تم النشر في: 17 أبريل 2025, 4:57 مساءً في تصريح واضح أعاد ضبط التوقعات، أكدت سفيرة المملكة العربية السعودية لدى الاتحاد الأوروبي، هيفاء الجديع، أنه لا توجد أي تحديثات جديدة بشأن إعفاء السعوديين من تأشيرة شنغن. وقالت في حديث صحفي إن العمل جارٍ منذ أكثر من عامين، لكن لا تقدم رسميًا قد أُعلن حتى الآن. هذا الملف، الذي ظل حبيس المشاورات البطيئة منذ 2022، يأخذ أبعادًا تتجاوز كونه مجرد إجراء تسهيلي لحركة الأفراد. فهو مرآة تعكس كيف يمكن للطرفين ترجمة الشراكة الاقتصادية والاستراتيجية إلى قرارات ملموسة تمس المواطن العادي. ورغم البطء، فإن الإعفاء من شنغن يظل أحد أكثر الملفات التي قد تعود بالفائدة المباشرة على الاتحاد الأوروبي نفسه، إذا ما نُظر إليه من زاوية اقتصادية واستراتيجية شاملة، خاصة في ظل تنامي العلاقات السعودية الأوروبية، والتحولات التي تشهدها المملكة كقوة إقليمية تسعى لتوسيع حضورها العالمي. مكاسب اقتصادية مباشرة السعوديون ضمن الفئات السياحية الأعلى إنفاقًا في أوروبا. وتُظهر بيانات المفوضية الأوروبية أن عدد تأشيرات شنغن الممنوحة لمواطني المملكة تجاوز 140 ألف تأشيرة في 2023، رغم تعقيدات الإجراءات. يُقدّر متوسط الإنفاق للسائح السعودي الواحد بنحو 6,000 إلى 10,000 يورو في الرحلة، مما يعني أن الأسواق الأوروبية، وخصوصًا في قطاعات الضيافة والتجزئة والخدمات الطبية والتعليمية، تستفيد فعليًا من هذا التدفق. تيسير الدخول بإعفاء التأشيرة سيضاعف هذه الفوائد. وجهات مثل فرنسا، إيطاليا، ألمانيا، وإسبانيا ستكون من أبرز المستفيدين من نمو السفر العائلي، الطبي، والثقافي للسعوديين، مما يدعم أهدافها في تنشيط قطاع السياحة عالي القيمة، بعد تحديات ما بعد الجائحة. تحفيز الاستثمار والتبادل التجاري المملكة العربية السعودية، بصفتها أحد أكبر المستثمرين السياديين في أوروبا، عززت خلال السنوات الماضية حضورها في قطاعات متعددة تشمل التكنولوجيا النظيفة، الرياضة، الطاقة المتجددة، والعقارات. في المقابل، تزداد شهية الشركات الأوروبية للدخول إلى السوق السعودية، خصوصًا مع التوسع في مشاريع كبرى عملاقة وفرص استثمارية متنامية. إعفاء السعوديين من شنغن من شأنه أن يقلل الحواجز الزمنية والإجرائية أمام رجال الأعمال، المستثمرين، والوفود التنفيذية، ويعزز فرص الاجتماعات والزيارات الميدانية، ويختصر مراحل التعاون والربط المؤسسي بين القطاعين العام والخاص في الجانبين. تعميق الشراكة السياسية والاستراتيجية خلال السنوات الأخيرة، اتجهت العلاقة السعودية–الأوروبية إلى مساحات أكثر تنوعًا، شملت ملفات الطاقة البديلة، الأمن السيبراني، الابتكار، التعليم، والعمل المناخي. وفي ظل هذا التوسع الأفقي في العلاقات، يصبح فتح أبواب أوروبا أمام السعوديين جزءًا من تعزيز الثقة المتبادلة، وبناء جسور دبلوماسية ناعمة تعزز من استدامة هذه الشراكة. لماذا لم يتحقق القرار حتى الآن؟ السبب يعود في جوهره إلى آليات صنع القرار داخل الاتحاد الأوروبي. فكل إعفاء جديد من تأشيرة شنغن يتطلب موافقة جميع الدول الأعضاء، وهو ما يُعقّد المسار، خصوصًا في ظل وجود دول متحفظة بطبيعتها على تغيير سياسات التأشيرة بشكل عام. كما أن بعض الدول تتعامل مع مثل هذه الملفات من منظور داخلي انتخابي أو أمني، وليس كخيار استراتيجي بعيد المدى. ومن جانب آخر، أعلنت المفوضية الأوروبية مؤخرًا أنها ستبدأ في نوفمبر 2025 بتطبيق نظام الدخول والخروج الرقمي "ESS"، الذي يهدف لتحديث البنية التقنية لمراقبة المنافذ الحدودية. هذا النظام قد يُمهّد لاحقًا لتوسيع قاعدة الدول المستفيدة من تسهيلات أكبر، في حال ثبتت فعاليته الرقابية والأمنية. خلاصة المشهد الحديث عن إعفاء السعوديين من شنغن أصبح مرتبطًا بتصور أوروبي أوسع حول موقع المملكة في العلاقات الدولية. وفي الوقت الذي تزخر فيه الرياض برصيد كبير من الشراكات الاقتصادية، والمبادرات العالمية، والدور الدبلوماسي الهادئ، يبدو الاتحاد الأوروبي مطالبًا بالنظر الواقعي إلى أنه المستفيد الأكبر. المكاسب التي قد يحققها الاتحاد الأوروبي من فتح شنغن للسعوديين تفوق بكثير تكلفة التردد. إنها مكاسب مالية مباشرة، وفرص استثمار، وشراكة أعمق مع قوة إقليمية أثبتت خلال العقد الأخير أنها جزء من مستقبل النظام العالمي الجديد. وبينما تستمر الدبلوماسية في أداء دورها بعيدًا عن الأضواء، فإن هذه اللحظة قد تكون مناسبة لإعادة تعريف المعادلة: ليس المطلوب إعفاءات بقدر ما هو اعتراف حقيقي بأن الأمر في صالح الطرفين، وقد يبدو من المفارقة ألا يدرك الاتحاد الأوروبي أن السعودية الرقم الصعب تمتلك الكثير من الخيارات، وأن واقع التردد يبدو انغلاقًا غير مبرر.