محمد الصياد
في الرابع من مارس، أعلنت شركة سي كيه هاتشيسون، التي يملكها الملياردير الصيني (من هونج كونج)، لي كا شينغ عن خطط لبيع 43 ميناء عالمياً - بما في ذلك موانئ حيوية على طرفي قناة بنما، وأخرى بالقرب من قناة السويس، مقابل 22.8 مليار دولار، لشركة بلاك روك الأمريكية BlackRock (شركة أمريكية متعددة الجنسيات لإدارة الاستثمار تأسست في 1988، مقرها مدينة نيويورك).
في اليوم التالي، 5 مارس 2025، أكد الرئيس التنفيذي لشركة بلاك روك، لاري فينك شخصياً للبيت الأبيض، إمكانية الاستيلاء على مرافق ميناء بنما، التي هدد ترامب بـ«استعادتها»، دون استخدام القوة. وقد وافق ترامب فوراً على الفكرة. خصوصاً أن بنما كانت قد أعلنت في فبراير 2025، تحت ضغط واشنطن، انسحابها من مبادرة الحزام والطريق الصينية، ما أثار غضب الصين، التي اتهمت واشنطن بـ«استخدام الضغط والإكراه لتشويه سمعة التعاون في مبادرة الحزام والطريق وتقويضه».
الحكومة الصينية اعتبرت الصفقة تواطؤاً مع الشركة الأمريكية ومع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وخيانة سافرة للأمانة وللوطن الأم، واتهمت كي كا شينغ بأنه باع وطنه من أجل المال. لم يطل احتفال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالاستيلاء، عبر شركة بلاك روك، على جميع الموانئ اللوجستية، بما فيها محطة حاويات بنما كولون، وهو ميناء رئيسي بالقرب من قناة بنما، أحد أهم طرق التجارة العالمية. فقد باشرت إدارة الدولة الصينية لتنظيم السوق فتح تحقيق في انتهاكات محتملة لقوانين مكافحة الاحتكار الصينية، ما أدى فعلياً إلى تعطيل الصفقة. على الفور صرح اثنان من مسؤولي شركة سي كيه هاتشيسون، أن الشركة لن توقع على الصفقة، وهو ما كان مقرَّراً يوم الثاني من إبريل 2025، حسب التفاهم الذي تم التوصل إليه يوم 4 مارس 2025.
الهيئة التنظيمية الصينية التي منعت عملية البيع، أعلنت على حسابها على وي تشات يوم الجمعة 28 مارس 2025، بأنها «من أجل حماية المنافسة العادلة وحماية مصالح الجمهور، ستجري مراجعة لمكافحة الاحتكار بشأن الصفقة أولاً، من حيث أنها ستعرض المصلحة العامة والأمن القومي الصيني للخطر». بمعنى آخر: لن يُسمح لأي شركة مالية أمريكية بالسيطرة على بوابة بين المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ. وشركة بلاك روك ليست مجرد شركة استثمارية، إنها شركة عملاقة تبلغ قيمة أصولها نحو 11 تريليون دولار، ولديها علاقات عميقة مع وزارة الخارجية الأمريكية والبنتاغون والاحتياطي الفيدرالي، ولديها سجل حافل في تحصيل «الخراج الرأسمالي»، يمتد من الإسكان واستملاك الأراضي، مروراً بالطاقة، والوصول للبيانات الحساسة للقطاعات والبلدان، والمساهمة في إدارة العقوبات الأمريكية، وليس انتهاءً بالاستثمار في الحروب.
أثارت الصفقة، التي أُعلن عنها الشهر الماضي (مارس 2025)، ذهول العالم، إذ أعقبت تهديدات مباشرة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأنه مستعد لغزو بنما للاستيلاء على موانئها. الإعلان الصيني الجديد وضع الصفقة برمتها قيد الانتظار. المفارقة أن الصين، استخدمت قوانين مكافحة الاحتكار الدولية، التي تمنع إنشاء احتكارات غير عادلة تضر بالتجارة الحرة العالمية من خلال خنق المنافسة، لإبطال الصفقة، وذلك قبالة استخدام الولايات المتحدة تهديدات الغزو والإكراه الاقتصادي لخنق المنافسة، كما لو أنها تشن حرباً ضد التجارة الحرة.
لقد أظهرت تطورات الأحداث المحيطة بتجاذبات هذه الصفقة، تناقضاً بيّناً بين الولايات المتحدة والصين في السيطرة على الاقتصاد وإدارته. ففي حين تسيطر الشركات والمنظمات الغنية في الولايات المتحدة، على الكونجرس وأعضائه، نجد أنه في حالة الصين، لا يستطيع حتى أغنى قادة الأعمال، مثل جاك ما، ولي كا شينغ، نقض قرارات الحكومة. لكن، إذا كانت الخطوة الصينية قد أوقفت الصفقة لمدة غير معلومة، فإنها بالمقابل رفعت سقف التحدي والمواجهة الصينية الأمريكية. حتى الآن، أدارت الشركة الصينية في هونغ كونغ عملياتها في بنما وفقاً لعمليات التجارة العالمية المعتادة، مع رسوم قياسية لاستخدام الميناء. في المقابل، ترى إدارة ترامب بوضوح أن الميناء أداة استراتيجية. لذلك سينتظر العالم كيف سيرد ترامب على الخطوة الصينية.
أمريكا المتنمرة تريد السيطرة على أربع من أهم نقاط الاختناق للتجارة البحرية في العالم. فإلى جانب السيطرة على قناة بنما، تريد الولايات المتحدة بناء بديل لقناة السويس، يمر عبر إسرائيل بالقرب من قطاع غزة. كما تريد السيطرة على الطرق البحرية في أقصى الشمال، بما في ذلك «الممر الشمالي الغربي» الذي يمر عبر كندا، و«الممر الشمالي الشرقي» بين روسيا والصين الذي يمر بالقرب من جرينلاند. بالمقابل، فإن الصين، في عصر التعددية القطبية، ترسم خطوطاً حمراء: لا هيمنة مالية أجنبية على البنية التحتية الاستراتيجية العالمية.
أرادت بلاك روك امتلاك بوابة شريان شحن عالمي، لكن الصين أغلقت تلك البوابة. هذا أكثر من مجرد عملية بيع محظورة، بل ضربة للنهم المالي التوسعي الأمريكي. قناة بنما بالنسبة للصين، تشكل بوابة إلى أمريكا اللاتينية وأسواقها الغذائية والكيميائية وموارد الطاقة، بالإضافة إلى أسواقها التصديرية للسلع الصينية.
* خبير بحريني في العلاقات الاقتصادية الدولية
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.