اقتصاد / ارقام

كيف تؤثر تقلبات الأسواق على معاشك التقاعدي؟

  • 1/5
  • 2/5
  • 3/5
  • 4/5
  • 5/5

في عالمٍ تتقلب فيه الأسواق بين انتعاشٍ مفاجئ وانكماشٍ حاد، وتُخيّم فيه الأزمات المالية كغيومٍ لا تُعرَف مواعيدها، يبرز سؤالٌ مُلحّ: إلى أي مدى يمكن أن تؤثر هذه التقلبات على مستقبلك التقاعدي؟

 

فبالنسبة لملايين الأشخاص حول العالم، لا يُمثّل التقاعد مجرد نقطة نهاية لحياةٍ مهنية طويلة، بل هو محطة حاسمة تُتوَّج سنواتٍ من الادخار والاستثمار، غالبًا من خلال خططٍ تقاعدية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بأسواق المال.

 

لكن، ماذا يحدث عندما تهتزّ تلك الأسواق فجأة؟ هل يظلّ الأمان المالي، الذي بُني على مدى عقود، صامدًا أمام العواصف؟

 

 

في الأوقات العصيبة التي تهتزّ فيها الأسواق المالية ويغرق فيها الاقتصاد في الركود، تواجه صناديق التقاعد – التي تُعد رافدًا رئيسيًا لمعاشات التقاعد – تساؤلًا محوريًا: هل هي محصَّنة فعلًا ضد مثل هذه الأحداث؟

 

للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام

 

لطالما مثّلت هذه الصناديق مصدر أمانٍ للمتقاعدين ومستقبلهم المالي، وتُوصَف بأنها "استثمار طويل الأمد"، لكن الواقع الحديث يكشف عن صورةٍ أكثر تعقيدًا وتشابكًا.

 

مكانة صناديق التقاعد

 

تُقدّر دراسة نشرها موقع ثينكينج أهيد إنستيتيوت عن صناديق المعاشات التقاعدية العالمية أصول تلك الصناديق في 22 سوقًا رئيسيًا (لا تشمل النرويج) بنحو 58.5 تريليون دولار أمريكي خلال عام 2024.

 

أكبر صناديق التقاعد بحسب دراسة موقع ثينكينج أهيد إنستيتيوت:

الترتيب

الدولة

حجم الصندوق

(تريليون دولار أمريكي)

1

الولايات المتحدة

11.7

2

2.1

3

كندا

1.8

4

هولندا

1.1

5

أستراليا

1.1

 

في حين أشار تقرير صادر عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، إلى أن أصول صناديق التقاعد حول العالم تجاوزت 38 تريليون دولار بنهاية عام 2022.

 

وتعكس تلك الأرقام القوة المالية لتلك الصناديق، ليس فقط على مستوى الأمن الاجتماعي للأفراد، بل أيضًا كقوة استثمارية ضخمة في الاقتصاد العالمي.

 

إذ تُعد صناديق التقاعد من أكبر القوى الاستثمارية المؤسسية في الأسواق المالية، وتمتلك حصصًا ضخمة في الشركات الكبرى، ما يمنحها تأثيرًا مباشرًا على القرارات الاستراتيجية لتلك الشركات، وعلى اتجاهات الاستثمار العالمي.

 

كما تلعب هذه الصناديق دورًا حيويًا في استقرار الأسواق بفضل استراتيجياتها التي تميل إلى الاستثمار طويل الأجل، ما يجعلها أقل تأثرًا بالتقلبات اللحظية ويعزز من مرونة الأسواق في مواجهة الأزمات.

 

وصناديق التقاعد هي مؤسسات مالية تُنشأ بهدف توفير دخل مستقر للأفراد بعد خروجهم من سوق العمل، وتعتمد على مبدأ تراكم المدخرات خلال سنوات العمل واستثمارها لتحقيق عوائد طويلة الأجل.

 

وتمول عبر مساهمات شهرية من الموظفين وأرباب العمل، وقد تُضاف إليها التمويل الحكومي في بعض الأنظمة، وتمثل شبكة أمان مالي تتيح للمتقاعدين الحفاظ على مستوى معيشي لائق بعد التوقف عن العمل.

 

 

وتنقسم صناديق التقاعد إلى عدة أنواع، أبرزها الصناديق العامة الحكومية والتي تُدار من قبل الدولة، مثل الضمان الاجتماعي في الولايات المتحدة، كما أن هناك الصناديق الخاصة والتي  تُنشئها وتديرها المؤسسات الكبرى لصالح موظفيها، وتكون منفصلة عن الدولة.

 

كما أن هناك خطط التقاعد الفردية: مثل حسابات "آي آر إيه" أو "401 كيه" في الولايات المتحدة، والتي تسمح للأفراد بإدارة مدخراتهم بشكل شخصي مع بعض المزايا الضريبية.

 

وتعتمد هذه الصناديق على الاستثمارات طويلة الأجل في أسواق المال حيث تُوظّف أموال المدخرين في سلة متنوعة من الأصول، تشمل الأسهم والسندات والعقارات وصناديق الاستثمار، بهدف تعظيم العوائد وتقليل المخاطر.

 

 وعند بلوغ سن التقاعد، يبدأ الصندوق في صرف معاشات شهرية أو دفعات مالية للمستفيدين، وفقًا لقواعد محددة.

 

ومن بين أبرز صناديق التقاعد في العالم صندوق التقاعد الكندي والذي يُدير أصولًا بقيمة تتجاوز 570 مليار دولار كندي (نحو 420 مليار دولار أمريكي)، ويُعتبر نموذجًا يحتذى به عالميًا في الإدارة المهنية طويلة الأجل.

 

ويموّل الصندوق معاشات أكثر من 20 مليون كندي ويستثمر في قطاعات متنوعة تشمل البنية التحتية، والأسهم، والعقارات.

 

هل أموال التقاعد في مهب الريح؟

 

تعتمد أنظمة التقاعد الحديثة، سواء كانت حكومية أو خاصة، على العوائد الاستثمارية طويلة الأمد.

 

وتستثمر معظم صناديق التقاعد في باقة متنوعة من الأصول تشمل الأسهم والسندات والعقارات والبنية التحتية.

 

لذلك، فإن أي أزمة اقتصادية أو تقلب في الأسواق – مثل تقلبات وول ستريت بعد أزمة التعريفات الجمركية– قد يؤدي إلى تآكل جزء كبير من هذه الاستثمارات.

 

 

فعلى سبيل المثال، كشفت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن صناديق التقاعد العالمية خسرت أكثر من 3 تريليونات دولار في الربع الأول من عام 2020 جراء أزمة جائحة كوفيد-19، قبل أن تبدأ في التعافي لاحقًا.

 

وفي عام 2022، أفاد تقرير من شركة "فيدليتي" أن حسابات التقاعد الأمريكية من نوع "401 كيه" فقدت أكثر من 20% من قيمتها، وهو ما أثار قلقًا واسعًا بين المتقاعدين والمستثمرين.

 

كيف يمكن أن تتأثر؟

 

تأثر المتقاعدين لا يقتصر فقط على حجم الانخفاض في الأسواق، بل يتفاقم إذا صادف ذلك فترة تقاعدك.

 

فالمستثمرون الذين يتقاعدون مباشرة بعد أزمة سوقية يُجبرون غالبًا على سحب مدخراتهم في الوقت الذي تكون فيه قيمة استثماراتهم في أدنى مستوياتها، ما يؤدي إلى تسريع وتيرة استنزاف أموالهم التقاعدية.

 

وتُعرف هذه الظاهرة في الأدبيات المالية باسم "مخاطرة التوقيت"، وهي من أخطر التحديات التي قد تواجه المتقاعد، لأنها تجمع بين عاملين قاتلين هما تراجع العوائد في بدايات التقاعد، واستمرار الحاجة إلى عملية سحب الأموال المنتظم من أجل تلبية الاحتياجات.

 

فحتى إذا تعافت الأسواق لاحقًا، فإن حجم الأصول قد يكون تقلص بالفعل إلى درجة لا تسمح بالاستفادة الكاملة من هذا التعافي، وهذا يفرض على المتقاعد إما خفض مستوى معيشته، أو المخاطرة بنفاد أمواله في وقت مبكر.

 

فعلى سبيل المثال، مع اجتياح جائحة العالم، شهدت الأسواق المالية في بداية عام 2020 واحدة من أسرع الانهيارات في التاريخ الحديث.

 

 

وخلال شهر مارس فقط، خسر مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" نحو 30% من قيمته، مما أصاب المستثمرين والمُدخرين بالذعر.

 

ولننظر إلى حالة جون ميلر، موظف حكومي أمريكي تقاعد في أبريل 2020 بعد 35 عامًا من العمل، وكان يعتمد في تقاعده على خطة "401 كيه" التقاعدية، التي استثمر فيها جزءًا كبيرًا من أمواله في الأسهم.

 

ومع بدء تقاعده، اضطر إلى سحب أول دفعة من مدخراته في وقت كانت فيه الأسواق عند أدنى مستوياتها.

 

رغم أن السوق تعافى بشكل ملحوظ بحلول نهاية العام، فإن جون لم يكن قادرًا على الاستفادة الكاملة من هذا التعافي، لأن السحب المبكر قلّص أصوله التقاعدية، مما أدى إلى انخفاض العوائد التراكمية بشكل دائم، وأجبره لاحقًا على تقليص نفقاته.

 

وقد تهدد أحداث مثل أزمة التعريفات الجمركية بتكرار هذا الأمر إذ تسبب إعلان إدارة الرئيس دونالد ترامب قبل عدة أيام عن فرض رسوم جمركية واسعة النطاق على واردات الكثير من دول العالم، في اضطرابات حادة في الأسواق المالية حيث شهدت تراجعًا كبيرًا.

 

وانخفضت الأسهم في وول ستريت حينها بأكثر من 12% خلال أربعة أيام، مسجلةً أكبر موجة بيع لها على مدار 5 سنوات.

 

تحديات تواجه صناديق التقاعد

 

لطالما اعتُبرت صناديق التقاعد "استثمارًا طويل الأجل"، ما منحها هامشًا نسبيًا من الأمان، لكن الواقع الحديث أثبت أن هذا الأمان ليس مطلقًا.

 

وخلال العقدين الماضيين، لجأت الكثير من الصناديق إلى الأصول عالية المخاطر مثل الأسهم الخاصة والبنية التحتية في محاولة لتعويض تراجع العوائد في معظم الأسواق التي تستثمر بها، ما جعلها أكثر عرضة لتقلبات الأسواق.

 

إلى جانب التحديات الاقتصادية، هناك عامل ديموغرافي ضاغط يتمثل في زيادة نسبة الشيخوخة بين السكان، إذ تزداد أعداد المتقاعدين، في وقت تشهد فيه العديد من الدول تراجعًا في أعداد دافعي اشتراكات التقاعد.

 

ووفقًا لمعهد بلاك روك للاستثمار، فإن بعض صناديق التقاعد حول العالم قد تواجه فجوات تمويلية ضخمة بحلول عام 2035 إذا لم تُجرَ إصلاحات هيكلية عاجلة.

 

رغم كل هذه التحديات، فإن الحل لا يكمن في تجنب المخاطر بالكامل، بل في إدارتها بذكاء، إذ إن استراتيجيات مثل تنويع الأصول، والانضباط الاستثماري، وتبني حلول مرنة، يمكن أن تحمي أموال التقاعد من الانهيارات المفاجئة.

 

ومن بين الأدوات التي أثبتت فعاليتها الصناديق المؤمّنة للتقاعد والتي تُعدل توزيع الأصول تلقائيًا مع اقتراب موعد التقاعد، وأيضًا نماذج الذكاء الاصطناعي التنبؤية التي تتيح للمستثمرين محاكاة سيناريوهات مالية متنوعة لتقدير مخاطر تقاعدهم مسبقًا.

 

 

ونجحت بعض الدول في تطوير نماذج مرنة لصناديق التقاعد، مثل صندوق التقاعد الكندي الذي يدار باحترافية طويلة الأجل، مما مكّنه من تجاوز أزمات عدة بأقل الأضرار.

 

كما أن صندوق المعاشات النرويجي تمكن من الحفاظ على استقراره في وجه الاضطرابات، بفضل الحوكمة الرشيدة والشفافية وتوزيع الأصول عالميًا.

 

قد لا تتمكن صناديق التقاعد من الإفلات من تقلبات السوق، لكن هذا لا يعني بالضرورة نهاية الأمان التقاعدي.

فبالمعرفة، والتخطيط طويل الأمد، والاعتماد على نماذج استثمارية ذكية ومستدامة، يمكن تحويل هذه التحديات إلى فرص.

 

وهو ما يعني أن صناديق التقاعد ليست محصنة تمامًا من الأزمات، لكن قوة إدارتها، وتنوع استثماراتها، ومرونة أدواتها، تبقى هي الحصن الحقيقي للأمان المالي للمتقاعدين.

 

المصادر: أرقام- منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية- البنك المركزي النرويجي – صندوق التقاعد الحكومي العالمي- صندوق الاستثمار التقاعدي الكندي- بلومبيرج- ذا إيكونوميست- المنتدى الاقتصادي العالمي

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة ارقام ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من ارقام ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا