واقعة صائغ مرو وأبي مسلم الخراساني تروي عدة مصادر في التاريخ الإسلامي واقعة ذات دلالات أخلاقية عميقة، تمثل نموذجًا عمليًا للإشكالات المتعلّقة بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الإسلام. بطلا هذه الحادثة هما: إبراهيم بن ميمون، المعروف بـ “صائغ مرو” (ت. 131هـ/749م)، الذي عدّه البعض من فقهاء الحنفية، وقدّمته المصادر التاريخية على أنه رجل ورِع وملتزم بأداء الشعائر، حتى إنه كان إذا سمع الأذان رمى بمطرقته وبادر للصلاة؛ وأبو مسلم الخراساني (ت. 137هـ/755م)، صاحب الدعوة العباسية وأحد أبرز من وطّد أركان دولتها الناشئة، والمعروف بالبطش وكثرة القتل وسفك الدماء، إذ أفنى خلقًا كثيرًا في حروبه ومعاركه. كان صائغ مرو من جلساء أبي مسلم في بدايات الدعوة العباسية، وقد وعده الأخير – آنذاك – بإقامة العدل متى استتب له الأمر. غير أن أبا مسلم، بعد أن اشتد سلطانه واستقرّت له الأمور في خراسان، تنكّر لتلك الوعود، وانتهج طريق الشدة وسفك الدماء. ومع مرور الوقت توترت العلاقة بين الرجلَين، وظل الصائغ يلحّ على أبي مسلم بالوفاء بعهده، غير أن هذا الأخير كان يصده ويقول له: “انصرف إلى منزلك، فقد عرفنا رأيك”. فلما يئس الصائغ من استجابته، اختار المواجهة الجريئة، وتهيّأ للموت؛ فتحنّط وتكفّن، فأتاه وهو في مجمع من الناس…