تحقيق: مها عادل
خيط رفيع يفصل بين مفهومي الزمالة والصداقة، الزمالة مفهوم يبدو واسعاً، تصنعه الصدفة التي تضع شخصاً آخر في المكتب الذي يجاورك وتخلق بينكما من اللحظة الأولى كثيراً من القواسم المشتركة والبيئة الواحدة.
ويتبلور المفهوم في بيئة العمل أكثر من المراحل الدراسية، ومع ذلك فالصداقة الحقيقية تبقى من أثمن القيم الإنسانية، قد تتشابه مع الزمالة في بعض الأشياء، وقد تختلف عنها في أشياء أخرى، لكن الخط الرفيع الفاصل بينهما ليس خطاً يعبره الجميع بالطريقة نفسها.
في هذه السطور، نتعرّف إلى آراء وتجارب من جمعتهم الزمالة والصداقة، واعتبروا ذلك ميزة، ومن وضعوا خطوطاً فاصلة، وفضلوا أن يحتفظوا بكلا العالمين.
تقول معالي فياض، موظفة في إحدى المؤسسات: «أعتبر نفسي شخصاً محظوظاً، فعندما كنت حديثة التخرج والتحقت بالعمل في المؤسسة عانيت من شعور الرهبة والقلق في البداية، ولكني وجدت زميلات العمل الأكبر مني سناً ببضعة أعوام يساعدنني، ويحرصن على تقديم النصائح التي ساعدتني سريعاً على تثبيت أقدامي في العمل، وبعدها أصبحن من أعز صديقاتي وتوطدت علاقتي بهن، وكن دائماً مصدر بهجة وتفاؤل، حيث جمعتنا ضغوط العمل ومشكلاته، وكنا نهوّن مشقته بالتعاون والاجتهاد، ونتقاسم بعض المهام».
وتتابع: «رغم أنني كنت الأصغر بينهن، إلا أننا كنا نتبادل النصائح في أمور الحياة، وتربية الأبناء، وقد شكلنا مجموعة على (واتس أب)، تجمعنا جميعاً أسميناها «جروب السعادة» كنوع من الدعم النفسي لنا، ليسهل التواصل في ما بيننا، ولنطمئن على بعضنا البعض في الإجازات، ولنرتب معاً النزهات التي تجمعنا معاً خارج جدران المؤسسة للاحتفال بعيد ميلاد إحدانا، أو لتجربة مطعم جديد تقترحه أخرى، ورغم أن السنوات مرت، وتركت بعض عضوات «جروب السعادة» العمل في المؤسسة، إلا أننا لا نزال نحافظ على صداقتنا ونجتمع في بعض المناسبات ونتبادل الأخبار والنصائح، سواء على المجموعة، أو عندما نلتقي في المناسبات التي نصنعها معاً».
أما عماد الزبيدي موظف بدبي، فيتحدث عن تجربته، ويقول: «لا أستطيع أن أزعم أن كل زملاء العمل يمكن أن يكونوا أصدقائي، صحيح أن هناك الكثير من القواسم المشتركة بيننا، وأن العلاقة طيبة، لكنها لا يمكن أن أطلق عليها صداقة، لكن صديقي الوحيد في مكان عملي يعمل في إدارة أخرى، وعلاقتنا تعود إلى أيام الجامعة، حيث كانت تجمعنا صداقات مشتركة، وعندما عُيِّن في الشركة التي أعمل بها، وجدته يعيد تعريفي بنفسه، وتذكرته فوراً».
وأضاف: «بعد ذلك، كانت هناك الكثير من الحكايات المشتركة، وهكذا كان هو الوحيد من العمل الذي اصطحبته معي إلى المقهى الذي أجتمع فيه مع أصدقائي مرة على الأقل كل أسبوع، حيث نذهب لمشاهدة مباريات كرة القدم، ونلعب الشطرنج، ونتحدث في أمورنا الخاصة».
وتابع: «مع هؤلاء الأصدقاء من خارج العمل، يمكن أن نتحدث في أي موضوع بلا تحفظ أو تكلف كما يمكنني أن أصارحهم بمشاعري الحقيقية عندما تكثر ضغوط العمل، أو أشعر بمشاكل مع بعض الزملاء، فأنا أعتقد أن بيئة العمل لا تصلح لتكوين الصداقات لأنها في النهاية بيئة تنافسية، يمكنني أن أتعاون مع زملائي لإتمام عمل ما، لكن يهمني أن يكون مجهودي أكثر بروزاً، وأن أحصل على التقدير من رؤسائي، لأن ذلك ينعكس على تقييمي في العمل ونموي فيه وترقيتي، وفي هذه الحالة يصبح الزملاء أقرب لمنافسين من كونهم أصدقاء».
أما رشا السيد، مدير إدارة بإحدى الشركات الدولية، فتقول إنها عاشت مراحل من التعامل مع الزملاء، فقبل سنوات كانت تعمل في إحدى الشركات الكبرى لبيع السيارات، وفي نفس الشركة كان يعمل معها اثنتان من الزميلات، وبسرعة توطدت علاقتهن جميعاً، وأصبحن صديقات مقربات لا يفترقن.
وتضيف رشا: «بعد فترة، انتقلت للعمل في مكان آخر، وحظيت بمجموعة جديدة من الأصدقاء التي جمعتني بهم علاقات ود وصداقات عائلية أيضاً، ولكن بعد فترة تغيرت الأجواء بيننا ووقع الكثير من المشاكل التي تسببت في فصل أحدهم لأخطاء ارتكبها، وفوجئت بأنه يقطع علاقته بي، ويتهمني أنني لم أقف معه، وقد عانيت نفسياً فترة طويلة بسبب هذه الاتهامات وشعرت أن الخلط بين الصداقة وبين العمل لا يكون صائباً في كل الحالات».
وتتابع: «تعلمت من هذه التجربة، وأصبحت حريصة على أن أضع حدوداً واضحة بين العمل والعلاقات الشخصية، وأصبحت أدرك أن الزمالة يجب أن يسودها الاحترام والتعاون، ولكن يجب أن تكون بعيدة عن المشاعر الشخصية، وعن المعايير العالية التي تفرضها الصداقة، والتي تسمح بكشف الأسرار الشخصية والحصول على النصائح المخلصة، وهي أمور لا يمكن أن تسمح بها مجرد الزمالة».
هالة الجندي: بيئة تتطلب علاقات مثمرة وتعاوناً
تقول هالة الجندي أخصائية موارد بشرية ومدربة تنمية بشرية: «بيئة العمل الجيدة داخل أي شركة، جزء من مهام إدارة الموارد البشرية، ومن المهم أن يتم الحرص على أن يسود التآلف والمحبة والتعاون بين العاملين، بل إن واحدة من عناصر التقييم السنوية لكل موظف هي مدى قدرته على العمل بنجاح ضمن الفريق وقدرته على التواصل بشكل جيد، وإقامة العلاقات المثمرة مع باقي فريق العمل».
وأشارت إلى أن الإدارة تحرص على القيام بكثير من الأنشطة التي تقرّب بين الموظفين، مثل تنظيم الرحلات أو المشاركة في المناسبات الخاصة كأعياد الميلاد أو المناسبات العامة مثل الأعياد أو إفطار رمضان، وبعضها لابد من تشجيع العاملين أن يحضروا أفراد أسرهم فيها لزيادة الروابط بين العاملين، ومع ذلك لا تهدف كل هذه الأنشطة والفعاليات لإقامة صداقة بمعناها المفهوم بين العاملين، وإنما لزيادة التقارب والتفاهم والتواصل والمودة بين العاملين بما يخدم مصلحة العمل.
وتتابع: «يجب إدراك أن إدارة العلاقات في أماكن العمل يجب أن تتم وفق قواعد وإطار واضح، فقد يحدث أحياناً أن تعوق الصداقة بعض تفاصيل العمل، فالمدير مثلاً يجب أن يقوم بعمل تقييم سنوي موضوعي لأداء كل موظف فإذا كانت هناك صداقة عميقة تجمع بين المدير وأحد الموظفين هل سيكون ذلك عادلاً لباقي الموظفين، وهل سيتم تفضيل أحدهم في الترقية أو العلاوة بناءً على هذه الصداقة، أم بناء على اعتبارات العمل الموضوعية، وهل إذا ربطت الصداقة بين أكثر من موظف في مكان ما وحصل خطأ يستوجب التحقيق هل ستلعب الصداقة بينهم دوراً في إبعاد الخطأ عن أحدهم، وجعل آخر يدفع الثمن».
واختتمت بقولها: «كل هذه اعتبارات تحدث داخل بيئة العمل، ولا يعني ذلك أن الصداقة بين الموظفين أمرٌ مرفوضٌ أو معيبٌ، ولكن يجب ألا تؤثر على القرارات والتصرفات داخل أي مؤسسة أو شركة، وإلا اعتبرت أمراً معوقاً لبيئة العمل، وليس داعماً له كما يريد الجميع».
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.