تُعدّ نظرية "حارس البوابة" من النظريات الكلاسيكية في مجال الاتصال والإعلام، وقد ظهرت لأول مرة عام 1947 على يد عالم النفس الأمريكي النمساوي الأصل كيرت لوين (Kurt Lewin)، وقد بيّن لوين من خلال هذه النظرية أن الرسالة الإعلامية لا تصل إلى المتلقي بشكل مباشر، بل تمر بسلسلة من العمليات التنظيمية والرقابية، أطلق عليها "نقاط تفتيش"، ويتولى مسؤوليتها أفراد أو جهات يُعرفون بـ"حراس البوابة"، وتكمن مهمة هؤلاء الحراس في اتخاذ قرارات تتعلق بما يجب تمريره من مضمون إعلامي، وكيفية تقديمه للجمهور، ما يعني أن الرسالة قد تُعدّل أو يُحذف جزء منها لتتناسب مع توجهات الوسيلة الإعلامية وأهدافها. وتُشير النظرية إلى أن "حراسة البوابة" تمثل نوعًا من التحكم في طبيعة المحتوى الإعلامي، وهو ما يمنح حراس البوابة سلطة كبيرة داخل المؤسسات الإعلامية، بحكم قدرتهم على التأثير فيما يُنشر أو يُمنع، وبذلك فإن جوهر النظرية يرتبط بمسألة التحكم والرقابة على تدفق المعلومات قبل وصولها للجمهور. ومع التحولات الجذرية التي شهدها المشهد الإعلامي نتيجة تطور تقنيات الإعلام الجديد وشبكة الإنترنت، بدأ مفهوم "حارس البوابة" يأخذ منحى مختلفًا، بل ويثير جدلًا واسعًا حول مدى استمراريته، فبعض الباحثين يرون أن هذا المفهوم فقد صلاحيته في البيئة الرقمية، التي أتاحت لأي فرد أن يكون مصدرًا للمعلومات، دون الحاجة إلى المرور عبر وسيلة إعلامية تقليدية، وقد أسهم زوال القيود التقليدية، سواء كانت سياسية أو مؤسسية، في تمكين الأفراد من أداء أدوار حراسة البوابة بأنفسهم، إضافة إلى تفكك احتكار المؤسسات الإعلامية للمعلومة، ما فتح المجال أمام قوى جديدة لكشف المعلومات المحجوبة، وبالتالي رفع مستوى الوعي العام. في المقابل، يرى فريق آخر أن النظرية لا تزال قائمة، ولكن بأشكال جديدة تتلاءم مع البيئة الرقمية، فعلى الرغم من تغيّر طبيعة التحكم بالمعلومة، لا تزال هناك جهات وأفراد يمارسون أدوار الانتقاء والتصفية، وإن اختلفت أدواتهم، فالإعلام الرقمي لم يُلغِ الحاجة إلى التحقق من المعلومة، بل خلق أنماطًا جديدة من الحراس يتولون هذه المهمة وسط كم هائل من المحتوى المتدفق، غير أن هذا النموذج الحديث يواجه إشكاليات تتعلق بموثوقية المعلومات، لا سيما مع انتشار الشائعات والمعلومات المضللة كما حدث في بعض الأزمات الكبرى، كأحداث الربيع العربي. وفي هذا الإطار، برزت الخوارزميات كأحد الأشكال الجديدة لحراسة البوابة، إذ باتت تلعب دورًا محوريًا في تنظيم المعلومات والتحكم في عرضها عبر معايير برمجية دقيقة، ورغم كفاءتها فإن هذه الخوارزميات تُثير تساؤلات حيال شفافيتها وحيادها، نظرًا لاعتمادها على اعتبارات تجارية وتقنية قد تُقيد تنوع المحتوى وتدفع نحو تشكيل بيئات إعلامية مغلقة أو منحازة، ومن أبرز التحديات التي تُطرح هنا ظاهرة "غرف الصدى"، وهي بيئات رقمية يتكرر فيها المحتوى المتوافق مع قناعات المستخدم، مما يعزز تحيزاته ويحدّ من تعرضه لوجهات نظر مغايرة. من هنا، تبرز الحاجة إلى وضع أطر تنظيمية تحقّق توازنًا بين توظيف الخوارزميات لإدارة المحتوى، وبين ضمان مصداقيته وتنوعه، وحق الجمهور في الوصول إلى معلومات عادلة وغير منحازة، ويمكن القول: إن نظرية حارس البوابة لم تنتهِ، بل تطورت لتتلاءم مع معطيات العصر الرقمي، حيث انتقلت من حكر المؤسسات الإعلامية إلى فضاء أوسع تُمارَس فيه الأدوار ذاتها بوسائل مختلفة، تعكس امتدادًا للنظرية لا زوالًا لها. @syalaboud