اقتصاد / ارقام

دروس التاريخ .. حتى تزدهر أمريكا يجب أن تخسر في التجارة الدولية

  • 1/5
  • 2/5
  • 3/5
  • 4/5
  • 5/5

في لحظة فارقة من تاريخ النظام المالي، جمعت أمريكا أغلب ذهب العالم في خزائنها، لا بالغزو، بل بوعد.. وعد مغلف بالدولار الذي اعتقد الجميع أنه أصبح "المعدن النفيس الجديد" فتدافعت البلدان لبناء احتياطياتها من العملة الخضراء، حتى جاء اليوم الذي قررت فيه أمريكا أن تحنث بالوعد.


في عام 1971، وقف الرئيس "ريتشارد نيكسون" أمام العالم وأعلن: "لن نُبدّل الدولار بالذهب بعد الآن"، ليكتب نهاية نظام "بريتون وودز"، وتتحقق نبوءة الاقتصادي "روبرت تريفين" الذي رأى أن "من يحكم عملة العالم، لا يستطيع أن يحميها".


واليوم، بينما يسعى الرئيس "دونالد ترامب" لسحق العجز التجاري، هل يعيد التاريخ نفسه؟ وهل تتكرر الخدعة لكن بأدواتٍ جديدة؟

انهيار النظام.. ونبوءة تريفين

- كان اتفاق عام 1944 ينص على ربط الدولار بالذهب بسعر ثابت (35 دولارًا للأوقية)، وربط باقي عملات الدول المشاركة بالدولار، وأن تحتفظ الدول بأرصدة دولارية لدى أمريكا، وفي المقابل، تضمن الولايات المتحدة التي تحولت إلى بنك مركزي عالمي أن تحول هذه الدولارات إلى ذهب عند الطلب.

 

للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام


- لذلك، حولت الكثير من الدول فوائضها التجارية إلى أرصدة دولارية لدى الاحتياطي الفيدرالي، وتخلت تدريجيًا عن جزء كبير من الذهب لصالح الولايات المتحدة، والتي امتلكت أكثر من نصف احتياطي الذهب في العالم بحلول أواخر الستينيات (20 ألف طن تقريبًا).


- لكن تزايد نفقات واشنطن بسبب الحرب في فيتنام والبرامج الاجتماعية، دفعها إلى التوسع في طباعة الدولارات دون غطاء كافٍ من الذهب، ومع نمو الاقتصاد العالمي، تدفقت هذه الأموال إلى الخارج، وعندما طالبت الدول بتحويلها إلى ذهب، انخفض احتياطي المعدن النفيس لدى الولايات المتحدة إلى مستويات خطيرة.


- هذا الضغط كان المحرك الرئيسي وراء إعلان عام 1971، والذي عُرف لاحقًا باسم "صدمة نيكسون"، ومع ذلك، فإنه لم يكن صادمًا تمامًا، حيث توقع "روبرت تريفين" وحذر مرارًا من انهيار نظام "برايتون وودز".


- ببساطة تنص نظريته أو ما يعرف بـ "مفارقة تريفين"، على أن توقف الولايات المتحدة عن تسجيل عجز بالمعاملات الدولية، يعني خسارة المجتمع الدولي أكبر مصدر لتدفق الاحتياطيات النقدية، ومع نقص السيولة سيُدفع بالاقتصاد العالمي نحو الانكماش وعدم الاستقرار.


- في المقابل، فإن استمرار العجز في الولايات المتحدة، يعني أن الدولارات تتدفق إلى النظام العالمي وتدفع النمو، رغم تحذير "تريفين" من أن هذا العجز سيقوض الثقة في الدولار نفسه بمرور الوقت.

الدرس الذي أغفله ترامب
 

- يشعر الرئيس "ترامب" أن الولايات المتحدة كانت "تُستغل" من قبل شركائها التجاريين طوال أكثر من نصف قرن بسبب العجز التجاري الضخم، ويرى أنه إذا كانت بلاده تشتري من دولة ما أكثر مما تبيعه لها، فإن ذلك يعني تفوق هذه الدولة على أمريكا.


- يبلغ عجز الميزان التجاري السلعي للولايات المتحدة زهاء 1.2 تريليون دولار (الأعلى في العالم) عند نحو 4% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، ويقارن ذلك بعجز قدره 150 مليار دولار فقط قبل 30 عامًا.


- في الفترة بين منتصف الستينيات وبداية السبعينيات، كان استقرار الميزان التجاري ملحوظًا، ففي عام 1964، حققت الولايات المتحدة فائضاً تجارياً قدره 6.75 مليار دولار، ما يعادل 1.1% من الناتج المحلي الإجمالي.


- لكن في عام 1971 سجلت البلاد عجزًا تجاريًا قدره 2.3 مليار دولار، ومنذ ذلك الحين، شهدت الولايات المتحدة عجزًا تجاريًا في كل عام تقريبًا، رغم أن تحركات الرئيس "نيكسون" كانت تهدف في الأساس إلى وقف تدهور ميزان التجارة.


- لم تفلح الإجراءات المتطرفة واللغة المتعجرفة (مثل عندما قال الخزانة لوزراء مالية الدول الأخرى: الدولار عملتنا لكنه مشكلتكم أنتم) قبل 50 عامًا في منع تدهور الميزان التجاري، ومع ذلك، لم يحرم هذا الانحدار الولايات المتحدة من الازدهار.


- بلغ الناتج المحلي الإجمالي الاسمي للولايات المتحدة 1.1 تريليون دولار عام 1970، ورغم ارتفاع العجز التجاري بشكل كبير اليوم، بلغ حجم الاقتصاد الأمريكي قرابة 30 تريليون دولار، وقفز نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي إلى 86.6 ألف دولار من 5.3 ألف دولار.


- مع ذلك، وعلى طريقة "نيكسون"، أخبر "ترامب" مؤخرًا زعماء الدول المتفاوضة على الرسوم الجمركية: "لن نقبل بعجز تجاري مع دولكم .. بالنسبة لي، العجز خسارة، لذا سنحقق فوائض، أو في أسوأ الأحوال، سنصل إلى نقطة التعادل".

لماذا لن ينتصر؟

- إن سياسات "ترامب" التي تركز على تقليص العجز التجاري من خلال الإجراءات الحمائية لا تضع في الحسبان العوامل الاقتصادية الأعمق التي تؤثر على الحساب الجاري، مثل الادخار والاستثمار.​


- في حين يستهدف "ترامب" تقليص العجز التجاري، تشير "مفارقة "تريفين" إلى أن هذا العجز هو ثمن ضروري لهيمنة الدولار عالميًا، فإذا كانت أمريكا تريد الحفاظ على المكانة المهيمنة لعملتها عالميًا فإنها تحتاج إلى استمرار العجز كما هو الحال منذ أوائل السبعينيات.


- في المقابل، إذا نجحت سياساته في خفض العجز التجاري مؤقتًا، فإنها ستؤدي إلى تراجع دور الدولار كعملة احتياطية عالمية، وستكون التداعيات على النظام النقدي العالمي كبيرة، إذ قد يؤدي ذلك إلى نقص في السيولة العالمية، ما يفاقم التحديات التي تنبأ بها "تريفين".


- قد تؤدي سياسات "ترامب" إلى ارتفاع التضخم وعجز مالي أكبر، ما يُفاقم "معضلة تريفين المعاصرة"، وردًا على ذلك، قد يبدأ المستثمرون الأجانب بالمطالبة بعلاوة مخاطر أعلى للاحتفاظ بالأصول الدولارية، ما يُترجم إلى ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية، وفقًا لتحليل "نومورا".


- توحي تصريحات وتصرفات "ترامب" بأنه لا يفضل الدولار القوي، وهذا مفهوم في إطار سعيه لتعزيز صادرات البلاد، ويدعم هذا التوجه من خلال إلحاحه على الاحتياطي الفيدرالي (منذ ولايته الأولى) لخفض أسعار الفائدة.


- كانت الفكرة التي قامت عليها اتفاقية "برايتون وودز"، هي أن أمريكا القوة الاقتصادية العظمى في العالم، لا تستطيع بسهولة اتباع سياسة دولار رخيص للهيمنة في التصدير أو أن تدير شؤونها المالية الداخلية بتهور، حيث سيكون ارتفاع سعر الذهب (أو انخفاض قيمة الدولار) علامة على أنها تطبع الدولارات وتخفض قيمة عملتها.


- بالاستناد إلى مفاهيم "تريفين"، فإن تزويد العالم بعملة الاحتياطي يعني اكتساب هذه العملة للقوة، ما يؤثر سلبًا على التصنيع المحلي والقدرة التنافسية للصادرات، وبالفعل كلف الدولار الولايات المتحدة ملايين الوظائف في قطاع التصنيع وفاقم التفاوتات الاقتصادية الإقليمية.

- لذلك، يبدو خفض قيمة الدولار حلاً لإنعاش التصنيع، وتعزيز القدرة التنافسية للصادرات، وتصحيح الاختلالات التجارية، فمن خلال جعل السلع الأمريكية أرخص دوليًا والواردات أغلى نسبيًا محليًا، يُمكن تعزيز النشاط الاقتصادي.


- لكن تحول الولايات المتحدة إلى تحقيق فوائض، يعني أن الدولارات تتدفق بشكل عكسي إلى أمريكا، وهذا سيترك الاقتصاد والأسواق العالمية بسيولة دولارية ضعيفة، ما يترتب عليه تداعيات كارثية.


- إن نجاح هذه السياسة يلحق الضرر بالدول الأخرى، وفي مقدمتها الأسواق الناشئة، وتجعل قدرتها على الوفاء بالديون أقل، وقد تُفضي إلى انكماش عالمي يتجلى أثره في تآكل الصادرات الأمريكية لأن المستوردين سيعانون كثيرًا.


هل تخسر أمريكا امتيازها؟


- في ستينيات القرن الماضي، صاغ وزير المالية الفرنسي "فاليري جيسكار ديستان"، عبارة "الامتياز الباهظ" لوصف الفوائد التي تعود على الولايات المتحدة من امتلاكها لعملة الاحتياطي العالمي.


- تشمل هذه الفوائد انخفاض تكلفة اقتراض الحكومة، وانعدام مخاطر سعر الصرف على الالتزامات الخارجية، وانخفاض تكلفة الواردات للمستهلكين، وتقليل خطر حدوث أزمة في ميزان المدفوعات، علاوة على التحكم في النظام المالي العالمي، لا سيما في شكل عقوبات مالية.


- بالنظر إلى مفهوم العجز التجاري الأكثر بساطة؛ يشتري الأمريكيون بضائع وخدمات من الخارج أكثر مما يرسلون، وبقول آخر، يعمل الأجانب لخدمتهم أكثر مما يعملون هم لخدمة غيرهم، لذلك يعتقد بعض المفكرين الاقتصاديين أن العجز التجاري قد يكون علامة على ثراء الشعوب (نسبيًا بالطبع).


- تنذر "مفارقة تريفين المعاصرة" بمشهد جديد تتسبب فيه الولايات المتحدة (متعمدة) في إيذاء كل شخص تقريبًا يعيش خارجها مع إضعاف الاقتصاد العالمي، مقابل زيادة ثرواتها "بشكل مؤقت" بينما تخاطر بفقدان الثقة في عملتها والنظام المالي، وحتى خسارة "امتيازها الباهظ".

- على المدى القصير، من المرجح أن تشجع أجندة "ترامب" دولًا مثل ، على إضعاف عملاتها، بحيث تصبح صادراتها أقل تكلفة للمشترين الأجانب، وعلى المدى الطويل، قد يُجبر هذا النهج دولًا أخرى على الابتعاد عن الدولار والتداول بعملات أخرى إذا أصبح الوصول إلى السوق الأمريكية صعبًا للغاية.


- كما تجاهل "نيكسون" تحذيرات "تريفين"، يبدو أن ترامب يعيد الكرّة اليوم، دون إدراك أن هذا العجز هو الثمن المطلوب لدور الدولار كعملة احتياطية عالمية، والنتيجة المحتملة، كما في الماضي، قد تكون "اضطرابًا عالميًا لا يخدم مصالح أمريكا نفسها".


المصادر: أرقام- كلود- شات جي بي تي- ڤوكس- إن بي سي نيوز- ستيت ستريت جلوبال أدفايزورز- مكتب التأريخ التابع لوزارة الخارجية الأمريكية- البنك الدولي- شيرز مجازين- نومورا-  مجلة سنترال- نيويورك تايمز

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة ارقام ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من ارقام ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا