الارشيف / عرب وعالم / بالبلدي

حسن فتحي .. العبقري والفنان والإنسان

بقلم ✍️ د.محمد يحيى (كاتب و مدرس بكلية الصيدلة جامعة السادات)

لطالما كانت العبقرية والتفرد مثار إعجاب وإكبار، ولطالما اتسعت الاحداق أكثر وزاد الانبهار أكثر عندما تأتي هذه العبقرية العقلية مصحوبة بقلب متشبع بحب متدفق للخير وبعين الفنان العاشق للإبداع و الجمال.
ومن هؤلاء الأعلام الذين تحققت فيهم هذه المعادلة الصعبة كان المهندس العبقري المتفرد حسن فتحي. فهذا الرجل الذي أذهل العالم بتصميماته المعمارية وبفكره الهندسي اللامع قد جعل شاغله الشاغل هو استغلال هذه العبقرية في سبيل حل مشكلة السكن عند الفقراء وابتكار حلول هندسية تحسن من الظروف المعيشية لهم.
فعندما نظر هذا المهندس الفذ إلى أحوال بيوت فقراء الفلاحين في النصف الأول من القرن العشرين، لم يكتف بأن يلقي نظرة عابرة و أن يمط شفتيه في أسف ويمضي إلى حال سبيله، بل إنه قد تمنى في إخلاص أن يفعل شيئا ليحسن من ظروف سكنهم وأن يصمم نموذجا لمسكن صحي بتكلفة يتحملها من يعانون من شظف العيش وشدة الفقر، و ما لبثت هذه الأمنية ان ملأت عقله وقلبه وشغلته بسموها ونبل قصدها فأنطلق يصوغ تصميمات مبهرة وحلولا مبتكرة أذهلت العالم كله..
وانكب الشرق والغرب يتأملها ويدرسها في اعجاب وانبهار. أراد هذا المهندس الفذ أن يوفر مسكنا صحيا و لائقا بأقل التكاليف ليتحملها شديدو الفقر، فطرح فكرة الاعتماد على مواد البناء من والاعتماد على مزيج من الابتكار و الأفكار التراثية لتطويع هذه المواد لتفي بإحتياجات الريف، كما أمل أيضا أن يساهم البناء التعاوني في الحد من كثير من تكاليف البناء، ومضى هذا الرجل الحكيم ينبه في ذكاء إلى أنه بينما يسهل على عشرة أشخاص ان يبنوا عشرة منازل مختلفة في الريف إلا أن الفرد الواحد لا يستطيع بناء منزل واحد بمفرده.
وفي غمرة الاهتمام بتقليل التكلفة وتوفير مواد البناء من البيئة، فإن هذا العبقري قد اهتم في تصميماته أيضا بمراعاة التهوية والإضاءة ودرجة الحرارة داخل هذه المساكن.
بل أنه أراد أن ينشر الوعي بهذه المفاهيم الهندسية بين فقراء الريف لكي يراعوا هذه الجوانب المهمة للنواحي الصحية والحياتية.
كما أن هذا الفنان المبدع قد اهتم ايضا بالجانب الجمالي في تصميماته و أكد على حاجة الانسان للجمال في حياته وأهتم اهتماما كبيرا باللمحات الجمالية في تصميماته. و بالإضافة الى ذلك فقد اهتم بإستلهام التراث في تصميماته و عبّر عن اهتمامه بالجوانب الثقافية و الاجتماعية ليعبر التصميم عن روح وشخصية المكان والانسان.
ولأن أكثر الافكار عبقرية هي اكثرها بساطة، فقد جاءت هذه التصميمات و الأفكار مبهرة في عبقريتها وبساطتها في آن واحد. وإن القارىء لكتاب “عمارة الفقراء” للمهندس حسن فتحي والناظر إلى عرضه المنطقي و المتسلسل ليخيل إليه أن هذه التصميمات العبقرية هي في قمة السهولة و في غاية البساطة.
وهنا يتجلى جانب آخر من عبقرية هذا الرجل الفذ، فإلى جانب العبقرية و الشمولية في الهندسة و المعمار، فإنه لم يغب عن هذا العبقري أن يجلس إلى مكتبه ويخط بالقلم تجربته و أفكاره الهندسية لكي يشرحها وينقلها إلى معاصريه وإلى الأجيال اللاحقة.

ولم يكن غريبا في خضم كل هذا الألق ووسط كل هذه العبقرية أن يكون حسن فتحي هو أول فائز بجائزة نوبل البديلة وأول فائز بجائزة “الأغاخان” المرموقة في مجال العمارة وأن يحظى بغيرهما الكثير من الجوائز ومن أشكال التكريم المحلية والعالمية وأن يسطر لنفسه مكانا في قمة العبقرية الهندسية وفي قمة الفن والابداع وفي قمة الإنسانية وحب الخير، وأن يكون اسمه مقترنا على الدوام بلقب العبقري والفنان والإنسان.

إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"

المصدر :" almessa "

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة بالبلدي ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من بالبلدي ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا