماشية في الاقتصاد العالمي. فمن ناحية قد يؤدي ضعف الطلب من الصين إلى انخفاض أسعار السلع والمواد الخام، ما يساهم في الضغوط الانكماشية في بعض القطاعات. من ناحية أخرى، قد تؤدي الاضطرابات في سلاسل التصنيع والتوريد في الصين إلى نقص في إمدادات السلع، وخاصة في الصناعات مثل الإلكترونيات والسيارات، حيث تلعب الصين دوراً مهيمناً. وقد يؤدي هذا إلى ارتفاع الأسعار في الأسواق العالمية، ما يؤدي إلى تفاقم الضغوط التضخمية في بعض الصناعات.
كانت الصين محركاً رئيسياً للنمو العالمي، وقد يؤدي تباطؤ اقتصادها إلى خلق فراغ في القيادة الاقتصادية العالمية. وقد يوفر هذا فرصاً للاقتصادات الناشئة الأخرى، مثل الهند ودول جنوب شرق آسيا، لتولي دور أكبر في الإنتاج والتجارة العالمية. ومع ذلك، قد لا تتمتع هذه الاقتصادات بالحجم والبنية الأساسية.
* مستشار الأسواق المالية والاستدامة

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا