حين يتحدث اللواء سمير فرج عما يحيط بمصر من أخطار على حدودها الشرقية، وما يرتكبه جيش الإبادة الإسرائيلى من جرائم حرب ضد الفلسطينيين، وتصوراته عن تطور الأزمة، فهو لا يقول كلاما انطباعيا مرسلا، مثلما يفعل كثرة ممن تفرضهم الفضائيات على عقول الناس تحت مسميات إستراتيجية ما أنزل الله بها من سلطان،
فاللواء سمير فرج مختلف، من هؤلاء الذين يلزمون أنفسهم بالمعرفة والمعلومات المجردة والتحليل المبنى على مناهج التفكير العلمي، ويدعم رؤيته بالوثائق والخرائط، أى هو من القلائل الذين يعملون على «تنوير» عقول مشاهديه ومستمعيه، دون استغراق فى ثرثرة تفسد وعيهم بالقضايا محل البحث، ولهذا أثارت تصريحاته الأخيرة مع المذيع اللامع أحمد موسى قبل أسبوع ضجيجا كبيرا، لأنه قال إن حركة حماس بما فعلته فى طوفان الأقصى كانت العامل الرئيسى فى إحياء القضية الفلسطينية.

اندهش من هذا الكلام متابعون يُحملون حماس مسئولية الدماء التى سالت أنهارا من قتلى وجرحى يقترب عددهم من 250 ألف فلسطينى نصفهم على الأقل من الأطفال والنساء، والدمار المخيف الذى لحق بقطاع غزة وحولها إلى أرض غير قابلة للحياة عليها، ناهيك عما يتعرض له بقية السكان من عمليات تجويع وتشريد وقصف وتعذيب وإذلال، يمارسها جيش الإبادة الإسرائيلى بتلذذ وسادية،
عرت الحضارة الغربية الحديثة بقيادة الولايات المتحدة، من كل قيمها الإنسانية ومبادئها الأخلاقية، التى تباهت بها منذ عصر النهضة، ويبدو أن أصحاب هذه الحضارة أسقطوا تلك القيم والمبادئ تحت أحذية الجيش الإسرائيلي، وهم يؤيدونه بالمال والسلاح، أو وهم يتابعونه وهو يرتكب جرائم الإبادة ضد الفلسطينيين، دون أن يتصدوا لها!
ولام البعض اللواء سمير فرج على رأيه فى طوفان الأقصى، وما كان يجب أن يتورط فى الدفاع عنها، وكتبوا ضده، إذ يرون أن ما فعلته حماس كان الذريعة التى توارت خلفها إسرائيل فى كل جرائمها.
طبعا اللواء سمير مثل غالبيتنا يدرك تماما، مدى الأضرار التى ألحقتها حماس بمصر بعد سيطرتها على غزة وتحالفها مع جماعة الإخوان فى عمليات العنف التى انفجرت بعد أحداث 25 يناير 2011 سواء فى الدلتا أو سيناء، وكذلك حجم الكارثة الناجمة عن الانقسام الفلسطينى بين الضفة وغزة بعد تمرد حماس على السلطة الفلسطينية، وهو الانقسام الذى كان برعاية حزب الليكود وبنيامين نيتانياهو.
لكن لو حللنا حديث اللواء سمير فرج بهدوء، سنكتشف أنه لم يكن يدافع عن حماس، وإنما عن الفلسطينيين، فحماس ليست كل الفلسطينيين، مجرد فصيل مسلح، تأسس بدعم من إسرائيل وبعض العرب، لتفتيت حل الدولتين بين «قبائل» فلسطينية متناحرة،
والتاريخ يعلمنا أن السيطرة على تصرفات أى تنظيم مسلح كل الوقت مسألة شبه مستحيلة، دون أن ننكر على الفلسطينيين حق الكفاح المسلح ضد الاستعمار الصهيوني، والذى تعترف به كل القوانين والمواثيق الدولية، وأيا كانت التقديرات، لا يمكن أن نخضع قضايا تحرير الشعوب لمفاهيم الأرباح والخسائر المباشرة، فهى ليست مشروعات تجارية، نراجع حساباتها مع نهاية كل عملية، فهى معارك طويلة وممتدة وغير متكافئة بين شعوب وقوات احتلال،
وإذا دققنا فى تفاصيل القضية الفلسطينية، فسنجدها واحدة من القضايا الأكثر تعقيدا فى التاريخ، ولم يحدث أن واجه شعبٌ استعمارا استيطانيا مدعوما من القوى الكبرى ذات التأثير الفعال فى علاقات النظام الدولى اقتصاديا وسياسيا وعسكريا كما هو حال الفلسطينيين، المشهد فعلا عبثى ومخيف، إسرائيل فى جانب، معها وأحيانا أمامها الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية بكل ما يملكونه من إمكانات اقتصادية وعسكرية ومخابراتية ودبلوماسية، والفلسطينيون فى جانب، على فيض الكريم، إلا من مساعدات خجولة تجنبهم فقط الانهيار والضياع.
شعب صامد تحت ظلم وقهر وغزو قوى عاتية تتربع على قمة النظام الدولي.
صحيح أن العالم عرف استعمارا استيطانيا، فى أمريكا الشمالية واستراليا ونيوزيلندا وبعض الدول الإفريقية، لكن «التجربة الفلسطينية» فريدة فى تفاصيلها، وهو ما يضاعف العبء المادى والنفسى والأثمان المدفوعة مئات المرات عن أى تجربة سابقة، خاصة مع ضعف «النظام العربي» المحيط بها، أو بمعنى أصح تشرذم الجماعة العربية وعدم قدرتها على بناء « قرار جماعي» تعمل على تنفيذه، لأسباب كثيرة، بعضها تاريخى مرتبطة بالغرب منذ بداية القرن العشرين، وبعضها حديث تغذيه روح منافسة شرسة خلف الكواليس وتعاون هش أمام أضواء الكاميرات.
فى ظل هذه البيئة دخلت القضية الفلسطينية فى غيبوبة عميقة، وقاربت أن تصبح «حكاية فلكلورية»، لا تفرق الأجيال الجديدة فى العالم أجمع بين مقدار الواقع فيها ومقدار الخيال، خاصة أن أغلب الإعلام العالمى تبنى الرؤية الإسرائيلية وروج لها فى الصحف والفضائيات والأفلام الوثائقية، وكادت الغيبوبة تتحول إلى موت إكلينيكى فى مستشفى الشرق الأوسط للحالات المستعصية.
وسواء نكره حماس أو لا نكرهها، فالشعب الفلسطينى وحده هو صاحب الحق فى تقييم ما صنعته فى طوفان الأقصي، دون أن نهمل التداعيات السيئة التى أصابت الشعوب المجاورة لإسرائيل من هذه العملية.
لكن فى المقابل هبت قضية فلسطين من الرقاد الآسن، وأصبحت شأنا ملموسا فى وجدان الرأى العام العالمي، وعرفتها أجيال جديدة، لم تكن كلمة فلسطين تعنى لهم شيئا، فارتفعت أعلامها على شرفات منازل فى أمريكا اللاتينية وأوروبا، واُلفت لها أغنيات بمختلف لغات العالم، ويتحدث عنها فنانون ومثقفون ومفكرون ونشطاء على شبكات التواصل الاجتماعي، فتوارت – تحت رماد غزة – كل الأكاذيب التى صنعتها إسرائيل فى 75 سنة لوأد القضية الفلسطينية، وأتصور أن هذا ما كان يقصده اللواء سمير فرج!
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة متر مربع ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من متر مربع ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.