قال مختصان في قطاع الطاقة: إن السعودية تقود ثورة شاملة في قطاع الطاقة في ظل التحولات العالمية المتسارعة، معتمدة على إستراتيجيات مبتكرة تجمع بين النفط، والطاقة المتجددة، والتقنيات الحديثة. وأضاف المختصان، أن السعودية تسعى لتحقيق استدامة اقتصادية وبيئية ضمن رؤية طموحة ترسخ مكانتها كرائدة عالمية في صناعة المستقبل، وذلك من الهيدروجين الأخضر إلى الذكاء الاصطناعي. خطوات ثابتةقال د. عبدالرحمن القاسم، أستاذ الطاقة الكهربائية المشارك وباحث في شؤون الطاقة، إن السعودية تخطو خطوات ثابتة نحو تحقيق التحول في قطاع الطاقة، بما يتماشى مع "رؤية 2030". وأضاف أن إستراتيجية السعودية تستند إلى كلمات صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، التي أكد فيها ضرورة تحقيق تنوع اقتصادي من خلال برميل النفط، وبرميل البتروكيماويات، وبرميل الاستثمارات العامة، ومزيج من الخيارات الاقتصادية الأخرى. وأشار القاسم إلى أن على مر العقود، كانت السعودية واحدة من أكبر المنتجين والمصدرين للنفط، مما جعلها لاعبًا رئيسًا في سوق الطاقة العالمي. وأوضح أن اليوم، يتوسع هذا الدور ليشمل الصورة الأكبر للطاقة بمصادرها المتعددة وتقنياتها المختلفة. مركز عالميولفت إلى أن في ظل النشاط المستمر في استضافة الملتقيات والمؤتمرات وصناعة الاستراتيجيات التي تساعد على تحقيق أهداف التنمية المستدامة، أصبحت السعودية مركزًا عالميًا رئيسيًا لمناقشة قضايا الطاقة وتقنياتها واستراتيجياتها، بما يتوافق مع موقعها العالمي في قيادة سوق النفط، وتوسع هذا الدور ليشمل قيادة مشهد الطاقة العالمي بما يتناسب مع معطيات الدول المختلفة. وأضاف القاسم أن السعودية عملت مع الشركاء الدوليين لتعريف منهجيات مختلفة تساعد جميع الأطراف على اختيار ما يناسب طبيعة بلدانهم واحتياجاتهم وتطلعاتهم، لينتقل بذلك المشهد من استراتيجية واحدة قد لا تتفق مع طبيعة كثير من الدول -وخاصة النامية- إلى تنوع في الخيار الاستراتيجي هو أنسب للنجاح من خلال تبني الشركاء الدوليين لما يناسبهم من هذه الخيارات. وأشار القاسم إلى أن السعودية كانت دائمًا صوت الحكمة في أسواق الطاقة العالمية، وتقدم اليوم استراتيجيات منطقية وحكيمة تساعد على الاستفادة من التقنيات الحديثة والمصادر المستدامة للطاقة جنبًا إلى جنب مع المصادر التقليدية، والتي يصعب واقعيًا الاستغناء عنها. وأوضح أن كثيرًا من الدول النامية لا تزال بحاجة ماسة إلى المصادر التي تنتج الطاقة بكثافة عالية لاستكمال البنية التحتية على غرار ما قامت به الدول المتقدمة خلال عقود مضت، حين لم يكن هناك تركيز واضح على الاحتياجات البيئية وموازناتها بقدر التركيز على تحقيق الأهداف المرجوة من خلال توفير مصادر مركزة للطاقة. تطوير منظومة الطاقةوفي إطار الجهود المحلية، قال القاسم إن السعودية طورت منظومة الطاقة ومستهدفاتها بما يتناسب مع هرم الطاقة، الذي يبدأ بالمحافظة عليها من خلال حث المستهلكين على تغيير أنماط استخدامهم بما يسهم في تقليل الهدر، مرورًا برفع كفاءة الطاقة في الاستخدام على جميع المستويات، ابتداءً من محطات توليد الطاقة الكهربائية وصولًا إلى الأحمال المنزلية. وأشار إلى أن السعودية توسعت في تنويع مصادر الطاقة وإدخال تقنيات الطاقة المتجددة في مزيج الشبكة الكهربائية. وأضاف أن لرفع كفاءة الطاقة في قطاع المباني، الذي يستهلك ما يقارب 30% من الطاقة الأولية المستخدمة، عملت السعودية على تحديث كود البناء السعودي الذي يتضمن معايير فنية تُعنى بكفاءة الطاقة في قطاع المباني الصناعية والتجارية والسكنية. وأفاد بأن من أبرز هذه الجهود: العزل الحراري الإجباري للمباني، والحث على استخدام الأجهزة الكهربائية ذات الكفاءة العالية، وتشجيع استخدام الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء. كما أطلق المركز السعودي لكفاءة الطاقة مبادرة دعم استبدال أجهزة التكييف مرتفعة الكفاءة من خلال دعم مادي يقدم للمستهلك عن كل جهاز يتم شراؤه. الطاقة المتجددةوقال د. حسن القرني، أستاذ الطاقة المتجددة المشارك، إن في مجال الطاقة المتجددة، تعمل السعودية بخطى متسارعة لتحقيق مستهدف 50% من الطاقة الإنتاجية من مصادر الطاقة المتجددة. وأضاف أن السعودية أوجدت لذلك إطارًا ساعد على خفض تكلفة إنتاج الكهرباء وتحقيق أرقام قياسية عالمية، وأدخل القطاع الخاص في منظومة تنفيذ هذه المشاريع، من خلال تحالفات تضمن قدرة المتنافسين على تحقيق مستهدفات تلك المشاريع العملاقة. وأشار إلى أن ذلك نتج عن تلك الجهود استكمال مشاريع الطاقة الشمسية، مثل: سكاكا، والشعيبة، وسدير، بقدرات إنتاج 400 و600 و1500 ميجاوات على التوالي، ومشاريع طاقة الرياح، مثل: دومة الجندل، والبحر الأحمر بقدرات إنتاج 400 و1200 ميجاوات، بالإضافة إلى العديد من المشاريع التي يجري العمل على تنفيذها. الاقتصاد الدائري للكربونولفت إلى أن في مجال التعامل مع الكربون، تتبنى السعودية نهج الاقتصاد الدائري للكربون لإدارة الانبعاثات وإيجاد الحلول التقنية التي تساعد على الاستفادة منه. د. عبدالرحمن القاسم وأفاد بأن ذلك يكون التركيز على الوصول إلى الحياد الصفري، الذي تستهدفه السعودية بحلول عام 2060 م. ونوه بأ، ذلك يأتي في تلك الجهود الحلول القائمة على الطبيعة، إذ أطلقت السعودية مبادرتين مهمتين هما "السعودية الخضراء" و"مبادرة الشرق الأوسط الأخضر"، وفيها تستهدف المملكة زيادة الغطاء النباتي بزراعة 10 مليارات شجرة خلال العقود القادمة، مما يسهم في احتجاز الكربون وتحسين جودة الحياة وحماية البيئة. الابتكار التقنيوأشار إلى أن بالنظر إلى مجال الابتكار التقني، نجد أن السعودية تستثمر بسخاء في البحث العلمي والابتكار. ففي العام 2024 م تم إنشاء هيئة تنمية البحث والابتكار، والتي حددت أربعة أهداف رئيسة، اثنين منها عنَت بالبيئة المستدامة، والاحتياجات الأساسية، والطاقة والصناعة. وقال إن الهيئة أطلقت برامجا لدعم الباحثين والمبتكرين والشركات الناشئة لتحفيزهم على تطوير أبحاثهم وابتكاراتهم في تلك المجالات. الهيدروجين الأخضروأضاف: "أن السعودية استثمرت في الهيدروجين الأخضر من خلال مشروع نيوم، الذي يستخدم الطاقة المتجددة، مثل: الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح؛ لإنتاج الهيدروجين الأخضر عن طريق التحليل الكهربائي". وتابع: "تهدف المملكة من هذا المشروع لأن تصبح أكبر منتج ومصدر للهيدروجين النظيف في العالم". وقال القرني: إن من أبرز مشاريع الطاقة في السعودية مشروع الربط الكهربائي لدول الجوار، ومنها الربط مع دول الخليج العربي، ودولتي العراق ومصر. د. حسن القرني وأضاف أن مشاريع الربط تهدف إلى تعزيز موثوقية إمدادات الطاقة، وتقليل الاحتياطي المطلوب لكل دولة، والاستفادة من فائض إنتاج الطاقة من المصادر المتجددة، بالإضافة إلى تخفيض إنتاج الكهرباء. وهذا الربط سوف يسهم إلى حد بعيد في تصدير الطاقة إلى دول أخرى في المنطقة، وإلى دول أوروبا مستقبلًا. وأشار إلى أن من جانب آخر، تعمل السعودية مع شركاء حول العالم في مجالات متنوعة منها: النفط والغاز، ومبادرات الكربون، والطاقة النظيفة، وشراكات في مجال الطاقة المتجددة والهيدروجين. شراكات عالميةولفت إلى أن من أبرز الشراكات العالمية -مع السعودية- في مجال الطاقة ما كشفت عنه أرامكو السعودية من اتفاقيات لاستكشاف فرص للتعاون مع شركات أوروبية وآسيوية، ليس لتوريد النفط والبتروكيماويات فحسب، بل ليشمل التعاون في التقنيات المتعلقة بالهيدروجين وتقنيات الطاقة المتجددة واحتجاز الكربون وتخزينه. وأضاف أن شركة أكوا باور -التي تعد شركة سعودية رائدة في مجال الطاقة المتجددة- تعمل في 13 دولة على استثمار وتشغيل محطات توليد الكهرباء وتطويرها، وتحلية المياه، وإنتاج الهيدروجين الأخضر. وقال د. حسن القرني: إن هذه السياسات والمبادرات والبرامج تؤكد أن المملكة العربية السعودية تسير بخطى ثابتة وسياسات متوازنة نحو تحقيق استمرار وتوسع الريادة العالمية في مجال الطاقة، مستغلةً مواردها التقليدية كالنفط والغاز، ومتوسعةً في تبنيها للطاقة المتجددة كالطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، والهيدروجين الأخضر، وفق رؤيتها الطموحة 2030. وأضاف أن السعودية اهتمت بالاستدامة البيئية برفع كفاءة استهلاك الطاقة وتفعيل تقنيات إدارة الكربون، وفق نهج الاقتصاد الدائري. وأشار إلى أن السعودية لم تتوقف عند جهودها الداخلية بل عمدت إلى تعزيز شراكاتها العالمية سواءً في مجال النفط والغاز، أو في مجال الطاقة المتجددة والابتكار، بما يعزز من مكانتها الريادية في قطاع الطاقة. وأوضح أن من خلال هذه الجهود تواصل السعودية دورها المحوري في قيادة مستقبل الطاقة العالمي، معززة بذلك رؤية طموحة وواضحة ومقدمة أنموذجًا عمليًا يهدف إلى بناء مستقبل للطاقة متنوع ومستدام.