منوعات / صحيفة الخليج

وظيفة المستقبل.. ميول متضاربة بين الأبناء والآباء

تحقيق: راندا جرجس

حدد أولياء أمور وطلاب جامعيون عدداً من الأسباب المؤثرة في التوجه المستقبلي واختيارهم للتخصصات الأكاديمية في المرحلة الجامعية، وقالوا ل«الخليج»: إن تحديد المسار واتخاذ القرار الصائب للمجال الدراسي الصحيح، شكل مرحلة ليست واضحة المعالم، خصوصاً مع صعوبة إدراك طبيعة المجال الذي يريده الأبناء ومميزاته وسلبياته وتأثيره في مستقبلهم المهني، خصوصاً مع الخيارات المتاحة، ومدى رفضهم أو تماشيهم مع وجهة نظر أولياء الأمور، لتكملة مسيرتهم والحصول على مهن ترتبط بالوجاهة الاجتماعية.
حول الميول المتضاربة بين الأبناء والآباء كانت هذه السطور.
تؤكد سوزان جويلي، معلمة لغة ، أن عمليات اختيار المسارات الدراسية والمهنية شهدت في العقود الأخيرة تغيرات جذرية تتجاوز توجيهات الوالدين، ففي الماضي، كانوا يلعبون دوراً حاسماً في توجيه اختيارات أبنائهم، ولكن في هذا العصر هناك تحولاً نحو اتخاذ الشباب قرارات مستقلة وفقاً لاهتماماتهم وطموحاتهم الشخصية، ويعزى ذلك إلى التقدم التكنولوجي وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، التي فتحت آفاقاً جديدة وزادت من وعي الشباب بالخيارات المتاحة، وأصبح شباب هذا الجيل قادراً على الوصول إلى معلومات أكثر وتبادل الآراء والخبرات مع أقرانهم في أنحاء العالم، ما جعلهم يتساءلون عن خيارات جديدة وغير تقليدية في مساراتهم التعليمية والمهنية.


وتشير إلى أن الطموحات تتزايد بفضل هذا التوجه الجديد، حيث بدأ الشباب يفكرون ويسعون إلى تحقيق أهدافهم بمزيد من الحرية والاستقلالية، وبالتالي يكون لديهم شغف لإثبات الذات، وتعزيز تأثيرهم الإيجابي في المجتمع من خلال اختياراتهم في مساراتهم الحياتية، ولا نغفل أبداً التغيرات التي حدثت في شكل التعليم والمستقبل على مدى عقود سلفت، ومدى استجابة سوق العمل والفرص التي تتوفر والتخصصات التي ولدت واتسعت، ومن ثَم انقسام الكليات إلى أقسام متعددة، فظهرت تخصصات جديدة ارتبطت بالتطور التكنولوجي والتقني وثورة المعلومات وخاصة الحاسوب والبرمجة والزراعة، فضلاً عن اللغات الجديدة التي أصبحت لها ضرورة وبصمة حقيقية في مجال الدراسة والعمل.
آفاق مهنية 
انطلاقاً من تجربتها الشخصية مع أولادها تقول رويدة علايلي، معلمة: «أدرك تماماً التحديات والفرص التي تواجه طلاب الجامعات في اختيار مساراتهم الدراسية، وأعتقد أن هناك عوامل مؤثرة تلعب دوراً كبيراً في هذه الاختيارات، ومن أهمها الاهتمامات والشغف الشخصي للطلاب، حيث يتجهون نحو التخصصات التي يجدون فيها شغفاً حقيقياً، ما يعزز من حماسهم وتفوقهم الأكاديمي».
وتؤكد أن «القدرات الأكاديمية والمهارات العملية تمثل عاملاً حاسماً، إذ يميل الطلاب الذين يمتلكون مهارات قوية في مجالات معينة، مثل الرياضيات أو العلوم إلى اختيار التخصصات التي تعتمد بشكل كبير عليها، مثل الهندسة أو الفيزياء، كما يأخذ الطلاب في الاعتبار الآفاق المهنية المستقبلية، حيث يسعى الكثيرون لاختيار المجالات التي توفر فرص عمل جيدة ومستقرة، خاصة في ظل الاقتصاد العالمي المتغير». 
وتشير إلى أن «التأثيرات الأسرية والاجتماعية تلعب دوراً مهماً في تحديد اختيار الطالب الدراسية، حيث يتأثر بعضهم بتوقعات العائلة أو بما يرونه من معايير مجتمعية تقدر مهناً معينة على أخرى، ومن جهة أخرى يمكن أن يكون للمعلمين والمستشارين الأكاديميين تأثير قوي من خلال توجيه الطلاب وإعطائهم رؤية قيمة حول مختلف التخصصات وفرصها، ونرى في جيل اليوم أن بعض الطلاب قد يختارون التخصصات التي تتعلق بقضايا عالمية ومجتمعية ملحة، ما يعطيهم شعوراً بالإسهام في حل المشكلات الكبيرة».
ميول وقدرات
وترى علا سعيد، مهندسة معمارية، أنها أدركت مدى صعوبة اتخاذ قرار اختيار مسار التعليم الجامعي المناسب، عندما وصل ابنها إلى مرحلة ، «حيث إن الأبناء يكونون في هذه المرحلة حائرين ومشتتين، وعلى الأغلب تكون توقعات الأهل من الأساسيات المساعدة في تحديد توجهاتهم الجامعية والوظيفية ورؤية مستقبلهم، وعلى الرغم من الخيارات الحديثة والمتعددة المتاحة، إلا أن بعض أولياء الأمور يعتقدون أن كليات القمة هي الملاذ والطريق الصحيح للحصول على المهن التي ترتبط بالوجاهة الاجتماعية، وبالتالي ويفرضون قراراتهم على أبنائهم من دون أن يتركوا لهم الحرية في اختيار ما ينسجم مع قدراتهم ورغباتهم».


وتشير إلى أن «اختيار مجال الدراسة الجامعية والعمل يجب أن يكون نابعاً من ميول الإنسان، وأن يتمتع الأبناء بحرية اختيار التخصص الذي يناسبهم، ويجب أن يقتصر دور الأهل في التوجيه والاقتراح، كما أن هذا العصر يتيح أمام الشباب العديد من التوجهات للمجالات المتنوعة، وتأخذ حيزاً من تفكير الشباب كالطب النفسي ودراسة القانون، وفي بعض الأحيان يقوم بعضهم بالدمج بين أكثر من تخصص، باحثين عن التميز والتطور وتحقيق الذات. 
تغيير الاتجاهات 
ويرى جورج زكريا، طالب في كلية الصيدلة، أن «بعض الشباب ما زالوا يميلون إلى تكملة مسار آبائهم المهني، وينبع ذلك عن التأثر بالنموذج الأسري، والدعم الذي يقدمه الآباء لأبنائهم في المجال نفسه، بالإضافة إلى الضغوط الاجتماعية أو العائلية التي تدفع نحو هذه المسارات، وبالمقابل هناك شريحة من الشباب تسعى لتغيير الاتجاهات والبحث عن شغفها الخاص بعيداً عن مجالات العائلة، وخصوصاً مع تزايد الفرص المتاحة في مجالات جديدة وغير تقليدية».


وتابع: «لم أكن حريصاً على تكملة مسيرة والدي التعليمية، حيث كان اختياري مبنياً على جودة التخصص والفرص المتاحة في العمل وشغفي الخاص والبحث عن تجربة تعليمية جديدة ومستقلة، خصوصاً مع ظهور الكثير من التخصصات الحديثة التي اقتحمت سوق العمل، وتلعب دوراً فعالاً في الاختيارات، وأصبحت محط اهتمام الأجيال الجدد، ومن أبرزها الذكاء الاصطناعي وعلوم الآلة، تحليل البيانات، التجارة الإلكترونية، التسويق الرقمي، والأمن السيبراني». 
تحدي وتنوع 
تشير الطالبة ريم عيسى التي بدأت مشورها الجامعي في دارسة المختبرات الجنائية، إلى أن اختيارها لهذا الاختصاص البعيد تماماً عن مجالات والدها، كان من منطلق إيمانها بأنه يقدم للطلاب فرصة فريدة للإسهام في تحقيق العدالة، حيث تعد المختبرات الجنائية ركناً أساسياً في النظام القضائي بفضل دورها الحاسم في تحليل الأدلة وحل الجرائم، بالإضافة إلى رغبتها في تحقيق شغفها بالعمل في هذا المجال الذي يتسم بالتحدي والتنوع، والذي يتطلب التعامل مع مشاكل معقدة واستخدام أحدث التقنيات والطرق العلمية بشكل يومي.
وتتابع: «حرصت عند اختيار مجال دراستي الجامعية على التوازن في اختيار تخصص يجمع بين الشغف والطموح وسوق العمل، ووجدت في المختبرات الجنائية العلوم في سيناريوهات الحياة الواقعية، ما يعزز فرص النمو الوظيفي، كما يتيح هذا العمل التعاون المستمر مع محترفين من تخصصات متعددة، مثل البيولوجيا والكيمياء والفيزياء وتكنولوجيا المعلومات، الأمر الذي يخلق بيئة ديناميكية وتعاونية». 
استكشاف المجالات 
لم يتبع أحمد عويس الذي يدرس في مجال الوسائط المتعددة والتصميم والجرافيك، مسار الدراسة والعمل لوالديه، ويقول: «اعتمدت في اختيار مجال دراستي الجامعية، على رغبتي في الاستقلالية والبحث عن تجربة جديدة، واستكشاف مجالات مختلفة».


ويرى أن «التخصصات الحديثة، مثل علوم البيانات والذكاء الاصطناعي أصبحت في صدارة اهتمامات سوق العمل، حيث توفر فرصاً كبيرة في مختلف القطاعات».
ويضيف: «يسعى الكثير من الشباب في هذا الجيل لاختيار المجالات التي تحقق الاستقلال المهني، ويأتي ذلك من الرغبة في الحرية المالية وعدم الارتباط بالعمل الثابت، ويزداد هذا التوجه مع تطور التكنولوجيا والتحول الرقمي، حيث أصبحت الفرص متاحة للشباب لبدء مشاريعهم الخاصة بأقل التكاليف».
تطوير القدرات يحقق إنجازات استثنائية
تقول نورة بن سلوم، أخصائية نفسية: «كأم لخمسة أبناء، أعيش تجربة مميزة تسمح لي بمشاهدة التغيرات التي تحدث في مسار الأجيال، ففي الماضي، كان من المتوقع أن يسير الأبناء على خطى آبائهم المهنية، ولكن اليوم، أرى أن هذه القاعدة قد تغيرت، وصاروا يملكون الحرية في اختيار مساراتهم الدراسية والمهنية، بناءً على اهتماماتهم وشغفهم، بعيداً عن تأثيرات التقليد الأسري الصارم، وقد لعبت التكنولوجيا والانفتاح على العالم دوراً فعالاً في هذا التغيير». 


وتضيف: «أسهمت المنصات التعليمية المختلفة عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي في فتح نافذة واسعة من المعارف والثقافات والمهن التي لم تكن متاحة في الأجيال السابقة، ما ساعد على إثراء فضول أبناء هذا العصر ومنحهم القدرة على الطموح بمستويات أعلى والتفكير بطرق مبتكرة». 
وتابعت: «يجب على الوالدين احترام قرارتهم وتوجهاتهم ودعمهم وتشجيعهم على استكشاف كل جديد والبحث عما يحقق سعادتهم وينمي مهاراتهم، والحرص على أن يتلقى كل منهم التعليم الذي يتناسب مع قدراته واهتماماته، لكي يتعلموا الاستقلالية في اتخاذ القرارات ليكونوا مساهمين إيجابيين في المجتمع». 
ونصحت بأهمية تحفيز الأبناء على اختيار التخصص والمجال المهني الذي يتناغم مع شغفهم واهتماماتهم الشخصية، لتحفيز الإبداع ودفع الأبناء نحو تحقيق النجاح والتميز في مجال الدراسة والعمل، حيث إن الاختيار المبني على الشغف وتطوير القدرات يؤدي إلى إنجازات استثنائية.

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا