منوعات / صحيفة الخليج

«فايند مي فولينج».. استراحة من التوتر

يبحث كل مشاهد عن يهرب من خلاله إلى عالم آخر يبتعد فيه عن واقع يومياته المليء بالتعب وربما الهموم وكل ضغوط الحياة، أضف إليها التوتر الذي يعيشه العالم والقلق من كثرة اشتعال حروب وصراعات في مناطق عدة، والحديث عن «احتمال» اندلاع حرب عالمية ثالثة.. ووسط الكم الهائل من أفلام العنف وأفلام الرعب التي تكثر في مثل هذا الموسم من كل عام، تعرض «نتفليكس» فيلماً رومانسياً كوميدياً خفيفاً، ربما يشبه الكثير من الأفلام الرومانسية لكنه يختلف عنها بهويته التي تحملنا ولأول مرة إلى جزيرة قبرص، حيث المناظر الطبيعية الجميلة والحياة البسيطة والتقاليد والعادات والأغاني.. «فايند مي فولينج» فيلم ناعم أمريكي اللون بنكهة يونانية.
الهروب إلى الراحة والطبيعة الجميلة لن يكون فقط حال الجمهور الذي يختار مشاهدة هذا الفيلم، بل حالة بطل الفيلم أيضاً، نجم الروك جون أولمان (هاري كونيك جونيور) الذي يعيش حالة إحباط بعد فشل ألبومه الأخير، وهو النجم المحبوب الذي عاش سنوات من الازدهار وأصبح محبوباً وله من المعجبين الملايين حول العالم، فجأة يحزم أمتعته ويقرر الهرب من أمريكا وتحديداً نيويورك فيشتري بيتاً صغيراً في قبرص يطل مباشرة على البحر، لكنه يقع على تلة مرتفعة وهو معزول لا جيران له ولا منازل حوله.. والهروب هو عنوان الفيلم، فالترجمة الحرفية ل «فايند مي فولينج» هي «هارب إلى الحب»، فما علاقة هروب جون من الفشل إلى الحب؟
بعد مشاهدة الفيلم تدرك أن «الهروب» يلازم كل شخصيات الفيلم، البطل الهارب من فشله ومن النجومية والباحث عن العزلة والسكينة في أبعد مكان على جزيرة قبرص، والبطلة الهاربة من ماضيها وحبها القديم وسرّ خبأته لسنوات طويلة، وسكان الجزيرة الذين يعيش كل منهم واقعاً يريد الهروب منه في جزء ما، لذلك اختارت الكاتبة والمخرجة ستيلانا كليريس في ثاني تجربة سينمائية لها مع الأفلام الطويلة (أول فيلم طويل كان «كوميتد» عام 2014)، وهي التي تعتبر أول من جاء بالفيلم القبرصي ليعرض على منصة «نتفليكس» بهذا العمل الناجح، اختارت ابنة قبرص أن تقدم جانباً من حياة مجتمعها، وتكتب عن رغبة الهروب التي يعيشها الإنسان ويمر بها في كثير من الأحيان، حتى والدة البطلة المرأة العجوز ماريكو (أنجيليكي فيليبيدو) التي تعتبر أنها أدت مهمتها في هذه الحياة وتنتظر الموت في كل لحظة، وتجسد ستيلانا الحالة النفسية لشخصياتها وللمعنى الحقيقي للفيلم باختيارها تصوير معظم أحداث فيلمها في هذا المنزل الذي يقع على جرف يقصده أهالي المنطقة فقط رغبة في الانتحار، وهذا ما يكتشفه جون بعد يوم من سكنه في المنزل الذي اشتراه بسعر مغرٍ ولم يكن يعلم بحقيقة ما يحصل، ويشهد حالة انتحار لشاب ومحاولات انتحار لآخرين..
لا تقتصر ميزة الفيلم على مناظره الطبيعية والبحر الأبيض المتوسط، وتقديم مؤلفته ومخرجته جوانب من الحياة في قبرص وتنقلها بالكاميرا في بعض الشوارع الضيقة والمنازل المتلاصقة الجميلة، ولا بالقصة الرومانسية الهادئة، بل أيضاً بالمعنى الحقيقي الذي تقدمه من خلال استعراض مجموعة قصص قصيرة لنماذج مختلفة والنهاية التي تحملنا إليها والتي يمكن اختصارها بعبارة صغيرة كتبها البطل على لوحة خشبية وضعها عند الجرف ليمنع من خلالها الناس من الانتحار، ويحمله على التفكير قبل اتخاذ الخطوة، عبارة «لنتحدث بالأمر» تختصر الكثير وتعني الكثير.
أول صدمة يتلقاها جون في هذا المنزل الصغير الجميل، رؤيته لشاب يرمي بنفسه من على بعد خطوات من المنزل ليسقط ميتاً من هذا المرتفع الذي يؤدي مباشرة إلى تعرجات صخرية على حدود البحر، يتصل بالشرطة فيأتي مسؤول الشرطة مانولي (طوني ديميتريو) مع معاونيه وسيارة إسعاف ويخبره بأن الأمر طبيعي، فهذه النقطة بالذات يعتبرها أهل المدينة ملاذهم للانتحار، ويقصدها الكثير من الناس من مختلف الأعمار، لذا على جون الاستعداد لمشاهدة هذه الحالة أكثر من مرة «في الشهر لا في السنة» كما يقول مانولي، ما يثير استغراب جون ويدفعه للتفكير في بناء سور يفصل بين منزله والجرف علّه يستطيع منع هؤلاء من إنهاء حياتهم، خصوصاً أنه اشترى هذا المنزل كي يعيش فيه بسلام وبعيداً عن التوتر وضغوط الحياة والهموم.
لم نفهم لماذا اختار نجم الروك الانتقال من نيويورك إلى قبرص تحديداً، إلى أن يقوم مانولي بدعوة جون إلى جولة في المدينة وتعريفه ببعض السكان في المنطقة المجاورة، وكان جون قد زار السوق والتقى صاحبة محل بقالة أشبه بالسوبرماركت تدعى كولا (ليا ماليني) تساعده على شراء مستلزمات المنزل والمطبخ كونه غريباً ويعيش وحده، ويتفق معها على إرسال المشتريات إلى منزله «ديليفري»، فتسأله إن كان مريضاً أو عاجزاً في تلميح من الكاتبة إلى رفاهية أهل نيويورك واعتيادهم على شراء طلباتهم بالهاتف بينما ما زال أهل قبرص يعتمدون على أنفسهم، حتى المرأة المسنة تشتري حاجاتها وتذهب إلى السوق بنفسها.
يدخل مانولي وجون إلى الحانة حيث تغني فتاة شابة اسمها ميلينا (ألي فوميكو ويتني)، مغنية طموحة كلها حيوية وتتمتع بصوت قوي وجميل، تلفت نظر جون أولمان، وتحرص هنا الكاتبة والمخرجة على تقديم تشكيلة من المطبخ القبرصي وعادات أهل البلد.. مانولي يأخذ جون أيضاً إلى مكان يجتمع فيه نخبة من كبار الجزيرة، من بينهم العمدة كيرياكو وأشهر طبيبة هناك الدكتورة سيا (أجني سكوت) التي يفاجأ بها جون ويبدو أنهما على معرفة سابقة.. لاحقاً نعرف أن بينهما قصة حب قديمة، تتجدد على هذه الجزيرة، ويبدو أنها هي سبب اختيار جون قبرص مكاناً للاستراحة والابتعاد عن الشهرة والضوضاء، لقاء يغير مجرى حياة سيا وجون وميلينا أيضاً، وينقل المشاهد إلى مرحلة جديدة من القصة.. تسلسل منطقي وسلس للأحداث، يجعل الساعة و33 دقيقة تمر سريعاً، بلا أي إحساس بالملل، خصوصاً أن ستيلانا كليريس تواصل تقديم نماذج متنوعة من الشخصيات الثانوية لكن كل منها يشكل نموذجاً لحالات إنسانية اجتماعية مهمة.. فكل حالة تُقدم على محاولة الانتحار تحمل معها قصة مختلفة، من بينها ابنة مانولي نفسه التي يكون جون سبباً في إنقاذها ومصالحتها مع والديها، وهي نموذج تريد الكاتبة من خلاله دعوة الأهل إلى الانفتاح والتحدث مع أبنائهم وبناتهم واستيعاب مشاكلهم بحكمة.
إلى أين يصل جون بعلاقته بالأم سيا وابنتها ميلينا؟ أحداث ممتعة وتحولات تستحق المشاهدة، ونهاية اجتماعية إيجابية بدعوة الناس إلى التحدث عن مشاكلهم لا التمسك بالخوف من الحديث والتزام الصمت وفق التقاليد وخوفاً من العادات حتى أصبح الانتحار عادة اجتماعية.
أداء الممثلين مناسب، هاري كونيك جونيور هو بالأصل مغن وعازف بيانو وملحن وممثل أمريكي، وأجني سكوت ابنة قبرص اشتهرت بأعمال أمريكية، وألي فوميكو ويتني ممثلة درست المسرح الموسيقي، أمريكية من أصل ياباني إنجليزي اسكتلندي، وباقي الممثلين من قبرص لكنهم جميعاً يجيدون الانجليزية ولا نسمع حواراً باللغة اليونانية سوى قليلاً، خصوصاً بين سيا ووالدتها.

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا