في رحلة العودة إلى مدينة نجران الحبيبة، كما يحلو لي تسميتها، قادماً من الرياض، كتبت إلى أحد أصدقائي المقربين قائلاً «اليوم تستقبلني نجران الحبيبة، بعد فراق طويل دام أياماً وشهوراً، فاتحة ذراعيها، مرحى.. مدينتي الحبيبة، الليلة تستقبلني جبالها بالأحضان، اليوم أستنشق عطر ترابها، لحظة وقوع المطر بها، اليوم أشاهد قطرات المياه العذبة، وهي تنهال من السماء بسخاء، وتسيل دفاقة على شعاب وديانها الخضراء، اليوم أتسلق سفوح تلالها الصخرية الوعرة، ويتسنى لي الركض في سهل وادي الأخدود الخصيب، اليوم استطيع التنزه في غابتها وارفة الظلال، المسماة غابة «سقام»، والاستمتاع برؤية سمائها المرصعة بملايين النجوم المتألقة البراقة.
أتذكر ذات مرة كنت أتمشى مع صديق بنجران على أطراف وادي الأخدود، الفجر لم يكن قد طلع بعد، لكن الشفق الذي يسبقه كان قد تبَدّأ، وأحاطت بالوادي كهالة من الضياء، المشوب بالضباب، رأيت تحت ضوء القمر البعيد، الحقول الخضراء المنبسطة، وغابات أشجار النخل المتشابكة، وسعف الجريد يتمايل مع النسيم الرقيق، ويصدر هفيفاً جميلاً، لعمري ذاك صوت أعرفه وتألفه نفسي، كوشوشة الأحبة.
وحمل الهواء إليَّ نفحة من رائحة الأرض المشبعة بالندى، والمختلطة برائحة الأوراق المبتلة، وتنفس الأشجار ليلاً، وأرخيت أذني لهسيس الريح، وسمعت تردد أصواتاً تأتي من بعيد، ميزت بعضها، نباح كلب وغثاء شاه، وأصداء عرس بعيد، وسمعت وقع أرجلي على الأغصان المتكسرة، والعشب اليابس، تمنيت أن أخلع حذائي وأسير حافياً، على أرض الوادي الندية، وأتمدد على الأرض، وأتأمل روعة السماء، المرصعة بآلاف النجوم المتلألئة في سماء هذه المدينة الهادئة.
وفي مرة أخرى بأوائل الصيف، ذهبت بصحبة أحد أصدقائي المقربين، إلى متنزه الملك فهد، المشهور باسم سقام، دهشت من هذا المكان الفريد الذي تخبئه هذه المدينة الهادئة، فالجو هنا لطيف للغاية، والهواء بارد ومنعش، والخضرة تحيط بالمكان وتكسوه بهجة وجمالاً، كأنك في معزل عن العالم، وضجيج الحياة، فالمساحات الخضراء فيه تبدو مبسوطة كراحة اليد الطويلة، ولا غرو أن يقصده المتعبين من كدر الدنيا وهموم الحياة، فالمتنزه يبدو حقا كينبوع للجمال، لذلك يقصده محبي الهدوء والطبيعة، والعديد من العائلات والأطفال ومحبي المشي والرياضة، الذين يستمتعون برحابة وحميمية المكان.
قلت في نفسي، لا بد أن هذه المدينة الجميلة، ينتظرها موعد مشرق مع المستقبل القريب، فهي تمتلك مقومات جيدة، تستطيع أن تنافس بها في سوق السياحة المحلية والاقليمية، فالطقس هنا جميل، طوال العام باستثناء أوقات محددة بشهور الصيف، كما أنه أكثر اعتدالا، من غيره في مدن أخرى، فالمنطقة تجمع بين الطبيعة الخلابة، والطقس المعتدل، والتاريخ المشبع بالثقافة والآثار، فضلاً عن البنية التحتية الحديثة التي تمتلكها.
كل تلك المقومات التي ذكرتها أنفا، كفيلة بأن تؤهلها، أن تكون وجهة سياحية مطروقة وجاذبة، محلياً واقليمياً، مما سيجلب إليها المزيد من الفرص الواعدة، في مجالات كثيرة ومتعددة، لبناء المنتجعات السياحية مما يعزز النشاط الخدمي والترفيهي فيها، فهذا سيمكنها حتماً من تنويع مصادر دخلها، بجانب الزراعة والرعي والتجارة، حتي ينعم مواطنوها بمزيد من الأمان والرفاه والعيش الرغيد، تحت ظل القيادة الرشيدة «حفظها الله»، وذلك بمثابة موعد مع المستقبل أو لقاء محتوم.
قلت في نفسي، لابد أن هذه المدينة الجميلة، ينتظرها موعد مشرق مع المستقبل القريب
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة اليوم ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة اليوم ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.