في دهاليز السياسة الدولية، حيث الكلمات تزن ذهباً والصمت يحمل ألف معنى، تتشابك خيوط مفاوضات دقيقة بين إيران والولايات المتحدة حول برنامج طهران النووي لا يبدو أن الهدف المنشود يلامس آفاق اتفاق شامل ينهي كل التباس، بل يحوم حول "هدنة نووية" محددة الأطر والزمن. الخبير الإيراني رحمان قهرمان بور، يقرأ المشهد الحالي بعين الخبير، مؤكداً أن الطرفين لا يمتلكان الآن تلك الشرارة السياسية الكافية لإشعال فتيل تسوية جذرية يرى أن واشنطن، تحت قيادة رئيس يعيش نشوة "شهر عسل سياسي"، قد تكون أكثر تقبلاً لحلول وسطى ترضي الطرفين مؤقتاً لكنه يحذر في الوقت نفسه من أن نافذة الفرص قد تغلق بحلول سبتمبر القادم، ليصبح الرئيس الأمريكي هدفاً سهلاً لانتقادات خصومه إذا لم يتحقق أي تقدم ملموس. المحادثات الفنية، التي وصلت إليها الجهود الدبلوماسية، تعتبر في حد ذاتها نقطة ضوء في النفق عناوين النقاش تدور حول دقة التخصيب، وحجم المخزون من المواد النووية، وأنواع أجهزة الطرد المركزي المستخدمة، وطبيعة الأنشطة في مواقع استراتيجية مثل فردو ونطنز. ويلوح في الأفق شبح خلاف مبكر، فإيران وضعت خطاً أحمر واضحاً: الملف الصاروخي خارج طاولة المفاوضات ولو أصرت واشنطن على إقحامه، لكان الانسحاب الإيراني هو السيناريو الأقرب. بعد جولة حوار ثانية في روما وصفت بالإيجابية، تستعد سلطنة عُمان لاستضافة الجولة الثالثة من المباحثات على مستوى الخبراء الفنيين هذه اللقاءات تحمل في طياتها آمالاً حذرة في تلطيف الأجواء وتقريب وجهات النظر. على الصعيد الداخلي الإيراني، يؤكد قهرمان بور على ضرورة تحصين هذه المفاوضات من رياح الخلافات السياسية الداخلية فالإجماع الوطني حول دعم الفريق المفاوض يمثل درساً قيماً من تجربة الاتفاق النووي السابق ويبدو أن الرئيس مسعود بزشكيان قد منح فريقه الثقة اللازمة، وهو ما انعكس ارتياحاً حتى في أوساط التيار المحافظ. في الختام، يشير الخبير الإيراني إلى حاجة الطرفين لهذه المفاوضات فواشنطن تسعى لكبح جماح البرنامج النووي الإيراني عبر المسار الدبلوماسي، بينما تسعى طهران لتخفيف الضغوط الاقتصادية والسياسية وحتى اللحظة، لم تتجاوز الولايات المتحدة "الخطوط الحمراء" التي رسمتها إيران لنفسها في هذا الحوار الحساس يبقى السؤال معلقاً: هل تنجح هذه الهمسات النووية في التوصل إلى صيغة تهدئة مؤقتة تحمي المنطقة من تصعيد غير محسوب؟